حرب غزة ستغير طبيعة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"

صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء الثاني

الساعة : 15:29
21 يناير 2025
صراعات ستحدد شكل العالم في المرحلة القادمة - الجزء الثاني

المصدر: كرايسيز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع تتعلق ستٌّ منها بقضايا الشرق الأوسط، وقد بدأ "مركز صدارة للدراسات والاستشارات" ترجمتها، وها هو الجزء الثاني الذي يتناول الصراع الفلسطيني مع الاحتلال "الإسرائيلي" وتداعياته، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر.

نتائج هجوم السابع من أكتوبر على القطاع:

لقد أدت الحرب التي شنتها "إسرائيل" على غزة، ردًا على هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر 2023، إلى تدمير القطاع، وأسفرت عن مقتل ما يزيد عن 45000 فلسطيني معظمهم من المدنيين وثلثهم على الأقل من الأطفال، وفقًا للسلطات المحلية، إضافةً إلى آلاف الجثث المفقودة تحت الأنقاض. كما تضرر ثلثا المباني والبنية التحتية أو تحولت إلى أنقاض؛ حيث سوّيت أحياء بأكملها بالأرض، في حين قُتل العديد من قادة "حماس" ودُمرت الأصول العسكرية للحركة. رغم ذلك، يعترف المسؤولون الغربيون وحتى بعض "الإسرائيليين" بهدوء بأنه لا يمكن لأي سلطة أن تحكم غزة أو تقوم بوظائف مدنية دون موافقة "حماس".

إن هذه الحرب ستعيد تشكيل جغرافية غزة؛ فقد تمركز الجيش "الإسرائيلي" في ممر فيلادلفيا (المنطقة العازلة الضيقة على طول الحدود بين غزة ومصر)، وقسّم غزة من خلال ممر نتساريم الذي تمركزت فيه قاعدة عسكرية كبيرة يقال إنها تخطط لتقسيم جنوب القطاع أيضًا. كما حاصرت "إسرائيل" منطقة شمال القطاع وأفرغتها بالكامل تقريبًا، ظاهريًا لمحاربة مقاتلي "حماس" أو لإجبارهم على الخروج، لكنها في الواقع طردت مئات الآلاف من المدنيين الجائعين، كما وسّعت المنطقة العازلة القائمة مسبقًا على طول محيط القطاع مع "إسرائيل".

ضبابية الأوضاع مع قدوم "ترامب":

ما زال التغيير الذي سيجلبه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غير واضح؛ فقد ورد أنه أخبر "نتنياهو" أنه يريد أن تنتهي حرب غزة قبل توليه منصبه لكن دون التلميح إلى شروطه، بينما يبدو بشكل عام أن اختياراته الوزارية تميل في الغالب إلى منح "نتنياهو" حرية أكبر. ومن حيث المبدأ فإن اتفاق وقف إطلاق النار سيتضمن عدة مراحل، يتم خلالها انسحاب القوات "الإسرائيلية" وإعادة الإعمار وتحديد شكل الحكم المحلي لغزة.

لكن بالنظر إلى المزاج السائد في "إسرائيل"، من الصعب تخيل حدوث مراحل لاحقة؛ إذ الأرجح أن يبقى الجيش في غزة ويُبقي معظم الفلسطينيين محاصرين في الجنوب يعيشون على المساعدات الإنسانية. وتشير المصادر "الإسرائيلية" إلى أن الفلسطينيين قد ينتقلون في نهاية المطاف إلى "فقاعات إنسانية"؛ حيث تقع مهام الشرطة وتسليم المساعدات على عاتق المقاولين الأجانب أو السكان المحليين المرتبطين بـ"إسرائيل" رغم صعوبة تحقيق ذلك، وفي كلتا الحالتين لا يمكن للمجتمع في غزة أن يتعافى قريبًا.

رهانات "إسرائيل" في تغولها في الاستيطان بالضفة:

إن هناك معركة أخرى تكمن في الضفة الغربية التي يبدو أن "إسرائيل" على استعداد لضمها؛ فمع وجود وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، قامت "إسرائيل" بنقل إدارة المنطقة من السيطرة العسكرية إلى المدنية، وتوسيع السيادة، وهدم مزيد من منازل الفلسطينيين، وتشريع البؤر الاستيطانية. حتى دون الضم الرسمي، يمكن أن تزيد "إسرائيل" من تسريع التكتيكات التي استخدمتها لسنوات؛ مثل نقل مزيد من المستوطنين وضغط الفلسطينيين في جيوب أصغر بالقوة. وقد صمدت "إسرائيل" في وجه الاستهجان الدولي خلال حروب غزة السابقة، ثم هدأ هذا الاستهجان مع عودة الأراضي المحتلة إلى الروتين القاتم.

لكن هذه المرة، كانت عواقب الحرب أقل وضوحًا لأن "إسرائيل تخلّت حتى عن ذريعة التسوية السياسية لصالح القمع غير المبرر. ومن خلال محاولة سحق "حماس" وآمال الفلسطينيين في تقرير المصير، يبدو أن "نتنياهو" والقادة السياسيين الآخرين قد اعتمدوا على سلسلة من الرهانات؛ أن الأمن يمكن الحفاظ عليه من خلال القوة دون شركاء فلسطينيين موثوقين؛ وأن المؤسسات الدولية والعدالة ليس لها أنياب، وأن أنصار "إسرائيل" سوف يتمسكون بالسلطة في الولايات المتحدة وعواصم غربية أخرى، رغم الرعب المتزايد إزاء ما فعله جيشها بغزة، وأن القادة العرب سيحترمون في النهاية قوة "إسرائيل" رغم معاملتها للفلسطينيين.

ولعل الأمل الأكبر، وإن كان ضئيلًا، يكمن في الخليج؛ فما زال "ترامب" يريد من السعودية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" كجزء من "اتفاقيات أبراهام"، التي كانت محور سياسته في الشرق الأوسط في ولايته الأولى. ولعل الرياض، التي تستبعد التطبيع دون مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، ستكون قادرة على إقناعه بالضغط على "إسرائيل" للحفاظ على هذا الخيار قابلًا للتطبيق.

أما في غزة، فقد أدى فشل الولايات المتحدة في وقف حملة "إسرائيل"، رغم توفير الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية التي اعتمدت عليها وانتزاع خطة اليوم التالي من "نتنياهو"، إلى ترك أقصى اليمين "الإسرائيلي" والمنطق العسكري لتحديد مستقبل القطاع، ومن المعقول تمامًا أن يحدث الشيء نفسه بالنسبة للصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني على نطاق واسع.