تطورات الأجهزة الأمنية
كثّف رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حراكه السياسي والدبلوماسي خلال الأسابيع الماضية، حيث التقى في "بورتسودان" بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، في إطار مساعٍ لإحياء المسار الأممي المتعلق بالأزمة السودانية. وفي السياق ذاته، عقد البرهان اجتماعًا مع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، بحضور كبار المسؤولين، مؤكدًا "عمق الروابط السودانية - المصرية" في ظل التطورات العسكرية المتسارعة. كما أجرى مباحثات رسمية مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، تناولت الملفات الأمنية والاقتصادية، وهي أول زيارة لأفورقي منذ اندلاع الحرب عام 2023، في ظل انفتاح إريتري مستمر على أطراف الصراع السوداني.
بدوره، بحث وزير الخارجية، محي الدين سالم، الأزمة السودانية والتعاون المشترك مع سفراء السعودية وتركيا وإيران والقائم بالأعمال الصيني، كم قام بزيارة رسمية للمجر لبحث التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي، بينما كثّفت البعثة الدبلوماسية في تركيا اتصالاتها لشرح أبعاد سقوط مدينة "الفاشر" والدور الخارجي في تغذية النزاع.
على صعيد آخر، شهدت عدة ولايات حركة تغييرات وتنسيقات داخل أجهزة الأمن والمخابرات، إذ ودّعت ولاية الجزيرة مدير جهاز المخابرات العامة بالولاية بعد نقله للخرطوم، فيما عقد والي النيل الأبيض مباحثات مع نائب مدير المخابرات لمعالجة أوضاع النازحين وتزايد الحركة السكانية.
بالمقابل، أعلن قائد قوات "الدعم السريع" في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في بيان متلفز، وقفًا شاملًا لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، بهدف إنهاء العدائيات وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، مستجيبًا لنداء الرئيس "ترامب" ودعوة "الرباعية الدولية" (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر) لمعالجة الأزمة السودانية، جاء الإعلان بعد رفضٍ صريح من قبل الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، لمبادرة مماثلة. وقد كشفت وسائل إعلام أمريكية، أنّ "البرهان" تلقى عروضًا لعقد صفقة سياسية مع إدارة "ترامب"، تشمل نقاطًا تتعلق بدعم "البرهان" في مواجهة "الدعم السريع" وتصنيف الأخير كمجموعة إرهابية، مقابل تخلي السودان عن توجهه شرقًا باتجاه روسيا والتخلي عن اتفاقيات مع موسكو لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر.
وعلى صعيد الدعم الدولي، جرت اتصالات مصرية تركية لتنسيق الجهود الرامية لدعم الجيش السوداني في مواجهة قوات "الدعم السريع" لمنع اختلال موازين القوى في المنطقة، بينما تقود الإمارات مسارًا لمد قوات "الدعم السريع" من خلال رحلات نقل منتظمة، تحمل مرتزقة كولومبيين، وشحنات مصنفة على أنها "خطرة"، عبر مطار "بوساسو" بولاية "بونتلاند" الصومالية.
مستجدات الإجراءات الأمنية
· أعلن رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، التعبئة العامة في القوات المسلحة، داعيًا القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال ضد قوات "الدعم السريع".
· نفّذت الأجهزة النظامية في ولاية الخرطوم حملة أمنية واسعة طوّقت خلالها منطقة "المدينة الخيرية – الأزهري مربع 16"، وضبطت كميات كبيرة من المسروقات المنهوبة خلال الحرب، بينها أجهزة كهربائية وأثاثات وقطع سيارات ومعدات طاقة شمسية.
· أصدرت ولاية الشمالية أمر طوارئ يحظر نقل السلع إلى مناطق انتشار قوات "الدعم السريع"، مع عقوبات بالغة تشمل السجن والغرامات والمصادرة.
· وجّه رئيس الوزراء كامل إدريس بتسهيل استخراج الجوازات والوثائق الثبوتية أثناء زيارة مفاجئة لإدارتي الجوازات والسجل المدني في "بورتسودان".
· فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على "عبد الرحيم دقلو" تتضمن تجميد الأصول ومنع السفر على خلفية اتهام الدعم السريع بارتكاب أعمال وحشية" في "الفاشر"، كما طالبت النيابة في المحكمة الجنائية الدولية بالسجن المؤبّد بحق "علي كوشيب" لارتكابه جرائم حرب قبل عقدين.
أبرز الأحداث الأمنية
· كثّفت قوات "الدعم السريع" هجماتها بالطائرات المسيّرة على الخرطوم، وشمالي "أم درمان" حيث تصدت الدفاعات الجوية للجيش لعدة مسيّرات انقضاضية، في إطار تصعيد متواصل يستهدف مواقع عسكرية وبُنى تحتية في العاصمة ومحيطها.
· جدّدت قوات "الدعم السريع" هجماتها على مقر الفرقة 22 مشاة في مدينة "بابنوسة"(غرب كردفان) مستندة إلى تعزيزات قادمة من دارفور، في محاولة لتوسيع نطاق سيطرتها شرقاً.
· شنّت مسيّرات "الدعم السريع" هجمات بالمسيرات على مدينة الأبيض (شمال كردفان)، بالمقابل، شنّ الجيش غارات بمسيّرات قتالية على مواقع "الدعم السريع" في "أبو قَعَود" و"أم قَرفَة"(شمال كردفان) ودمّر رتلًا ضخمًا يضم أكثر من خمسين عربة قتالية وناقلات وقود في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا. كما انسحبت قوات الجيش و"درع السودان" تكتيكيًا من بلدة "أم سيالة" (شمال كردفان) بعد ساعات من استعادتها.
· شنّت مسيّرات "الدعم السريع" هجمات متزامنة على مدينة "الدمازين" (النيل الأزرق).
· استعادت وحدات الجيش عدداً من البلدات التي كان يسيطر عليها "الجيش الشعبي" بقيادة عبد العزيز الحلو، في محليات "العباسية" و"أبو كرشولا" و"هبيلا"(جنوب كردفان) وهي أولى العمليات الواسعة للجيش في هذه المناطق منذ اندلاع الحرب عام 2023.
· أعلنت وكالة السودان للأنباء "سونا" عن مقتل مدير الوكالة في"شمال دارفور" وشقيقه بعد اقتحام منزلهما في مدينة "الفاشر" من قبل قوات "الدعم السريع".
المؤشرات والاتجاهات الأمنية
· يمكن قراءة تصعيد البرهان في رفض مبادرة الرباعية الدولية كمسعى لفرض شروط تفاوضية تضمن بقاء الجيش اللاعب المهيمن وتمنع انزلاق المسار الدولي نحو ترتيبات تُقيد نفوذه، مع توظيف هذا الرفض في توحيد معسكر بورتسودان وطمأنة الإسلاميين والحركات المسلحة. مع هذا، فإن الاتجاه العام لتحركات الجيش يشير لاستعداد واسع لتقديم استجابة لشروط الولايات المتحدة إذا كان ذلك في مقابل إلزام الإمارات بوقف دعم حميدتي.
· تعكس المبادرة التي أطلقها "حميدتي" أن الأطراف السودانية باتت تتحرك تحت وطأة ضغط دولي–إقليمي متصاعد، بما يرجّح أن أي مسار تسوية مقبل لن يُحسَم بموازين القوى العسكرية وحدها، بل سيكون نتاجًا لتشابك حسابات القوى الكبرى في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، الأمر الذي سيفرض على الفاعلين السودانيين إعادة معايرة خياراتهم السياسية والعسكرية مع هذا الواقع الجديد.
· تشير المعطيات الميدانية إلى انتقال الصراع إلى مرحلة استنزاف معمّقة، خصوصًا في إقليم كردفان الذي تحوّل إلى ساحة مركزية للعمليات؛ إذ يسعى الجيش لتأمين الإقليم بوصفه الممر الأساسي نحو استعادة الفاشر بوصفها مركز الثقل العسكري والاستراتيجي في دارفور، بينما تعمل قوات الدعم السريع على توسيع تقدمها لقطع خطوط إمداد الجيش ومنعه من إعادة تجميع قدراته الدفاعية.