المصدر: أتلانتيك كاونسل
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
في منتصف آب/ أغسطس الماضي، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، نقلًا عن مصادر استخباراتية غربية مجهولة، بأن الصين "تعيد بناء" ترسانة الصواريخ الإيرانية بعد حرب الأيام الـ12 بين إيران من جهة و"إسرائيل" والولايات المتحدة من جهة أخرى. ولم يقدم التقرير أي تفاصيل ولم تؤكده الحكومة الصيني.
في الواقع، إن انخراط الصين في البرنامج الباليستي الإيراني ليس أمرًا جديدًا؛ إذ يعود تاريخه إلى بداية البرنامج بعد الحرب الإيرانية العراقية عام 1988. ويقدر المحللون العسكريون أن الصواريخ الباليستية الإيرانية، مثل "شهاب-3" أو "فاتح-110"، اعتمدت على مكونات صينية، كما يُعتقد أن بعض الصواريخ التي نقلتها إيران إلى "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن هي نسخ من الصواريخ الصينية "C-704" و"C-802".
ومقابل هذه المساعدة التقنية، تلقت الصين إمدادات نفطية إيرانية بسعر مخفض. وبالنسبة لأجهزة الاستخبارات الغربية، فإن طبيعة هذا التعاون تجعل اكتشافه أصعب بكثير من مجرد تصدير الأسلحة المكتملة، كما إن نقل المعرفة أو التقنيات المزدوجة لا يثير اهتمامًا كبيرًا، ما يزيد من صعوبة الوعي العام بهذه التبادلات. وفي أواخر نيسان/ أبريل 2025، أي قبل شهر تقريبًا من شن "إسرائيل" حملتها الجوية على إيران، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية ستة كيانات صينية وستة أفراد مسؤولين عن تزويد الحرس الثوري بـ"مكونات الوقود"، المستخدمة لإنتاج الوقود الصلب اللازم لتشغيل صواريخ إيران.
في ظل هذه الخلفية، لا تكشف أحدث التقارير الصادرة عن وسائل الإعلام "الإسرائيلية" عن نقطة تحول في انخراط الصين مع إيران، لكن توقيتها ما زال مهمًا لعدة أسباب؛ أولها أنه يُسلط الضوء على الحاجة المُلحة لإيران لإعادة بناء ترسانتها بعد حرب الأيام الـ12. فقبل هجوم حماس على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023 والصراع الإقليمي الذي تلاه، اعتمدت الاستراتيجية العسكرية الإيرانية على صواريخها الباليستية ومجموعة وكلائها في الشرق الأوسط، كوسيلة للردع ضد "إسرائيل". أما اليوم، فقد أضعفت العمليات العسكرية "الإسرائيلية" الأخيرة هؤلاء الشركاء إلى حد كبير، ولم يعودوا قادرين على تشكيل ذلك العمق الاستراتيجي لطهران الذي كانت تتمتع به في السابق.
نتيجةً لذلك، فإن الطريقة الأكثر فعالية للحرس الثوري الإيراني لاستعادة ردع موثوق ضد "إسرائيل" تقوم على إعادة بناء مخزونه الصاروخي؛ ونظرًا للأضرار التي سببتها الغارات الجوية "الإسرائيلية" على مصانع الصواريخ ووحدات تخزينها، فإن عملية إعادة تسليح طهران ستكون طويلة ومكلفة. وفي هذا الإطار، يشير خبراء مستقلون إلى أن الوصول إلى المستوى الذي سبق الحرب الأخيرة في حزيران/ يونيو، قد يستغرق عامًا على الأقل.
ولتحقيق ذلك، تحتاج إيران إلى دعم خارجي، وروسيا هي الخيار الأوضح؛ فطالما زودت موسكو إيران بأنظمة الدفاع الجوي، وقد ازداد التعاون العسكري بين موسكو وطهران في العامين الماضيين؛ حيث قامت إيران بتوفير طائرات مسيرة وطائرات بدون طيار لدعم الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا. لكن الصراع المطول مع كييف قد استنزف معظم موارد روسيا، ولم تعد صناعتها الدفاعية قادرة على تلبية احتياجات إيران، لذلك، فإن المجمع الصناعي العسكري الصيني في وضع أفضل لتلبية احتياجات الحرس الثوري الإيراني.
وإلى جانب الاهتمام بمدى التعاون الحالي بين بكين وطهران، فإن التوقيت مهم أيضًا، لأنه يأتي في وقت تكثر فيه التكهنات بشأن حرب جديدة بين "إسرائيل" وإيران. كما إن الكشف عن تقييمات الاستخبارات "الإسرائيلية" ينقل رسالة إلى بكين، مفادها أنه في بيئة ما بعد السابع من أكتوبر، لم تعد "إسرائيل" تتسامح مع مثل هذه الأنشطة وقد تتخذ إجراءات بناءً عليها، بهدف إقناع الصين بالابتعاد عن عملية إعادة التسلح الإيرانية. وبالطبع، لا تستطيع "إسرائيل" بمفردها إكراه الصين، ولا يُرجح أن تجعل الإدارة الأمريكية تعاون بكين الصاروخي مع إيران على رأس أولوياتها. ومع ذلك، فهناك طرق يمكن لواشنطن من خلالها زيادة الضغط على الصين؛ ففي سياق المفاوضات التجارية الجارية بين بكين وواشنطن، قد يكون تعليق التعاون العسكري بين الصين وإيران شرطًا لوصول الشركات الصينية إلى التقنيات الأمريكية، مثل رقائق إنفيديا الدقيقة.
وإذا لم تُلبَّ هذه المطالب، فقد تزيد الولايات المتحدة من الدعاية لهذه الإجراءات الصينية تجاه شركائها في الشرق الأوسط، مثل دول الخليج. وتعتبر هذه الدعاية بمثابة تذكير مزعج بالأنشطة العسكرية الصينية في المنطقة؛ ففي عهد "شي جين بينغ" أكد المسؤولون الصينيون باستمرار عدم رغبتهم في التورط في صراعات محلية، وتفضيل العلاقات القائمة على صفقات تجارية ذات منفعة متبادلة. كما تحدثت ورقة السياسة العربية الصادرة عن بكين عام 2016 عن "نتائج مربحة للجميع"، وأدانت "التدخل الخارجي".
لكن تاريخ مشاركة الصين في برامج الصواريخ في الخليج العربي يُقوّض هذه الرواية الإيجابية، ويُبرز تناقضات سياسة الصواريخ الصينية في المنطقة؛ إذ يُقال إن الكيانات الصينية تدعم الإنتاج المحلي السعودي للصواريخ. وفي الوقت نفسه، عرضت قطر صاروخًا باليستيًا صينيًا قصير المدى خلال عرضها العسكري في يومها الوطني عام 2017. ويمكن أن تكون لهذه النقلات عواقب وخيمة؛ ففي عام 2016 أصيبت سفينة تابعة للبحرية الإماراتية بصاروخ حوثي قدمته إيران للحوثيين، ومن المرجح جدًا أنه كان نسخة من صاروخ صيني.
وبالتالي، فإن السياسة الصينية لنقل الصواريخ تُغذي سباق التسلح الإقليمي، وتؤثر في نهاية المطاف على المصالح الأمنية لحلفاء الولايات المتحدة مثل "إسرائيل" ودول الخليج. ومع استمرار احتمال نشوب حرب جديدة بين إيران و"إسرائيل"، فقد تحتاج الصين إلى أن تسأل نفسها: هل يستحق الأمر الحفاظ على التعاون العسكري مع إيران على حساب دبلوماسيتها المعلنة "المربحة للجانبين" في منطقة الخليج العربي؟