الحدث:
أعلنت وزارة الدفاع التركية انتهاء مناورات "الوطن الأزرق 2025" التي أجرتها قواتها البحرية في البحر الأسود وبحر إيجة وشرق البحر المتوسط، بمشاركة 20 ألف ضابط وجندي من البحرية إضافةً إلى عناصر من القوات البرية والجوية وخفر السواحل، وذلك بحضور كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة وقادة القوات البحرية والبرية والجوية التركية. وشاركت في المناورات 87 سفينة سطحية وسبع غواصات وسبع مركبات بحرية بدون طيار و31 طائرة مقاتلة و17 طائرة هليكوبتر و28 طائرة بدون طيار.
الرأي:
تعكس هذه المناورات تغيرات في النهج العسكري البحري التركي الذي مر بثلاث تحولات رئيسية منذ نشأة الجمهورية التركية؛ ففي المرحلة الأولى مع تأسيس الدولة عام 1923، اقتصر دور البحرية على الدفاع الساحلي لحماية حدود الدولة. ومع عضوية تركيا بحلف "الناتو" عام 1952، أسند الحلف إليها حماية مضيقي الدردنيل والبوسفور والعمل في البحر الأسود، بينما تولت البحرية اليونانية المسؤولية عن شرق المتوسط.
وبرزت المرحلة الثانية مع بدء التوتر بخصوص قبرص في الستينيات؛ حيث انتقلت أنقرة من تبني استراتيجية دفاعية إلى استراتيجية أكثر استقلالية بمعزل عن "الناتو"، فعادت البحرية التركية للعمل شرق المتوسط، وارتفع عدد سفن الإنزال بها من صفر إلى 55 سفينة خلال الفترة من 1964 إلى 1974. وبعد انتهاء الحرب الباردة وتبني تركيا سياسة خارجية أكثر نشاطًا، نشرت البحرية التركية وثيقة استراتيجية عام 1997 بعنوان "نحو البحار المفتوحة"، ونصت على ضرورة امتلاك قدرات تكفل تفوق قوتها البحرية شرق المتوسط وبحر إيجة، وامتلاك قدرات ردع في البحر الأسود، فضلًا عن الاهتمام ببحر قزوين والخليج العربي والبحر الأحمر. وقد تحقق هذا مع تطور الصناعات الدفاعية المحلية، ما أتاح تصنيع منصات بحرية قادرة على البقاء لفترات طويلة في البحر، ومنذ عام 2002 حتى عام 2023 قامت تركيا ببناء 54 سفينة دون شراء أي سفن من الخارج.
ونشرت البحرية التركية ورقتها الاستراتيجية الثانية عام 2015، ونصت على شعار "أن تكون آمنًا في الوطن الأم، وأن يكون لك صوت في العالم، وأن تكون حاضرًا في جميع البحار"، وركزت على حماية الحقوق السيادية والمصالح التركية في البحار المحيطة بها، وإنشاء منطقة أمنية مستقرة في الجوار المباشر، ودعم الدفاع عن شمال قبرص التركية. وضمن هذه الاستراتيجية تبلور مبدأ "الوطن الأزرق" الذي ينص على أن البحار المحيطة جزء من الوطن، وأن الدفاع عن الوطن يبدأ من البحر، ومن ثم بدأت تركيا منذ عام 2019 تنظيم مناورات بحرية ضخمة متزامنة في البحار المجاورة.
في هذا الإطار، توضح مناورات "الوطن الأزرق 2025" وحجم القوات المشاركة فيها وتطور أسلحتها، مدى قدرات تركيا على إسقاط القوة في البحار المجاورة، خصوصًا شرق المتوسط وفي بحر إيجة في مواجهة البحريتين اليونانية والفرنسية. كما جاءت المناورات تزامنًا مع إرسال البحرية التركية مجموعة عمل لحماية عمليات التنقيب عن النفط والغاز أمام سواحل الصومال في المحيط الهندي، ما يؤكد على تحول تركيا إلى قوة بحرية متوسطة ونشيطة، لكنّه في المقابل ينذر بمزيد من التوتر وبتنامي سباق التسلّح مع اليونان بصورة خاصة.