تصلب مواقف "نتنياهو" و"السنوار" سيظل عائقًا أمام وقف الحرب في غزة

الساعة : 15:30
14 أغسطس 2024
تصلب مواقف

المصدر: سي إس آي إس

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا

على مدار الشهر الماضي، كانت التقارير المتداولة تشير إلى اقتراب التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؛ فقد فرضت الحرب تكاليف باهظة على "إسرائيل" وأطلقت العنان للدمار في القطاع، لكن الأمر الأكثر إلحاحًا هو معاناة الأسرى لدى "حماس" والجوع والمرض الذي يهدد كل الفلسطينيين تقريبًا، وهو ما يدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية بسرعة حفاظًا على الأرواح. ويُعتقد أن المفاوضين اقتربوا من التوصل إلى حلول قابلة للتطبيق، كما دعا الوسطاء الرئيسيون، الولايات المتحدة وقطر ومصر، الطرفين إلى الاجتماع في الـ15 من آب/ أغسطس الجاري للتوصل إلى اتفاق. وإن كان من المتوقع أن يعقد هذا الاجتماع، لكن لا توجد دلائل على أن أيًّا من القيادتين ترى أن القتال اقترب من نهايته.

في هذا الإطار ينبغي التحذير من الاستمرار في الوضع الراهن؛ فقد يعرف الوسطاء شيئًا لم يُعلَن عنه بعد، وقد يكون لديهم أيضًا معلومات استخباراتية عن قيادات "إسرائيل" و"حماس" تمنحهم التفاؤل، لكن بالنسبة للمراقب الخارجي فإن الأمر بالتأكيد يبدو وكأن زعيمي طرفي الصراع، "نتنياهو" و"السنوار"، يعتقدان أن هناك مزيدًا من المكاسب التي يمكن جنيها من القتال بدلًا من التسوية الآن.

ولنبدأ بـ"نتنياهو"؛ فإنه يعتقد أن القوات "الإسرائيلية" تعمل على تفكيك قدرات "حماس" في غزة، وأن شعبية "السنوار" تتضاءل في ظل استمرار الحرب. وقد أثار إقدامه الجريء على اغتيال القيادي في "حزب الله"، فؤاد شكر، في بيروت وزعيم "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران دهشة طهران إزاء قدرات "إسرائيل" وارتباكها بشأن كيفية الرد. كما يعتقد "نتنياهو" أن الجهود الأمريكية لمنع اندلاع حرب إقليمية شاملة ستساعد في حماية "إسرائيل" من الانتقام، وأن إدارة "بايدن" ليس لديها رغبة كبيرة في تقييد إعادة إمداد "إسرائيل" بالذخائر.

أما على الصعيد السياسي، فرغم أن شعبيته تتراجع داخل "إسرائيل" لكن لم يظهر بديل له حتى الآن، والأمر الأهم بالنسبة له هو أن حلفاءه اليمينيين الداعمين لائتلافه الحاكم ما زالوا في صفه، وفي الوقت نفسه يحذرون باستمرار من انشقاقهم إذا قدم تنازلات. بالمقابل، يواجه "نتنياهو" ضغوطًا متزايدة للتفاوض على إطلاق سراح الأسرى، لكنه قاوم كل تلك الضغوط، كما فعل ذلك سابقًا. فعندما اختطفت "حماس" الجندي "جلعاد شاليط" عام 2006، والذي مكث في الأسر أكثر من خمس سنوات، ظل "نتنياهو" يتفاوض على إطلاق سراحه طوال هذه الفترة. وكان "السنوار" واحدًا من أكثر من ألف سجين فلسطيني تم إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح "شاليط"، وهو ما يثقل كاهل "نتنياهو" بالتأكيد.

ومن المثير للاهتمام أن "نتنياهو" لم يستغل زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة لإبرام اتفاقيات جديدة أو طرح أفكار جديدة، لكنه بدلًا من ذلك عزّز موقفه (جزئيًا أمام جمهور محلي في "إسرائيل")، واستكشف إن كان الدعم الأمريكي ضعيفًا، ولا يوجد ما يشير إلى أنه غادر الولايات المتحدة وهو يشعر بالقلق. بل ربما استنتج "نتنياهو" أن الدعم العاطفي القوي الذي يقدمه "بايدن" لأمن "إسرائيل" أقوى من أي دعم سيقدمه أيٌّ من خلفائه، وهو ما يمثل فرصة لـ"إسرائيل" لمواصة القتال.

والأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو أن "نتنياهو" لم يقتنع قط بالفكرة التي طرحها خصومه السياسيون، بأنه يمكن الوصول إلى "الشرق الأوسط الجديد"، أو أن فكرة "الأرض مقابل السلام" تمثل حلًا للتحديات الأمنية التي تواجه "إسرائيل". علاوةً على ذلك، يعتقد "نتنياهو" أن المسؤولين الأمريكيين مضللون إلى حد كبير في سعيهم لتطبيق دروس مكافحة التمرد، التي تعلموها من عقدين من العمليات في العراق وأفغانستان، على ما تفعله "إسرائيل" في غزة. فما ينبغي أن يوجه الإجراءات "الإسرائيلية" هو الانهيار الفعلي الذي تشهده قدرات تنظيم القاعدة على يد الولايات المتحدة، بما في ذلك اغتيال "أسامة بن لادن" و"أيمن الظواهري" فضلًا عن عمليات القتل المستهدفة لعشرات من الزعماء والعناصر الآخرين.

لذلك، فمن الواضح أن "نتنياهو" يسعى للاستفادة من الفرصة السانحة أمامه بمواصلة القتال وإضعاف "حماس"، وبالتالي سيستمر في ذلك وسيعمل على سيطرة "إسرائيل" على الحدود بين مصر وغزة. كما إن الحرب بوتيرة منخفضة ستساعد على استمرار دعم الولايات المتحدة، التي تسمح له بإلحاق الضرر بأي قوات أو وكلاء إيرانيين يهددون "إسرائيل"، وفي الأمد القريب والمتوسط على تعزيز الردع "الإسرائيلي".

بالمقابل، يبدو أن "السنوار" ملتزم بنفس القدر من الرغبة في استمرار القتال؛ فقد كان أحد أهدافه من مهاجمة "إسرائيل" في السابع من أكتوبر عزل "إسرائيل" في المنطقة والعالم، وهذه العزلة تتزايد الآن. وما كان يُنظَر إليه على أنه تكامل "إسرائيل" الحتمي مع الدول العربية قد توقف تمامًا، ومن المرجح أن يتباطأ بسبب الإحباطات المستقبلية بشأن إعادة إعمار غزة.

على جانب آخر، ومن ناحية عملية، فإن اغتيال "هنية" (الذي كان المفاوض الرئيسي) وتولي "السنوار" مكانه، يجعل من المستبعد أن توافق "حماس" على وقف القتال الآن؛ فقد كان "هنية" مفاوضًا دبلوماسيًا لكن "السنوار" مقاتل. والسؤال الآن: من سيتفاوض في غياب "هنية"؟ وكيف سيفوز هذا المفاوض بثقة "السنوار" (الذي يقود القوات المقاتلة في غزة)؟ لا يزال هذا غير واضح. إضافةً لذلك، فإن المنطقة لا تزال في حالة من التوتر انتظارًا للرد الإيراني على اغتيال "هنية" في طهران، والرد "الإسرائيلي" المضاد.

رغم كل ما سبق، لا يزال من الممكن التوصل إلى بعض النتائج الإيجابية؛ فقد يشعر "نتنياهو" أنه أظهر قوة كافية من خلال تنفيذ اغتيالين لقائدين مهمين، وقد يكون "السنوار" حريصًا على الحفاظ على الدعم الفلسطيني، وربما يكون واثقًا من أن "حماس" ستندمج في الحركة الوطنية الفلسطينية الأوسع بعد الحرب وستعيد بناء نفسها في ظل إعادة إعمار غزة. ولا شك أيضًا أن عائلات أكثر من مائة أسير "إسرائيلي" يشعرون بحالة من اليأس على مصير أبنائهم، في حين يصرخ ملايين الفلسطينيين طلبًا للإغاثة. لكن لا يزال من الصعب التغلب على التصور بأن كلًّا من "نتنياهو" و"السنوار" يعتقدان أنهما يقاتلان من أجل بقاء شعبهما وأن الوقت ليس مناسبًا للتراجع.

 

جون ب. ألترمان هو نائب رئيس أول، ويشغل كرسي زبيجنيو بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجية الجغرافية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.