الحدث:
أعلنت الإمارات، في الـ31 من أيار/ مايو، أنها انسحبت قبل شهرين من "القوة البحرية الموحدة" التي تقودها الولايات المتحدة بمشاركة 34 دولة، والتي تعمل على ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب والقرصنة في منطقتي البحر الأحمر والخليج. وقالت وزارة الخارجية الإماراتية إن القرار جاء "نتيجة لتقييمنا المستمر للتعاون الأمني الفعال مع جميع الشركاء"؛ وأضافت: "دولة الإمارات تلتزم بالحوار السلمي والسبل الدبلوماسية كوسائل لتعزيز الأهداف المشتركة والمتمثلة في الأمن والاستقرار الإقليميين".
الرأي:
أنشأت البحرية الأمريكية، في الـ22 من أيار/ مايو الماضي، "القوة البحرية الموحدة" تحت اسم "Combined Task Force (CTF) 154"، كفرقة عمل خاصة تستخدم مسيّرات الاستطلاع الشراعية غير المأهولة لتوسيع قدرتها على الاستجابة للتهديدات، بهدف تدريب القوات البحرية الشريكة وتحسين القدرات التشغيلية لتعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط، بحسب بيان للأسطول الأمريكي الخامس. وجاءت هذه الخطوة بعد شهر فقط من إطلاق "قوة المهام المشتركة 153" لتسيير دوريات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن بمشاركة كل من الولايات المتحدة ودول الخليج ومصر. وتأتي كل هذه الإجراءات في محاولة من واشنطن لترميم ثقة حلفائها في دول الخليج تجاه التزامها بأمن المنطقة، خاصة في مواجهة تهديدات إيران البحرية.
ويثير انسحاب الإمارات المفاجيء تساؤلات عدة حول حقيقة دوافعه؛ فمن المحتمل أنه يكون تعبيرًا عن غضب أبوظبي تجاه عدم تصدي الولايات المتحدة لأنشطة إيران في منطقة الخليج العربي، التي كان آخرها ما نقلته وول ستريت جورنال عن مصادر أمريكية بأن الإمارات ضغطت على واشنطن لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع إيران، بعد أن احتجزت ناقلتي نفط في خليج عمان خلال الأسابيع الأخيرة. وقد عبّرت الإمارات خلال الأشهر الأخيرة، بحسب تقارير عدة، عن إحباطها من جدية الالتزام الأمريكي تجاه أمن المنطقة، ومن ثم قد تكون هذه الخطوة تعبيرًا عن هذا الإحباط باعتبار أن "القوة البحرية الموحدة" لم تثبت فاعليتها.
من جهة أخرى، تُظهر هذه الخطوة أن الإمارات مازالت غير مهتمة بالترتيبات الأمنية الإقليمية الواسعة التي لها طابع فضفاض، ولا تراهن كثيرًا على فاعليتها في تأمين الدولة، لكنها بالمقابل تهتم أكثر بتحقيق شراكات أمنية ثنائية ترتب التزامات واضحة على الطرفين وبالتالي تكون أكثر نجاعة في تعزيز الوضع الأمني للدولة. لذلك، تريد أبوظبي علاقة أمنية ثنائية رسمية مع الولايات المتحدة، تضع التزامات أوضح من الجانب الأمريكي تجاه الإمارات. وفي الوقت نفسه، تعمل الإمارات على تطوير ترتيبات أمنية ثنائية مع "إسرائيل" مثل الخلية الأمنية المشتركة بين الجانبين، والتي ينصبّ تركيزها على الأمن في باب المندب.
ورغم محاولة الإمارات نفي ما نقلته "وول ستريت جورنال" حتى لا تعكر علاقاتها مع إيران، فإن هذه التطورات تشير بوضوح إلى حدود الثقة بين الإمارات وإيران، وأنه رغم توقع ازدهار العلاقات التجارية والدبلوماسية ستبقى هواجس أمنية عميقة لدى أبوظبي تجاه أنشطة إيران، وبالتالي ستظل الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة و"إسرائيل" أولوية لدى أبوظبي في المستقبل المنظور.