كيف ستوازن الولايات المتحدة بين الفائدة الاستراتيجية التي تقدمها قطر وبين الضغط عليها للتضييق على مصادر تمويل حماس

الساعة : 15:09
18 نوفمبر 2025

المصدر: أتلانتك كاونسل

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

في أعقاب الضربة "الإسرائيلية" التي استهدفت قيادات حركة حماس بالدوحة في أيلول/ سبتمبر الماضي، وما تلاها من وقف هش لإطلاق النار بين الجانبين، يواجه المسؤولون الأمريكيون تحديًا في تحديد ما ينبغي توقعه من شريك مثل قطر. فهذه الدولة الصغيرة، التي تعادل تقريبًا حجم ولاية كونيتيكت وتتمتع بثروة هائلة من الغاز الطبيعي، حققت نجاحًا نسبيًا في تقديم نفسها كوسيط،  أو الانخراط أحيانًا، في بعض الشؤون الدولية الكبرى. وقد تبوأت قطر دورًا يفوق حجمها على الساحة العالمية، لكن هذا الدور سلط الضوء أيضًا على الانتقادات المستمرة لسجلّها في مكافحة تمويل الإرهاب.

فقد شهدت الشراكة القطرية الأمريكية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وحققت إنجازات يمكن للطرفين الإشادة بها؛ حيث كانت قطر عضوًا في "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، وهو مؤسسة مشتركة بين الولايات المتحدة وست دول خليجية، منذ تأسيسه، وأسهمت في تصنيف ممولين وميسّرين مرتبطين بعدد من التنظيمات الإرهابية. كما اتخذت السلطات القطرية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، عام 2021 إجراءات منسقة ضد شبكة تمويل تابعة لحزب الله، وهو أمر ليس بالهيّن بالنسبة لدولة تتقاسم أكبر حقل غاز في العالم مع إيران.

رغم ذلك، يبقى سجل قطر في هذا المجال غير متناسق؛ حيث استضافت الدوحة مسؤولين من حماس، بينهم خالد مشعل، لأكثر من عقد، ويُقال إنها لم تمنع حركة طالبان من تحقيق أرباح كبيرة من مشاريع بناء منشآت كأس العالم. وقد واجهت قطر على مدى سنوات انتقادات بأنها تتيح بيئة مرنة تسمح للجهات الإرهابية بتخزين الأموال واستخدامها وتحويلها.

إن قوة أي نظام لمكافحة تمويل الإرهاب تعتمد على كفاءته التقنية وعلى إرادة الدولة لتنفيذه، كذلك؛ ورغم صغر حجمها، فقد حسّنت قطر قدراتها التقنية خلال السنوات الأخيرة للعمل مع الولايات المتحدة وغيرها في كشف وتعطيل التدفقات المالية غير المشروعة. ففي عام 2019، على سبيل المثال، أقرت الدوحة إصلاحًا مهمًا في قوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ما جعل منظومتها القانونية أكثر انسجامًا مع المعايير الدولية. لكن السياسة الخارجية القطرية المستقلة جدًا، والتي استفادت منها واشنطن أحيانًا، تثير تساؤلات حول مدى استعداد قطر للتعاون في بعض الظروف. لكن هذا التوازن القطري ليس مجرد انتهازية، بل هو أيضًا تكتيك للبقاء؛ فالدولة المحاصرة جغرافيًا بين السعودية وإيران، والتي يقل عدد سكانها عن سكان كثير من المدن الأمريكية، مضطرة للحفاظ على علاقات مع أطراف مختلفة أيديولوجيًا، بهدف حماية استقلالها وهامش مناورتها الاستراتيجية.

إن هذا التموضع، الذي يجعل قطر شريكًا غير مثالي في ملفات مكافحة تمويل الإرهاب والعقوبات، هو نفسه ما يجعلها ذات قيمة فريدة كوسيط دبلوماسي وحليف استراتيجي للولايات المتحدة. فالدولة الخليجية الصغيرة تستضيف "قاعدة العديد الجوية"، أكبر منشأة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وتشكل مركزًا حيويًا للعمليات الأمريكية في المنطقة. كما لعبت الدوحة دورًا أساسيًا في تسهيل مفاوضات طالبان التي أفضت إلى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، واستضافت محادثات أولية بين واشنطن وطهران، وتوسّطت في صفقات تبادل أسرى أمريكيين، وقدمت قنوات اتصال خلفية مع جهات لا تستطيع الولايات المتحدة التعامل معها مباشرة أو لا ترغب في ذلك.

وبالتالي، فإن هذه الحقيقة تفرض على صانعي السياسات الأمريكيين مواجهة سؤال استراتيجي شائك: هل يستحق تحقيق تعاون أكثر صرامة في مكافحة تمويل الإرهاب التضحية بأحد القنوات القليلة المتاحة للتواصل مع خصوم مثل إيران والجماعات غير الحكومية؟ يبدو أن الإجابة هي لا، لكن ليس بأي ثمن.

إن التحدي أمام واشنطن يكمن في كيفية صياغة شراكتها مع قطر بحيث تحقق أكبر استفادة من دورها الدبلوماسي، مع تقليل تأثير الجوانب التي تمس أولويات الولايات المتحدة في مكافحة تمويل الإرهاب والعقوبات. فقد بنت قطر مكانتها الدولية بصفتها منصة للوساطة الحساسة وقنوات التواصل غير الرسمية مع أكثر خصوم الولايات المتحدة تعقيدًا. وإذا أرادت واشنطن الحفاظ على هذه الميزة الفريدة لمواجهة أصعب التحديات في سياستها الخارجية، فقد تضطر لقبول التنازلات المرتبطة باستقلالية قطر الدقيقة. ومن المحتمل أن تقبل الولايات المتحدة قدرًا من التساهل القطري في ملف التمويل، مقابل الحفاظ على الفائدة الدبلوماسية التي توفرها الدوحة. لكن يجب على صانعي السياسات الأمريكيين أيضًا استغلال هذه اللحظة لتقييم إذا كان التوازن الحالي يخدم مصالح السياسة الخارجية الأمريكية بالفعل، ولتحديد خطوط حمراء أوضح والتواصل بشأنها، خصوصًا فيما يتعلق بجماعات مثل حماس. ويتطلب ذلك تفكيرًا جديًا حول ماهية هذه الخطوط، لأن الغموض المستمر سمح لقيادة حماس المقيمة في الدوحة بأن تعزز نفوذها المالي.

والخلاصة: ينبغي للولايات المتحدة أن توضح توقعاتها بشكل مباشر، خصوصًا في ظل هشاشة وقف إطلاق النار في غزة. فرغم أن قطر حققت تقدمًا في معالجة بعض مخاطر التمويل غير المشروع، لكن يمكن فعل المزيد لدفع السلطات القطرية لفرض ضوابط أشد صرامة لمنع تسرب الأموال إلى أنشطة حماس، وزيادة التحقيقات، بالتعاون مع واشنطن، في مصادر تمويل الحركة، والحد من قدرة حماس على العمل بحرية في الدوحة دون تبعات.