لبنان على شفا صراع جديد... "إسرائيل" تستعجل نزع السلاح و"حزب الله" يراهن على الوقت كسلاح سري

الساعة : 16:32
5 سبتمبر 2025

المصدر: ميدإيست ميرور

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

تتخوف "إسرائيل" من مرور الوقت وتخشى المستقبل في حربها على "حزب الله"، بينما يراهن الأخير على الوقت وقد عاد إلى "غموضه الاستراتيجي" الذي يعتبره سلاحه السري، والذي كان سائدًا قبل عام 2006. فـ"إسرائيل" في عجلة من أمرها للاستفادة من إنجازاتها في الحرب الأخيرة، خشية أن يعيد الحزب بناء قدراته، بينما يرفض هو الانجرار إلى كشف قوته أو إلى معركة تناسب توقيت "إسرائيل".

بموازاة ذلك، يستمر الجدل الداخلي حول سلاح الحزب في لبنان، لكن دون أن تقدم "إسرائيل" أي "تنازلات" لمن يدعون إلى نزع سلاحه لدعم حججهم. فلم يكن قرار الحكومة اللبنانية إطلاق حملةٍ لحصر السلاح بيدها حدثًا عابرًا في السياسة الداخلية، بل خطوةً أعادت النقاش إلى السؤال الأصلي حول مستقبل سلاح الحزب. ومع رفض الحزب القاطع لأيّ مساسٍ بترسانة سلاحه، أصبح واضحًا أن الصراع لم يعد قضيةً سياسيةً داخليةً، بل يتقاطع مع حساباتٍ إقليميةٍ أوسع، وفي مقدمتها احتمالاتُ تجديد "إسرائيل" لحربها على لبنان.

في الداخل "الإسرائيلي"، تبدو "إسرائيل" منقسمة بين طرفين؛ فمن جهة تستعجل حسم الأمور سريعًا، خشيةَ أن يتعافى الحزب سريعًا ويُحوّل الضربات الأخيرة إلى فرصةٍ لتعزيز قوته. ومن ناحية أخرى، عليها أن تتحلى بالصبر خشية أن تُخلّ حرب جديدة بالتوازن وتُعيد الصواريخ إلى تل أبيب، مُبددةً بذلك رواية "نتنياهو" حول تحييد تهديد "حزب الله".

بين هذين النقيضين، تتزايد التساؤلات في لبنان؛ هل تُمثّل حملة حصر السلاح بداية مرحلة جديدة من المواجهة الداخلية والخارجية؟ أم إنها مجرد فصل آخر من مأزق مزمن؛ حيث ما زال احتمال الحرب قائمًا لكن جدولها الزمني يعتمد على حسابات "إسرائيلية" مُعقّدة؟

فمنذ نهاية الحرب الأخيرة، تعمل العقلية "الإسرائيلية" على افتراض أن فرصة توجيه ضربات قاسية للحزب قد لا تُتاح مُجددًا، ورغم الجروح العميقة التي لحقت بالحزب، فإن "إسرائيل" تُدرك أنها فشلت في توجيه ضربة قاضية إليه. وقد علّمتها أربعة عقود من الخبرة أن الحزب منظمة عقائدية قادرة على التعلّم والتكيّف، وهذا العامل يزيد من قلقها؛ فكل يوم إضافي يُتيح للحزب إعادة بناء قدراته، وإصلاح الأضرار، وابتكار أساليب جديدة لمواجهة التهديدات.

وتشير التقييمات الأمنية "الإسرائيلية" إلى أن آثار الضربات الموجهة ضد قيادة الحزب وبنيته التحتية لن تدوم طويلًا، وأن أي تأخير يمنحه فرصة لاستعادة زمام المبادرة. لكن هذا التسرع لا يكفي لدفع "إسرائيل" مباشرةً إلى الحرب؛ فالحسابات السياسية والعسكرية في تل أبيب أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه. صحيح أن "إسرائيل" خرجت من المواجهة الأخيرة بقدر من التفوق النسبي وحرية حركة أكبر، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن حربًا جديدة ستكون في صالحها. كما إن "نتنياهو" يُروّج لرواية أنه حيّد تهديد الحزب، أو على الأقل قلّصه بشكل كبير، وبالتالي فإن أي مواجهة جديدة تحمل في طياتها خطر تقويض هذه الرواية سريعًا؛ إذ يكفي سقوط بضعة صواريخ على تل أبيب أو المدن المركزية لانهيار صورة "النصر"، وتحولها إلى عبء سياسي على حكومته.

أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فتُدرك "إسرائيل" أن حربًا واسعة النطاق على لبنان قد تُعيد خلط الأوراق في علاقاتها مع الولايات المتحدة، والعواصم العربية التي تُجري تطبيعًا بين الحين والآخر. كما إن التطورات في سوريا والعراق واليمن تزيد من حدة التوتر في ساحة المعركة وتزيد من احتمال وقوع مفاجآت. لذلك، فإن الحذر ليس خيارًا ثانويًا، بل ضرورة سياسية وعسكرية، طالما أن "إسرائيل" قادرة على استثمار مكاسب الحرب الأخيرة دون المخاطرة بها في صراع جديد قد يكون مكلفًا وغير متوقع.

إضافةً إلى ذلك، فإن حملة نزع السلاح الداخلية تُعفي "إسرائيل" من الحاجة لاتخاذ أي خطوة، بينما اختار الحزب من جانبه التكتم على قدراته ونواياه. ففي الداخل اللبناني، يحتدم الجدل حول حملة نزع السلاح؛ حيث يعتبر معارضو الحزب أن هذه فرصة تاريخية للتخلص منه نهائيًا، ويتهامسون حول ما إذا كان العدو سيدعم هذه الجهود بخطوات ملموسة، كالانسحاب من النقاط الخمس المحتلة في الجنوب، أو وقف انتهاكاته المتكررة واغتيالاته وغاراته الجوية، على افتراض أن مثل هذه الخطوات ستحرم الحزب من ذرائعه وتُمكّن الحكومة من تنفيذ قرارها.

قد يبدو هذا الخيار منطقيًا، لكن "إسرائيل" لا تفكر بهذه الطريقة؛ فغطرستها لا تسمح بمثل هذه "التنازلات"؛ حيث تُصر على بناء أمنها بنفسها لا بالاعتماد على معاهدات أو ترتيبات أمنية. لذلك، فإنها تُفضل ترسيخ معادلة التفوق والهيمنة حتى لو كانت النتيجة المباشرة منح الحزب نقطة قوة أخرى في الجدل الداخلي. أما الحزب، فيتمسك بالسؤال البديهي: كيف يُطلب منه تسليم سلاحه بينما لا يزال العدو يحتل البلاد وينتهكها ويعتدي عليها؟ بهذا المعنى، تُعيد "إسرائيل" إنتاج المعادلة نفسها؛ إذ تُصرّ على إظهار السيطرة والتفوق، حتى لو كلّف ذلك منح الحزب مزيدًا من الأسباب والشرعية للتمسك بسلاحه. إنها سياسة مبنية على الإخضاع والردع، متجاهلةً القرار 1701 أو أي مسار دبلوماسي من شأنه أن يُفضي إلى استقرار حقيقي.

وفي مواجهة هذه الضغوط "الإسرائيلية" والمحلية، يبدو أن الحزب يتبنى نهجًا جديدًا لإعادة بناء الردع، يقوم على العودة إلى الغموض الاستراتيجي؛ فقد امتنع الحزب عن مناقشة قدراته العسكرية علنًا، وتوقف عن استعراض ترسانته أو الإعلان عن جهود إعادة الإعمار، مُفضّلًا الصمت والسرية على الإفصاح والتباهي. ويُعيد هذا النهج إلى الأذهان الفترة الممتدة من تأسيس الحزب حتى حرب تموز/ يوليو 2006، عندما كانت السرية التامة والحساسية الأمنية الشديدة سمتين مُميزتين لعملياته. في ذلك الوقت، كان الغموض بحد ذاته مصدر قوة، تاركًا العدو في شك دائم بشأن قدراته، ومُوجّهًا خيال "الإسرائيليين" إلى افتراض الأسوأ. ويبدو أن الحزب اليوم عازم على استعادة هذا الغموض البنّاء، وتحويله إلى أداة ردع بحد ذاته؛ فبحجب المعلومات عن قدراته وخططه للتعافي يستعيد عنصر المفاجأة، ويعيد تشكيل ردعه من خلال العودة إلى الغموض البنّاء، أي الصمت المدروس الذي يُعمّق شكوك العدو، ويعجز "إسرائيل" عن تقدير حجم التهديد بدقة.

فـ"حزب الله" اليوم لا يتخلى عن سلاحه أو مشروعه، بل يُقدّم نفسه كمنظمة أكثر تروّيًا وسرية، ولن يُستفز أو يُجرّ لشنّ حرب على حساب الآخرين. كما يجمع الحزب بين الجاهزية الدائمة والصبر الاستراتيجي، مُعيدًا بناء الردع من الخفاء لا من على المسرح.

وبين استعجال "إسرائيل" في حسم الأمور خوفًا من تعافي الحزب، وحذرها الذي تمليه الحسابات السياسية والعسكرية، يبقى قرار الحرب على لبنان عالقًا في المجهول. وإن كانت تل أبيب ترى في كل يوم يمر فرصة ضائعة لإضعاف الحزب، لكنها تعلم أيضًا أن أي صراع جديد قد يُعيد الصواريخ إلى تل أبيب ويُحطم رواية "النصر" التي يروج لها "نتنياهو". وهكذا، يقف لبنان على شفا صراع جديد، في معادلة بالغة الحساسية؛ "إسرائيل لا تثق بالوقت وتخشى المستقبل، بينما حزب الله يراهن على الوقت نفسه كسلاح سري".