تحديات استراتيجية تواجه "إسرائيل" بظهور طرق جديدة أهمها "جسر موسى" بين مصر والسعودية

الساعة : 15:33
19 نوفمبر 2025

المصدر: أتلانتك كاونسل

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

مستقبل قد تُستبعد فيه "إسرائيل"

في خطوة كبيرة لإعادة تشكيل ربط البحر الأحمر، أعلنت كل من مصر والسعودية مؤخرًا عن الخطط النهائية لـ"جسر موسى"، وهو جسر بطول 32 كلم يربط الساحل السعودي في رأس حامد بشبه جزيرة سيناء المصرية في شرم الشيخ. ويهدف هذا المشروع الضخم الطموح، الذي سُمي تيمنًا بقصة موسى عندما شق البحر الأحمر، لربط آسيا وأفريقيا، وتعزيز طرق التجارة والسياحة والحج بين الخليج وشمال أفريقيا.

وتعكس هذه المبادرة، الممولة بالكامل من الرياض، دبلوماسية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الواسعة في مجال البنية التحتية في إطار "رؤية 2030"، وتمثل تحولًا لعقود من النقاش إلى التنفيذ. كما يحمل المشروع تداعيات جيوسياسية واقتصادية مهمة على المنطقة؛ فبينما يَعِد الجسر بمكاسب لوجستية وتكامل أعمق بين الخليج وأفريقيا، فإنه يطرح بالمقابل تحديات استراتيجية، لا سيما بالنسبة لـ"إسرائيل"؛ حيث يتجاوزها تمامًا، لأنه يخلق بديلًا للممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا "IMEC والذي كان من المتوقع أن تكون "إسرائيل" فيه بمثابة نقطة عبور رئيسية. وإلى جانب الممرات البرية الناشئة المُعاد تأهيلها عبر سوريا والعراق، يمهد "جسر موسى" لمستقبل مُحتمل تُستبعد فيه "إسرائيل" من التكامل الإقليمي إذا استمرت التوترات السياسية.

يُعتبر الموقع الاستراتيجي للمشروع بالغ الأهمية؛ فمضيق تيران هو بوابة ميناء إيلات "الإسرائيلي" الوحيد على البحر الأحمر، وهو يخضع لضمانات دولية كفلتها "اتفاقيات كامب ديفيد"، لكن رغم وجود ضمانات أمنية مدعومة من الولايات المتحدة، لم تُعارض "إسرائيل" الخطة.

فمن منظور لوجستي، سيعمل "جسر موسى" على تسهيل التجارة والسفر الإقليميين بشكل كبير؛ حيث صُمم الجسر لدعم حركة المرور البري، وربما السكك الحديدية، ومن المتوقع أن يرتبط بشبكة السكك الحديدية السعودية المتوسعة والبنية التحتية المصرية المتطورة في سيناء. كما سيدعم مشروع مدينة نيوم السعودية العملاقة، الواقعة بالقرب من الحدود السعودية. ومن جانبهم، يقدر المسؤولون أن الجسر سيخدم أكثر من مليون مسافر سنويًا، بمن فيهم الحجاج القادمون مباشرة من شمال أفريقيا إلى المدن المقدسة في السعودية. ومن خلال توفير بديل بري، قد يخفف الجسر الضغط على نقاط الاختناق البحري، ويساعد في تقليل أوقات العبور وتكاليف الشحن، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الضغوط المالية الأخيرة على قناة السويس بسبب الاضطرابات الحوثية في البحر الأحمر.

التحوّط الاستراتيجي السعودي ودور مصر المتنامي

يعكس "جسر موسى" استراتيجية التحوّط الأوسع نطاقًا للمملكة، حيث تستثمر الرياض في ممرات متعددة؛ شرقًا إلى الهند، وغربًا إلى أفريقيا، وشمالًا عبر العراق وسوريا إلى تركيا. وجميع هذه المسارات تتجاوز "إسرائيل"؛ ففي حين وضعت خطة "IMEC" "إسرائيل" في المركز، فإن "جسر موسى" يسمح للسعودية بالاتصال بأوروبا بشكل مستقل، عبر بوابة مصر المتوسطية، ما يوفر بديلًا غير مسيس يتجنب مخاطر التورط في الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني.

من جهتها، ترى مصر في هذا وسيلة لتعزيز منظومتها اللوجستية، ما يضمن نقل البضائع القادمة عبر الجسر الجديد بكفاءة إلى موانئ مثل بورسعيد أو دمياط. كما إن الجسر يتكامل مع الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية في مصر، والتي تشمل استثمارات في خطوط سكك حديدية جديدة بين الشرق والغرب، وتطوير موانئ البحر المتوسط، ومناطق لوجستية في شبه جزيرة سيناء. كما يمكن أن يُسهم الجسر في تعزيز السياحة في شرم الشيخ، وهي مركز سياحي رئيسي في شبه جزيرة سيناء، فيما تحرص القاهرة على تقليل اعتمادها على قناة السويس، التي انخفضت عائداتها بنحو 50% وسط توترات البحر الأحمر، من خلال توسيع طرق التجارة البرية. وفي حال نجاحها، يمكن أن تساعد هذه البنية التحتية مصر على إعادة تموضعها كجسر بري بين أفريقيا والخليج وأوروبا؛ متجاوزةً "إسرائيل" مرة أخرى.

وإلى جانب "جسر موسى"، فقد تمت مناقشة طريقين بريين إضافيين؛ إعادة فتح سوريا تدريجيًا، ما قد يعيد ربط دول الخليج بتركيا عبر السعودية أو الأردن، و"طريق التنمية" العراقي المقترح، الذي يربط ميناء الفاو الكبير بتركيا، وكلا الخيارين يقدمان بدائل نظرية، رغم أن كليهما يواجه عقبات مالية وسياسية وأمنية كبيرة.

التداعيات الجيوسياسية على "إسرائيل"

تشير هذه التطورات مجتمعةً إلى عدة بدائل برية يمكن أن تقلل من مكانة "إسرائيل" الاستراتيجية كمركز عبور؛ إذ إن "جسر موسى" يعتبر رسالة استراتيجية أكثر من مجرد كونه رابطاً مادياً. كما تعمل كل من السعودية ومصر على بناء البنية التحتية لشرق أوسط ما بعد الصراع، قد لا يعتمد على "إسرائيل" بعد الآن. وبالنسبة للولايات المتحدة، قد يُضعف هذا التحول إحدى قنوات نفوذها الرئيسية المحتملة في المنطقة. ومع عودة جهات إقليمية فاعلة أخرى، مثل سوريا والعراق وتركيا، إلى الحوار الاقتصادي، وعدم اكتراث الشركاء العرب باستكشاف مسارات أخرى، يجب على "إسرائيل" أن تعمل على استعادة ميزتها الجيوسياسية.