الحدث:
وقّع كل من وزير المياه الأردني، محمد النجار، والموفد الإماراتي لقضايا المناخ، سلطان الجابر، ووزيرة الطاقة "الإسرائيلية"، كارين إلهرار، في دبي "إعلان نوايا" سُمّي باتفاقية "الكهرباء مقابل الماء"؛ وهو مشروع مؤلف من محورين؛ برنامج "الازدهار الأخضر"، ويشمل تطوير محطات طاقة "متجددة" شمسية كهروضوئية في الأردن بقدرة إنتاجية تبلغ 600 ميغاواط، من خلال شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، على أن يتم تصدير كامل إنتاج الطاقة النظيفة إلى دولة الاحتلال. والمحور الثاني برنامج "الازدهار الأزرق"، ويشمل مشاريع تحلية مياه مستدامة في دولة الاحتلال، لتزويد الأردن بحوالي 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر المتوسط.
ويأتي "إعلان النوايا" هذا في ظل حاجة دولة الاحتلال الملحة للطاقة النظيفة، حيث لا تغطي مشاريع الطاقة المتجددة سوى 6% من احتياجات الاحتلال للكهرباء، والتي تستهدف حكومة الاحتلال رفعها إلى 30% بحلول عام 2030. لكنها لا تملك مساحات الأراضي الشاسعة الآمنة المناسبة لإنشاء مزارع طاقة شمسية، بعكس الأردن الذي يمتلك مثل تلك المساحات، والتي تعتبر أيضًا غير مهددة أمنيًا. بالمقابل، يحتاج الأردن إلى المياه؛ حيث تبلغ حصة الفرد السنوية 80 مترًا مكعبًا فقط، وهي أقل بكثير من النسبة العالمية المحددة بـ500 متر مكعب للفرد، وبالتالي فهو أحد أفقر عشر دول في العالم بحصة الفرد.
الرأي:
يعدّ المشروع تغيرًا جوهريًا في شكل تعاطي السياسة الأردنية مع التسوية، من مبدأ رفض الحلول الاقتصادية قبل حل الدولتين إلى الاستسلام للرؤية الإماراتية، القائمة على إذابة فواصل الصراع وفتح المجال للانصهار الاقتصادي. كما يعتبر تغيرًا لافتًا بموقف الأردن تجاه "اتفاقات أبراهام"، التي لم يتحمس لها باعتبارها عاملًا مضعفًا لحل الدولتين. لكن الأخطر من هذا، أن المشروع في حال إقراره رسميًا، سيمنح الاحتلال ورقة رابحة جديدة بوجه المملكة تمس أمن البلاد القومي؛ فإلى جانب تزويد الأردن بالماء الطبيعي من بحيرة طبريا ونهر الأردن، ستعتبر كميات المياه المحلاة من المتوسط رافدًا جديدًا لهيمنة الاحتلال على أمن الأردن المائي.
وإضافةً لكون المشروع يزيد من ربط الأردن استراتيجيًا بالإمارات، فإنه يعظم من دور الإمارات في نظر واشنطن والغرب، كقائد لجهود دمج وتجذير "إسرائيل" في المنطقة عبر مشاريع اقتصادية استراتيجية. كما إنه نموذج قابل للتكرار ويشجع دولًا أخرى على التطبيع، كجزء من "صفقات" اقتصادية وتجارية وأمنية.
من جهة أخرى، وإضافةً للتداعيات الشعبية المحتملة في الداخل الأردني، والتي ظهرت بوادرها بالفعل في احتجاجات يرجح أنها ستستمر؛ فقد يلقي المشروع بمزيد من ظلال عدم الثقة بين السعودية والإمارات، حيث سعت الرياض لإثناء أبوظبي عن فكرة المشروع الذي تفاجأت بالإعلان عنه دون تنسيق مسبق. كما حاولت السعودية إقناع الإمارات بالتراجع عن المضي قدمًا في المشروع، وعرضت أن تحل الرياض محل "تل أبيب" في الاتفاق، خاصةً وأنه يسحب البساط من تحت أقدام "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، التي أطلقها ولي العهد، محمد بن سلمان، لقيادة ملف المناخ في المنطقة.