آفاق وعوائق تطبيع العلاقات السودانية "الإسرائيلية" في ظل الحكم العسكري القائم

الساعة : 12:22
26 أغسطس 2025

المصدر: أتلانتيك كاونسل

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

في ظل استمرار الصراع في السودان، ظهرت تقارير تفيد بأن قائد القوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، يسعى لإتمام التطبيع مع "إسرائيل" مقابل الدعم السياسي والعسكري. كما أفادت وسائل إعلام "إسرائيلية" مؤخرًا بأن المبعوث الخاص لـ"البرهان" زار "إسرائيل" في نيسان/ أبريل الماضي؛ حيث أوضح أن القوات المسلحة السودانية قد لجأت إلى إيران للحصول على مساعدة عسكرية فقط بعد فشلها في تأمين الدعم "الإسرائيلي"، وأن "البرهان" مستعد للوفاء بأي شروط تضعها "إسرائيل" لتسريع إتمام الاتفاقية، لكن متحدثًا باسم القوات المسلحة السودانية نفى مثل هذه التقارير.

ونظرًا لأن الأساس الأمني ​​لإتمام التطبيع لا يزال مقنعًا، فمن المحتمل أن تفكر "إسرائيل" في مواصلة العلاقات مع القوات المسلحة السودانية. ولا شك أن تطبيع العلاقات بين السودان و"إسرائيل" يحمل آمالًا كبيرة، لا سيما في مجالات مثل التكنولوجيا والتعليم والأمن والزراعة. لكن لكي يتحقق ذلك، يجب أن يتم التطبيع في ظل حكومة مدنية شرعية وفي زمن السلم وليس أثناء الحرب والحكم الاستبدادي.

ففي الـ23 من تشرين الأول/ أكتوبر 2020، أعلن الطرفان السوداني و"الإسرائيلي" عن نيتهما تطبيع العلاقات، وذلك في مكالمة فيديو ضمت الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أثناء فترة ولايته الأولى، ورئيس الوزراء السوداني آنذاك، عبد الله حمدوك، وفي الـ13 من كانون الثاني/ يناير 2021، تم التوقيع على "اتفاقيات أبراهام". وفي غضون أشهر، ألغى السودان قانون مقاطعة "إسرائيل" الذي كان ساريًا منذ عام 1958، وكان من المفترض أن يتم التوقيع الرسمي على اتفاقية التطبيع الكاملة في واشنطن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، لكن الانقلاب العسكري الذي قاده "البرهان" في الـ25 من تشرين الأول/ أكتوبر 2021 أدى إلى تعطيل هذه الخطوة. كما أدى اندلاع الحرب في الـ15 من نيسان/ أبريل 2023 إلى قلب جهود التطبيع رأسًا على عقب، وتلاشى الأمل في العودة إلى انتقال ديمقراطي بقيادة مدنية.

في هذا الإطار، قد تُغرى "إسرائيل" باعتبارات أمنية فورية للتعامل مع السلطات الحالية في بورتسودان، لكن هذا سيكون سوء تقدير استراتيجي خطير. ومع أن الأمن مسؤولية أساسية لأي دولة، ومن المنطقي أن تعطي "إسرائيل" أو أي دولة أخرى الأولوية للأمن في علاقاتها الخارجية، لكن يجب فهم الجانب الأمني وإعطاؤه أولوية من منظور استراتيجي وليس تكتيكي. فالتحالف قصير النظر مع النظام العسكري في السودان، غير الدستوري وغير الشرعي والمزعزع للاستقرار حاليًا، لن يعزز الأمن الحقيقي لـ"إسرائيل" أو السودان أو المنطقة عمومًا.

وبالتالي، فإن تطبيع العلاقات مع النخبة العسكرية السودانية التي تمجد الحرب وتتعهد بالقتال لمائة عام أخرى، يشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان وأمن "إسرائيل" واستقرار المنطقة. من جهة أخرى، فإن تحالف القوات المسلحة السودانية مع القوات الجهادية المحلية، مثل "قوات لواء البراء بن مالك"، وعلاقاتها المتنامية مع إيران تشير إلى عودة نظام سياسي خطير ومزعزع للاستقرار. وكما ورد في تقرير صادر عن "متتبع السلام السوداني"، فإن هذا التحالف مقلق للغاية؛ حيث توفر لهم القوات المسلحة السودانية الدعم الرسمي والبنية التحتية العسكرية والتنسيق في ساحة المعركة. ولم تضف هذه الشراكة شرعيةً على تلك الجماعات وغيرها داخل هياكل القوات المسلحة السودانية فحسب، بل مكّنتها أيضًا من التوسع السريع تحت غطاء المقاومة الشعبية، ما أدى إلى تحويل هذه الجماعات من وكلاء تكتيكيين إلى جهات فاعلة قوية، وهو ما يشكل تهديدًا طويل الأمد لاستقرار السودان والمنطقة ككل.

من ناحية أخرى، فإن التقارب بين القوات المسلحة السودانية وإيران قد مكّن الأخيرة من إعادة تأسيس موطئ قدم عسكري استراتيجي في السودان، عبر شبكات أنفاق وأسلحة متطورة وعلاقات معززة مع الفصائل الإسلامية داخل الجيش. وقد قامت إيران بذلك كجزء من جهد أوسع نطاقًا للاستفادة من عدم استقرار السودان، لتهديد "إسرائيل" ومواجهة النفوذ الأمريكي وتوسيع نطاق قوتها الإقليمية. وفي حين ينظر البعض إلى تواصل القوات المسلحة السودانية مع إيران على أنه عمل يائس، فإن العلاقة في الواقع متجذرة على أسس أيديولوجية مشتركة؛ معاداة الديمقراطية ومعاداة الغرب ومعاداة "إسرائيل". فعلى غرار النظام الإيراني، تستهدف القوات المسلحة السودانية النشطاء الذين يدافعون عن الديمقراطية والحكم المدني؛ وقد تم اعتقال هذه الأصوات وتعذيبها من قبل الأجهزة الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها.

كما إن القوات المسلحة السودانية والإسلاميين يعادون الغرب أيديولوجيًا لأسباب منها أن الغرب يدعم المنظمات المؤيدة للديمقراطية، كما إنهم ضد "إسرائيل" بطبيعتهم، لا سيما بالنظر إلى الشكوك في أن هجمات عامي 2009 و2012 على السودان يُعتقد أنها نُفذت من قبل "إسرائيل"، بهدف منع نقل الأسلحة الإيرانية إلى حماس. بدورها، تعمل إيران على توفير الطائرات بدون طيار والتدريب العسكري والدعم الاستخباراتي كجزء من جهد أوسع، لإعادة تأكيد النفوذ في منطقة البحر الأحمر من خلال وكلاء متحالفين أيديولوجيًا، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان يجعل هذا التوافق أكثر خطورة.

أخيرًا، فقد عكست السلطات الحالية التقدم الذي أحرزته الحكومة المدنية الانتقالية في السودان، في تفكيك نظام "البشير"، وعملت على إزاحة الموالين للحزب الذين تم تعيينهم بشكل غير شرعي أو غير قانوني، وإلغاء سياسات "التمكين" التي استخدمها نظام "البشير" للسيطرة على المؤسسات البيروقراطية والعسكرية للدولة. لكن السلطات الحالية أعادت معظم عناصر نظام "البشير"، وبالتالي فهي تعيد النظام الذي كان يهدد الأمن الإقليمي والدولي. فعلى سبيل المثال، قام رئيس الوزراء المعين حديثًا من قبل القوات المسلحة السودانية، كامل إدريس، في تموز/ يوليو الماضي، بتعيين "لمياء عبد الغفار" وزيرةً لشؤون مجلس الوزراء، وهي إسلامية كان "حمدوك" قد طردها سابقًا من منصبها كأمين عام للمجلس القومي للسكان. كما قام "إدريس" بتعيين "عبد الله درف" وزيرًا للعدل، وهو شخصية إسلامية وأحد محاميي "البشير" الذي شغل العديد من المناصب الحكومية والمحلية في عهده.

وبالتالي، فإن دعم القوات المسلحة السودانية لن يعزز شريكًا مستقرًا؛ بل سيمكن مؤسسة عسكرية ضمت جماعات متطرفة عازمة على إحياء نظام إسلامي استبدادي. ويقدم التاريخ تحذيرات واضحة من أن التعاون التكتيكي مع القوى الإسلامية قد أدى باستمرار لنتائج عكسية، من أفغانستان إلى منطقة الساحل. ويمكن لبورتسودان، ومن المرجح أن تفعل، استغلال التطبيع لكسب نفوذ عسكري وسياسي مع الاستمرار في معارضة الحكم المدني واحتضان العداء تجاه "إسرائيل".

إضافةً لذلك، فقد أظهر تاريخ السودان أن السلام والاستقرار المستدامين مستحيلان بدون حكم ديمقراطي؛ فلا يمكن إدارة تنوعه السياسي والعرقي والثقافي المعقد من خلال الحكم الاستبدادي. كما إن النظام العسكري الحالي في بورتسودان لا يحظى بشعبية كبيرة، بين الغالبية العظمى من المنظمات والجماعات المؤيدة للديمقراطية والمؤيدة للسلام في السودان، ولا تزال المعارضة المدنية المؤيدة للديمقراطية قوية وحازمة، وعليه فإن استمرار الحكم الاستبدادي لن يؤدي إلا لتفاقم عدم الاستقرار وخلق مساحة للجهات المتطرفة للعمل.

ومن ثمّ، يجب على "إسرائيل" أن تتحالف مع القوى المدنية السودانية الحقيقية المؤيدة للديمقراطية، وليس النخب العسكرية؛ فهذه الجهات المدنية تمثل مستقبل السودان المستقر والشامل ولا تشكل تهديدًا ضد "إسرائيل" أو المنطقة، وهذا ما سيجعل السودان الديمقراطي شريكًا حقيقيًا للسلام والتعاون والتنمية.

فإذا كانت "إسرائيل" مهتمة حقًا بالأمن والاستقرار الإقليمي على المدى الطويل، فيجب عليها دعم السلام والحكم الديمقراطي في السودان بشكل واضح؛ فالقيام بذلك لن يساعدها فقط على تجنب دعمها للديكتاتورية العسكرية، بل سيمنع أيضًا عدم التوافق الاستراتيجي مع الجهات الفاعلة التي تنظر إلى التطبيع كوسيلة للوصول إلى السلطة، مع بقائها معارضةً أيديولوجية لـ"إسرائيل" والحكم المدني. وسيحصل كل من السودان و"إسرائيل" على مكاسب كثيرة من تطبيع العلاقات، اقتصاديًا ودبلوماسيًا واستراتيجيًا. لكن التطبيع يجب أن يرتكز على الشرعية لا اليأس، على السلام لا الحرب، وعلى القيم الديمقراطية المشتركة لا على الانتهازية التجارية. فالطريق إلى تطبيع حقيقي ودائم وعلاقات دبلوماسية كاملة يمر عبر القوى الديمقراطية السودانية، وليس عبر الجنرالات الإسلاميين المناهضين للديمقراطية المتحصنين في بورتسودان أو في أي مكان آخر في البلاد.