على مدى العام والنصف الماضي، شهدت ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط تحوّلات جذرية بفعل إيران و"محور المقاومة"، الذي يشمل كيانات حكومية وغير حكومية؛ حيث أظهرت هذه الأطراف تنسيقًا عسكريًا وجغرافيًا غير مسبوق، من خلال شنّ هجمات على "إسرائيل" والقوات الأمريكية والممرات البحرية الدولية. لكن مع التدهور الكبير الذي أصاب "حزب الله" والانهيار المفاجئ لنظام "الأسد" في سوريا، دخل هذا المحور مرحلة تحوّل كبيرة، ما وضع إيران على مفترق طرق حاسم.
إن تحليل التداعيات الناجمة عن هذا الانهيار يكشف احتمالًا متزايدًا لسعي إيران إلى امتلاك سلاح نووي، وهو تطور قد يغير توازن القوى العالمية بشكل لا رجعة فيه. ففي العام الماضي استعرض "محور المقاومة الإيراني" قوته التنفيذية على الأرض، من "حزب الله" في لبنان إلى الحوثيين في اليمن إلى قوات "الحشد الشعبي" في العراق؛ حيث نفذت هذه الأطراف هجمات ضد "إسرائيل" وأصول أمريكية ودولية، ما وضع حدود الصبر الغربي تحت الاختبار. وفي خطوة غير مسبوقة، بلغ التصعيد الإيراني ذروته بشن ضربات مباشرة على "إسرائيل"؛ فتحوّل الصراع من مجرد تهديدات لفظية إلى هجمات مباشرة.
ورغم التحذيرات التي أطلقها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى إيران ومحورها، فقد تجنبت الإدارة الأمريكية الرد المباشر أو اتخاذ تدابير ردع استراتيجية ضد إيران أو وكلائها. وقد عزز هذا "التردد" من جرأة وكلاء إيران، حتى في ظل تصعيد "إسرائيل" لعملياتها العسكرية، بما في ذلك اغتيال زعيم "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران خلال صيف 2024. لكن التوازن تغيّر بشكل حاد أواخر 2024، عندما شنت "إسرائيل" هجومًا واسعًا ضد "حزب الله" في لبنان، استهدف قياداته العليا ودمر بنيته العسكرية. في الوقت ذاته، نفذت "إسرائيل" ضربات جوية دقيقة ضد الدفاعات الجوية الإيرانية، ما جعلها عرضة لهجمات إضافية.
ثم جاء انهيار نظام "الأسد" في سوريا، الذي كان حجر الزاوية في استراتيجية إيران الإقليمية، ليوجه ضربة قوية للمحور الإيراني؛ حيث أدى سقوط النظام المدعوم إيرانيًا على مدى عقود إلى خسارة إيران لعمقها الاستراتيجي وخطوط إمدادها الحيوية. ومع تفكك المحور، أصبح "حزب الله" ضعيفًا وصار الحوثيون يواجهون تهديدًا متزايدًا بالرد "الإسرائيلي"، وبالتالي، أصبحت إيران معزولة أكثر من أي وقت مضى، وبدأت تتآكل مصداقية قوة الردع لديها. وفي ظل اقتراب نهاية إدارة "بايدن" وعودة إدارة "ترامب" الأكثر تشددًا، تواجه إيران خيارات استراتيجية صعبة.
إذا كان التاريخ يُظهر أن الأنظمة الاستبدادية التي تواجه تهديدات وجودية غالبًا ما تلجأ إلى وسائل غير تقليدية لضمان بقائها، فإن هذا قد يعني بالنسبة لإيران تسريع برنامجها النووي. ومثلما وفّر السلاح النووي لكوريا الشمالية حماية ضد التهديدات الخارجية، يبدو أن القيادة الإيرانية قد استوعبت هذا الدرس. فمع انشغال العالم بالانتقال السياسي في واشنطن، تمتلك إيران نافذة ضيقة لتسريع طموحاتها النووية؛ إذ إن امتلاكها للسلاح النووي لن يضمن بقاء النظام فحسب، بل سيعيد هيبتها وقوة الردع لديها حتى مع تراجع محور المقاومة. وعليه، فإن انهيار نظام "الأسد" يمثل لحظة محورية لإيران، لكنه أيضًا يعتبر فرصة لاتخاذ قرارات حاسمة قد تحدد مستقبل المنطقة بأكملها.
المصدر: موقع "ذا هيل"