سياسة الصين تجاه الحكومة السورية الجديدة تحكمها المخاوف الأمنية وليست المصالح التجارية

الساعة : 15:49
16 سبتمبر 2025
سياسة الصين تجاه الحكومة السورية الجديدة تحكمها المخاوف الأمنية وليست المصالح التجارية

المصدر: تشاتام هاوس

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

تتبع بكين في سوريا نهجًا قائمًا على إدارة المخاطر وتشعر بالقلق إزاء بروز المقاتلين الأجانب؛ فبعد تسعة أشهر من سقوط "بشار الأسد"، لم تعترف الصين رسميًا بعد بالحكومة الجديدة في البلاد بقيادة "الشرع"؛ حييث تشعر بكين، الشريك الاستراتيجي للنظام السابق، بقلق عميق إزاء بروز المقاتلين الأويغور داخل هياكل الأمن والدفاع السورية الجديدة. ورغم أن بكين تتواصل مع الحكومة السورية الجديدة عبر سفيرها، لكن مخاوفها تعني أنها ستستمر في التصرف بسياسة ضبط النفس، وقد تتردد في دعم أي خطوات لرفع عقوبات الأمم المتحدة المتبقية على "الشرع" ومسؤولين آخرين. بالمقابل، لا يُرجح أن يتخذ "الشرع" إجراءات صارمة ضد المقاتلين الأجانب، الذين يشكلون جزءًا مهمًا من قاعدة دعمه وسط عدم الاستقرار المستمر والصراع مع جماعات أخرى.

هاجس المقاتلين الأجانب في سوريا

إن نهج بكين تجاه النظام الجديد مدفوع في المقام الأول بالمخاوف الأمنية وليس بالمصالح التجارية؛ حيث تشعر بكين بالقلق إزاء تعيين الحكومة الجديدة لمقاتلين من الأويغور من "الحزب الإسلامي التركستاني" (TIP) في قوات الأمن والدفاع التابعة لها، وهو تلك الجماعة الإسلامية المتشددة التي قاتلت إلى جانب "هيئة تحرير الشام" (HTS) سابقًا ضد نظام "الأسد"، وتتكون في الأساس من الأويغور العرقيين من مقاطعة شينجيانغ الصينية.

ووفقًا للتقارير، فقد تم دمج ما يقدر بنحو 3500 مقاتل، معظمهم من الأويغور من "الحزب الإسلامي التركستاني"، في وحدة تم تشكيلها حديثًا داخل الجيش السوري هي "الفرقة 84". وقد تم تعيين قائد الحزب في سوريا، عبد العزيز داود خدابردي (المعروف باسم زاهد)، عميدًا في الجيش. وفي كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل، ومجددًا في آب/ أغسطس، حذّر مبعوث الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، مجلس الأمن علنًا من أن "مقاتلين إرهابيين أجانب" لا يزالون نشطين في سوريا، وحثّ دمشق على الوفاء بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب، منتقدًا "الحزب الإسلامي التركستاني" بشكل مباشر. كما ربط "كونغ" صراحةً بين المقاتلين الأجانب والعنف في الساحل الغربي لسوريا في آذار/ مارس وفي السويداء في تموز/ يوليو.

تصور بكين للتهديد

تعكس مخاوف الصين بشأن وجود مقاتلين أجانب نظرة متشائمة لمستقبل سوريا؛ حيث تخشى بكين من سيناريو يوجّه فيه مقاتلو الأويغور انتباههم نحو الصين أو المصالح الصينية. وتستند هذه المخاوف إلى تصريحات الحركة الإسلامية التركستانية نفسها؛ فقد أكد مقطع فيديو نشرته المنظمة بعد سقوط نظام "الأسد" في كانون الأول/ ديسمبر 2024 أن مهمتها الأساسية هي "تحرير مسلمي تركستان الشرقية من الاحتلال الصيني"، في إشارة إلى شينجيانغ.

كما تخشى الصين سيناريو آخر قد يتضمن استهداف مصالحها التجارية في الشرق الأوسط، ما يُذكّر بالهجمات على الشركات والمواطنين الصينيين في باكستان. وقد تشمل الأهداف المحتملة استثمارات مبادرة الحزام والطريق "BRI" وإمدادات الطاقة من العراق؛ وهذه أمور ذات أهمية خاصة بالنسبة للصين؛ حيث تستورد بكين حوالي 35% من إجمالي إنتاج النفط العراقي، وتستحوذ شركات الطاقة الصينية على أكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية في قطاعي النفط والغاز العراقيين.

نهج الصين المزدوج

لقد كانت المخاوف المذكروة آنفًا سببًا في عدم اعتراف الصين بحكومة "الشرع"، ورغم أن السفير الصيني، شي هونغوي، أكد مجددًا على احترام السيادة السورية في سلسلة من الاجتماعات مع "الشرع" ومسؤولين آخرين، لكن يبدو أن الصين مترددة في احتضان القادة الجدد للبلاد بشكل كامل. فقد قلصت بكين من مستوى مشاركتها الدبلوماسية، معتبرةً أن سوريا ما زالت في مرحلة انتقالية، وتشهد عملية سياسية بقيادة مجموعة تنتمي لسوريا، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

ويبدو أن نهج الصين الدبلوماسي المزدوج في سوريا يعكس نهجها تجاه الدول الأخرى، التي تصنفها على أنها تهديد أو قريبة جدًا من الولايات المتحدة؛ إذ تحافظ بكين على قنوات دبلوماسية ثنائية عبر سفيرها للحفاظ على تواصلها مع الحكومة السورية، بينما تتخذ في الوقت نفسه موقفًا فاترًا بشأن سوريا في مجلس الأمن الدولي لزيادة نفوذها.

وعلى عكس الرواية القائلة إن هذا النهج يُذكّرنا بسياسات بكين تجاه "طالبان" (التي ربما كانت دقيقة في الأسابيع الأولى التي تلت سقوط الأسد)، فمن المفارقات أنه يُشبه إلى حد كبير النهج المزدوج للصين تجاه "إسرائيل". فمنذ العام الماضي، سعت بكين لتحسين العلاقات الثنائية دبلوماسيًا، مع الحفاظ على الضغط الخطابي على "إسرائيل" بشأن غزة في الأمم المتحدة.

استمرار سياسة إدارة المخاطر

من غير المرجح أن تتخلى الصين عن نهجها الحالي الحذر ومنخفض التكلفة لصالح الاندفاع نحو تحقيق نفوذ مستقبلي في سوريا؛ ففي نهاية المطاف لم تنظر بكين تاريخيًا إلى سوريا كركيزة أساسية في مبادرة الحزام والطريق، أو ساحة عالية العائد لمنافسة واشنطن. ولم تكن سوريا أولوية استراتيجية للصين، فهي دولة بعيدة ذات فرص اقتصادية محدودة واقتصاد سياسي ممزق؛ لذلك فإنها تُفضل ضبط النفس. وقد تتردد الصين الآن في الموافقة على رفع عقوبات الأمم المتحدة على أعضاء الحكومة السورية، ما لم تُظهر دمشق علامات على أخذ مخاوف بكين بشأن مقاتلي الأويغور على محمل الجد.

ففي حزيران/ يونيو الماضي، حثّ "كونغ" مجلس الأمن الدولي على الإبقاء على عقوبات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، قائلًا إنه "يجب تنفيذها، والتأكيد على جدية نظام العقوبات ذي الصلة"، كما تحتفظ بكين بحق النقض "الفيتو" على أي تحرك لإنهاء العقوبات في مجلس الأمن. بموازاة ذلك، من المرجح أن تمتنع بكين عن أي التزامات كبيرة محتملة لإعادة الإعمار، أو صفقات استثمار أو تمويل في مبادرة الحزام والطريق، وقد تسعى أيضًا إلى الضغط على دمشق عبر قنواتها الدبلوماسية مع تركيا ودول الخليج.

رغم ذلك، قد لا تكون الحوافز الصينية المتنوعة كافية لتشجيع دمشق على تغيير سياستها؛ إذ يرى "الشرع" أن المقاتلين الأجانب جزء ضروري من قاعدة دعمه. وينطبق هذا بشكل خاص في سياق التنافس بين الحكومة و"قوات سوريا الديمقراطية" الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، وفي ظل توترات طائفية أوسع نطاقًا تهدد بالانفجار.

إن دعم الولايات المتحدة المزعوم لدمج المقاتلين الأجانب، والذي تقول التقارير إنه يبدو مرتبطًا جزئيًا باستراتيجية واشنطن الأوسع لموازنة النفوذ الصيني المستقبلي في سوريا، يعتبر دافعًا آخر لدمشق لمقاومة مطالب الصين. فقد تبحث سوريا عن استثمارات في أماكن أخرى، مثل الخليج وتركيا، لا سيما بعد رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية. لكن العديد من المستثمرين المحتملين في سوريا يحجمون عن الاستثمار حاليًا بسبب عدم الاستقرار المستمر، بما في ذلك معارضة الجماعات الدرزية والكردية للحكومة، إضافةً إلى التدخلات العسكرية "الإسرائيلية" المزعزعة للاستقرار.

بشكل عام، يمكن فهم سياسة الصين تجاه سوريا بشكل أفضل على أنها إدارة مخاطر وليست استراتيجية شاملة؛ حيث تريد بكين إبقاء القنوات مفتوحة وتجنب المنافسة الاستراتيجية مع واشنطن، ومنع سوريا من أن تكون ممرًا لتدريب أو عبور المقاتلين الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد مستقبلي لمصالحها. ويشير هذا إلى مسار ضيق أمام نهج بكين تجاه سوريا؛ مشاركة سياسية ودية، ومواقف حاسمة في الأمم المتحدة بدعم مشروط، ومحافظ مغلقة، على الأقل في الوقت الحالي.