تطورات الأجهزة الأمنية
شهد شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024 تحولاً استراتيجياً في سوريا بعد سقوط نظام الأسد وهروبه إلى موسكو بعد نجاح عملية "ردع العدوان" في الوصول إلى دمشق وبسط سيطرتها على غالبية الجغرافيا السورية، حيث تسلم قائد إدارة العمليات العسكرية "أحمد الشرع" قيادة البلاد وأعلن عن تشكيل حكومة انتقالية يقودها "محمد البشير" لتسيير أمور البلاد لمدة ثلاث شهور. وقد شكلت حكومة الانقاذ التي كانت تدير محافظة إدلب نواة رئيسية للحكومة الانتقالي، حيث تم تعيين "أسعد الشيباني" وزيراً للخارجية و"أنس خطاب" رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة في البلاد.
أعلنت القيادة السورية الجديدة تعيين "مرهف أبو قصرة" وزيراً للدفاع في الحكومة الجديدة، وتم منحه رتبة لواء بالإضافة إلى القيادي العسكري في الهيئة " نور الدين النعسان". كما تمت ترقية نحو 50 ضابطا آخر غالبيتهم يتبعون لهيئة تحرير الشام. وتضمنت هذه الترقيات ترفيع 5 عسكريين إلى رتبة عميد والبقية إلى رتبة عقيد، من بينهم 6 مقاتلين أجانب برتب عميد وعقيد، من بينهم عربيان، حيث جرى منح رتبة عميد للأردني "عبد الرحمن حسين الخطيب"، كما تم تعيين المصري "علاء محمد عبد الباقي" برتبة عقيد ضمن التشكيلات الجديدة.
وفي سياق آخر، شهدت سوريا حراكاً دبلوماسياً كثيفاً هو الأول من نوعة خلال الشهر، بدأ باستقبال رئيس الإدارة الجديدة "أحمد الشرع" لرئيس جهاز المخابرات التركية "ابراهيم كالن" ووزير الخارجية التركي "هاكان فيدان" للعاصمة دمشق، تلاه حضور وفد قطري رفيع المستوى، تبعه سيل من الوفود العربية الأجنبية كان أبرزها الوفد الأمريكي الذي ترأسته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، باربرا ليف، والتي أبلغت "الشرع" أن واشنطن ألغت المكافأة المالية المخصصة لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقاله، بينما رحبت بـ "الرسائل الايجابية" التي أعرب عنها خلال المحادثات معه وتضمنت تعهدا بمحاربة الإرهاب.
كما زار سوريا خلال الشهر وفود عربية من السعودية والبحرين وقطر والإمارات وليبيا، بالإضافة لزيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووفد عراقي ضم رئيس جهاز المخابرات ومستشار رئيس الوزارء العراقي، ووفد لبناني برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إضافة إلى وفود أوروبية كان أبرزها وفد وزيري خارجيتي فرنسا وألمانيا والوفد الأوكراني. كما التقى الشرع وفوداً سورية تضمنت شخصيات سياسية وقيادات عسكرية وإعلامية في إطار إعادة ترتيب البيت السوري بعد سقوط الأسد وبناء أجهزة الدولة السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية والخدمية.
مستجدات الإجراءات الأمنية
· قامت الإدارة الجديدة بالاستعانة بجهاز الأمن العام المشكل سابقًا في إدلب، والذي يبلغ تعداد عناصره قرابة 15 ألفاً، لحماية بعض المراكز الحساسة مثل المربع الأمني وسط دمشق الذي يحظى بحراسة مشددة، حيث تم نشر سيارات مجهزة بأجهزة تنصت حديثة في الأحياء الهامة والحساسة في دمشق مثل المالكي وأبو رمانة.
· سمحت الإدارة الجديدة في ريف دمشق، لمجموعات وعناصر تابعة لفصائل عسكرية من أبناء المناطق، بعضها كان منحلاً وتم تسليحها على عجل، بإدارة مدنهم من خلال استلام المخافر وإقامة الحواجز على مداخل المدن والبلدات، حيث شملت هذه الإجراءات كلا من مناطق الغوطة الشرقية، وعدداً من مدن الغوطة الغربية مثل المعضمية وداريا والكسوة.
· أصدرت القيادة السورية الجديدة أول قائمة لمطلوبين تضم 157 متهماً بجرائم كبرى منهم : بشار وماهر الأسد وحافظ مخلوف وسهيل الحسن ووفيق ناصر وعاطف نجيب وذو الهمة شاليش وعلي مملوك وجميل حسن.
· أنهى المصرف المركزي العمل بقراري تنظيم إيرادات القطع الأجنبي لشركات ومكاتب الطيران، وتنظيم إيرادات القطع الأجنبي لمواقع العمل السياحية، كما ألغى كافة المخالفات المترتبة بحق مخالفي القرارين المذكورين.
· طلبت الإدارة السورية الجديدة من تركيا المساعدة في طباعة الوثائق الرسمية للسوريين، حيث وجه الرئيس أردوغان الوزراء لتلبية الطلب السوري، وفق خطة ستشمل: الوثائق مثل الهويات وجوازات السفر ورخص القيادة، واعتماد نظام مشابه للوثائق الذكية المستخدمة في تركيا.
· أصدرت مديرية الجمارك العامة تعديلات جديدة شملت تغيير مديري معابر باب السلامة وجديدة يابوس ومعبر نصيب والبوكمال، فيما عيّنت المديرية مديراً جديداً لمرفأ طرطوس ومديراً لشؤون الموانئ والمرافئ البحرية.
· أصدر وزير الصحة الدكتور "ماهر الشرع" قراراً بتعديل أسماء معظم المستشفيات الحكومية التي يرتبط اسمها باسم أحد أفراد عائلة الأسد. وجاء في القرار تعديل تسمية مشفى الأسد الجامعي بدمشق ليصبح المستشفى الوطني الجامعي، وتسمية مشفى الباسل لجراحة القلب ليصبح مستشفى دمشق لأمراض وجراحة القلب.
أبرز الأحداث الأمنية
· سارع الجيش "الإسرائيلي" إلى استغلال الفراغ الأمني الناتج عن عملية الانتقال المفاجئ للسلطة في سوريا، وانسحاب قوات الأسد من مواقعها الحدودية، ليبادر باجتياح الحدود السورية في المنطقة العازلة التي سبق أن أنشئت وفقا لاتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و"إسرائيل" الموقعة يوم 31 مايو/ أيار 1974. وقد ادعى جيش الاحتلال أن انتشار قواته "في المنطقة العازلة وفي عدد من المناطق الضرورية للدفاع من أجل ضمان أمن المجتمعات في مرتفعات الجولان ومواطني "إسرائيل".
· استهدفت أكثر من 100 غارة "إسرائيلية" مواقع عسكرية مختلفة في مناطق عدة في سوريا، حيث تم تدمير مراكز البحوث العلمية وأماكن تخزين الصواريخ الاستراتيجية، وما يقرب من 80% من القدرات العسكرية السورية، وذلك في عملية تعد من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو "الإسرائيلي".
· استحدث جيش الاحتلال قرابة 12 نقطة في المنطقة العازلة منذ سقوط النظام، ما يشكل تهديداً للأمن المائي عقب سيطرته على منابع وسدود مائية هامة في ريفي درعا والقنيطرة.
· قُتل أربعة عناصر من القوى الأمنية في إدارة العمليات العسكرية باشتباكات مع فلول النظام السابق في قرية بلقسة بريف حمص.
· ألقت إدارة العمليات العسكرية القبض على اللواء محمد كنجو حسن وهو المسؤول عن المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا العسكري.
· أطلقت إدارة العمليات العسكرية حملات أمنية تستهدف مناطق في دمشق وريفها ، حيث قامت بتمشيط العديد من المناطق وسحب السلاح غير الشرعي وضبط "مثيري الفتنة".
· تواصل التصعيد شمال سوريا تحديداً في الريف الشرقي لمحافظة حلب في قصف متبادل بين قوات سوريا الديمقراطية، والفصائل المدعومة من تركيا.
· خرج مئات السوريين في ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق في أول احتجاج بعد رحيل بشار الأسد، رافعين شعارات تُطالب بإقامة دولة مدنية تضم جميع المكونات وبمشاركة النساء، وتدعو إلى مؤتمر وطني عام، وذلك وسط جدل وتساؤلات بشأن شكل النظام السياسي الجديد في سوريا.
المؤشرات والاتجاهات الأمنية
- لا يرتبط العدوان الإسرائيلي المستمر على سوريا فقط بالمخاوف من وجود "جهاديين سنة" على حدود دولة الاحتلال والذين قد يمثلوا تهديداً مستقبلياً على المدى البعيد، وإنما يبدو الأكثر إثارة للقلق هو اقتراب النفوذ التركي للمرة الأولى من حدود الاحتلال. حيث ينذر احتمال وجود قوات تركية على حدود "إسرائيل" الشمالية الشرقية بتغيير البيئة الإقليمية "لإسرائيل" بصورة غير متوقعة. ولذلك؛ سيصبح مع الوقت التنافس التركي "الإسرائيلي" هو الملمح الأبرز للملف السوري الجديد.
- على الرغم من تواصل المواقف العربية الإيجابية تجاه الإدارة السورية، إلا أن هذا لا يغير من التقدير العام بأن البيئة الإقليمية مازال يخيم عليها مزيج من التوجس والعداء، باستثناء تركيا وقطر وحكومة الدبيبة في ليبيا. وحتى السعودية التي أبدت انفتاحاً لافتاً تجاه دمشق، من المبكر الجزم بأن ذلك بات موقفاً استراتيجياً للرياض، وعلى الأرجح أن السعودية تتحرك حالياً بدافع أساسي هو الرغبة في تأكيد إبعاد سوريا عن إيران وتكريس خسارة طهران الاستراتيجية. لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أن الرياض باتت على وفاق كامل مع هيئة تحرير الشام وأنها ستعمل على تمكينها من حكم سوريا بصورة مستقرة.
- تتصدر التحديات الأمنية الداخلية للحكم الجديد في سوريا مسألة ملاحقة فلول النظام السابق خاصة أفراد الأجهزة الأمنية، والذين قد تربطهم علاقات بإيران وروسيا. بالإضافة لذلك؛ فإن تحدي توحيد المجموعات المسلحة الثورية داخل مؤسسة جيش وطنية يعتبر ضرورة لإحكام سيطرة الإدارة الجديدة على البلاد ومنع احتمالات الاقتتال الداخلي. وأخيرا، فإن التعامل مع ملف قسد والدروز في السويداء سيظل هو التهديد الأمني الأكثر حساسية نظرا لارتباط الجهتين بحلفاء من الخارج، الولايات المتحدة ودول أوروبية في حالة قسد، و"إسرائيل" وربما الإمارات في حالة الدروز.