قراءة استشرافية لدور مصر الإقليمي ومكانتها الجيوسياسية في ضوء تطورات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

الساعة : 15:39
25 نوفمبر 2025

المصدر: فيتش سوليوشنز

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

تعمل مصر على رفع مكانتها الجيوسياسية وتوسيع هامش الاستقلال في سياستها الخارجية من خلال تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، بالتوازي مع توسيع شراكاتها الإقليمية؛ فمن خلال زيادة قيمتها الاستراتيجية لدى واشنطن (الحليف الأول "لإسرائيل" والضامن الأمني لدول الخليج)، وبالتوازي مع تعميق العلاقات مع قطر وتركيا، تسعى القاهرة لتعزيز مصالحها الأمنية وخلق مساحة أوسع للتمايز عن بعض سياسات حلفائها التقليديين في الخليج، خصوصًا الإمارات والسعودية. وفي هذا الإطار، سيُسهِم الانخراط الأمريكي الأكبر في ضمان أن تأخذ "إسرائيل" بعين الاعتبار الأولويات الأمنية للقاهرة في سياسة غزة بعد وقف إطلاق النار، ومن جهة أخرى ستخفف الشراكات الإقليمية الإضافية من اعتماد مصر المالي المتصاعد على أبوظبي والرياض.

في المدى القريب، سيكون المسار الرئيسي لرفع مكانة مصر الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة عبر قيادتها تنفيذ خطة "ترامب" لما بعد الحرب في غزة؛ فقد عززت قمة السلام في شرم الشيخ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مكانة مصر الدبلوماسية، وأظهرت مستوى التنسيق الوثيق مع إدارة "ترامب"، ورغم مخاطر انهيار وقف إطلاق النار، فإن التقديرات تشير إلى أنه سيستمر بشكل أو بآخر.

ونظرًا لكونها (إلى جانب الولايات المتحدة وقطر) أحد ضامني وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس، ولعلاقاتها الوثيقة مع "إسرائيل" والفصائل الفلسطينية، وكونها الدولة العربية الوحيدة التي تشترك بحدود مع غزة، فإن المعطيات ترجّح أن تلعب مصر دور القناة الأساسية لإعادة الإعمار ومركزًا لدعم الحوكمة الخارجية. ومن المتوقع أن تشرف مصر على تدريب قوات الأمن الفلسطينية المكلّفة بإعادة النظام داخل القطاع، كما يُرجّح أن تقدم النسبة الأكبر من الأفراد لقوة الاستقرار الدولية المقترحة بدعم أمريكي. وستتمثل أولويات القاهرة في تحقيق استقرار سريع في غزة وتفعيل إعادة الإعمار، لتهدئة التوترات مع "إسرائيل"، ومنع تدفق واسع للاجئين نحو مصر، واستعادة حركة الملاحة الطبيعية في قناة السويس، وتعزيز مكانتها الإقليمية.

رغم ذلك، ستظل العلاقات المصرية-"الإسرائيلية" أكثر توترًا على المدى القريب، خصوصًا في ظل ارتفاع مستوى الضبابية حول صمود وقف إطلاق النار، وهنا تزداد أهمية العلاقات المصرية-الأمريكية. فالتوتر الحاصل حاليًا يبدو جليًا في تعزيز الانتشار العسكري المصري في شمال سيناء، مقابل الوجود العسكري "الإسرائيلي" على الحدود مع غزة، وهو ما يتجاوز نصوص معاهدة السلام. وقد تتفاقم الاحتكاكات إذا دخلت القوات المصرية قطاع غزة ضمن قوة الاستقرار الدولية، خصوصًا مع أي ضغوط على وقف إطلاق النار. وما يزيد من تعقيد العلاقات أيضًا تعطيل "إسرائيل" صفقة الغاز الكبرى لصالح مصر، في محاولة لكسب شروط أفضل وتأثير على ترتيبات ما بعد الحرب. رغم ذلك، فإن انهيار معاهدة السلام غير مرجح، نظرًا للأهمية الأمنية الأساسية للطرفين وعمق التنسيق العسكري المؤسسي بينهما. كما إن غياب بدائل سريعة أمام "إسرائيل" لتصدير الغاز، ووجود مشاركة أمريكية، يرجّحان أن تمضي الصفقة قدمًا في نهاية المطاف، ولو بشروط أكثر ملاءمة للاقتصاد "الإسرائيلي".

إقليميًا وخارج ملف غزة، ستعمل القاهرة على توسيع قنوات تعزيز قيمتها السياسية لدى واشنطن، عبر تعميق دورها الناشئ كوسيط في الملف النووي الإيراني، وتطوير قوة بحرية مشتركة مع السعودية لحماية الملاحة في البحر الأحمر. وستستفيد مصر كذلك من القلق الأطلسي بشأن النفوذ الروسي في ليبيا لتعزيز موقعها كقوة إقليمية موازنة. وفي الوقت نفسه، تتعزز أهمية مصر لدى الحلفاء الأوروبيين لواشنطن كطرف رئيسي في الحد من الهجرة غير النظامية عبر المتوسط، الأمر الذي يعزّز الدعم الأوروبي للقاهرة، بما في ذلك داخل الأطر المشتركة مع الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية.

بموازاة ذلك، ستسعى مصر لتقليل اعتمادها على مموليها الخليجيين التقليديين، وتوسيع هامش الاختلاف في الملفات الإقليمية؛ فالأولويات الأمنية المصرية تتباين بصورة متزايدة مع أولويات الإمارات في عدة ساحات أفريقية. وللتقليل من الاعتماد المالي على الإمارات والسعودية، توسّع القاهرة شراكاتها الاقتصادية والإقليمية؛ حيث رسخت علاقتها الاقتصادية مع قطر التي ضاعفت استثماراتها بعد فترة فتور، وهناك مؤشرات لانخراط اقتصادي أوسع من الكويت، فيما تتعمق الشراكة الاقتصادية مع تركيا التي برزت كفاعل تجاري واستثماري مهم.

بالمثل، ستوسّع مصر علاقاتها العسكرية الدولية بما يتوافق مع المصالح الإقليمية الأمريكية؛ فرغم تباين الأولويات بين القاهرة وواشنطن في ليبيا وشرق المتوسط، تتطور العلاقات العسكرية بين مصر وتركيا (عضو الناتو) بما يشمل المناورات المشتركة واتفاقات إنتاج دفاعي. وستواصل الولايات المتحدة غضّ الطرف عن مشتريات القاهرة من المعدات العسكرية الصينية المتقدمة، نظرًا لأهمية مصر في استقرار المنطقة ودورها الاستخباراتي المحوري، ولأن المعدات الصينية تمنح القاهرة مرونة مالية أكبر، بينما سيبقى الخط الأحمر الأمريكي هو التعاون الاستراتيجي العميق بين القاهرة وبكين.