المصدر: يوروبيان كاونسل أون فورين ريليشنز
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
تلخيص:
تلعب دول الخليج العربي، خصوصًا الإمارات والسعودية وقطر، دورًا محوريًا ومتصارعًا في حرب السودان، ما سيؤثر بشكل كبير على مسار ومستقبل الصراع ويقوّض جهود التحول الديمقراطي:
· تتمتع دول الخليج بقدرة خاصة على التأثير في نتائج الصراع في السودان بفضل ثرواتها، وعلاقاتها المالية بالجماعات المتقاتلة، ومصالحها الإقليمية، كضمان الوصول إلى موارد السودان الزراعية والحيوانية والمعدنية.
· أدت المساعي المتضاربة لهذه الدول في كثير من الأحيان إلى تأجيج العنف في السودان؛ حيث تدعم أطرافًا متعارضة لتحقيق أهدافها.
· تنظر كل من السعودية والإمارات إلى الإسلاميين كتهديد، وتعارضان احتمال الحكم التشاركي في السودان، بينما تدعم قطر هذه الجماعات.
· تُعتبر الإمارات الطرف الخارجي الأكثر نفوذًا في السودان؛ حيث يُقال إنها تُزوّد قوات الدعم السريع بالأسلحة، بينما تُحافظ على علاقات هادئة مع حكومة بورتسودان، وبالتالي ستكون علاقتها بهذه الجهات حاسمة في أي عملية سلام.
· أعطت الدول الغربية الأولوية للحفاظ على علاقات وثيقة مع الخليج في قضايا إقليمية أخرى، مثل غزة وإيران والبحر الأحمر، على الضغط على تلك الدول لاتخاذ إجراءات ومحاسبة بشأن السودان، وقد شجعها في ذلك تردد الغرب في مواجهة الإمارات على وجه الخصوص.
· سيعتمد التقدم نحو السلام في السودان على تعاون دول الخليج، ولدعم الاستقرار طويل الأمد في البلد يمكن لصناع السياسات الأوروبيين الاستفادة من فهم أعمق لمصالح الخليج واستراتيجيات التعامل.
مصالح استراتيجية وتحالفات متضاربة:
تسعى دول الخليج للوصول إلى موارد السودان الزراعية والحيوانية والمعدنية الغنية، والتي تُعد حيوية لأمنها الغذائي وتنويع اقتصادها؛ حيث تدعم قوات الدعم السريع عسكريًا واقتصاديًا، مع الحفاظ على علاقاتها مع حكومة القوات المسلحة السودانية. من جهتها، تتبنى السعودية موقفًا أكثر حذرًا، لكنها تدعم القوات المسلحة السودانية لاحتواء النفوذ المنافس (إيران، الإمارات، روسيا) ولحماية طرق التجارة. بالمقابل، تدعم قطر الجهات الإسلامية وتحافظ على مصالحها التجارية، معارضةً بذلك الاستراتيجيات الإماراتية والسعودية.
وتنظر كل من الرياض وأبو ظبي إلى الحركات الديمقراطية كتهديد، وقد قوضتا تاريخيًا الحكم التشاركي في السودان، مفضلتين الحكم العسكري أو الاستبدادي، بينما أعطت القوى الغربية أولوية للتحالفات الإقليمية الأخرى على السودان، وغالبًا ما تجنبت الضغط على الإمارات رغم دورها المدمر، ما أفسح المجال لاستمرار التدخل الخليجي.
في عهد البشير، سعى السودان للتوفيق بين تحالفات القوى الخليجية، لكن بعد الربيع العربي كثّفت الإمارات والسعودية مواقفهما المناهضة للإسلاميين، ما ضغط على السودان لقطع علاقاته مع قطر وإيران. وبعد سقوط البشير عام 2019 تجدد الدعم الخليجي للجيش السوداني، ما قوّض الحكومة الانتقالية التي كان يقودها المدنيون. وبعد انقلاب 2021، واصلت دول الخليج، خصوصًا الإمارات والسعودية، دعم القادة العسكريين السودانيين (البرهان وحميدتي) بدلًا من الحركة المدنية، وقد عزز دعمها المالي والسياسي هيمنة الجيش وعرقل التحول الديمقراطي. ورغم محاولات المصالحة بعد عام 2021، إلا أن انعدام الثقة ما زال قائمًا، خصوصًا بين قطر والإمارات، وهو ما يؤثر على تدخلهما في السودان.
تأزم الوضع بين التمزق الداخلي ومصالح الأطراف الخارجية:
ضم تحالف تأسيس السودان جماعات دارفورية ومجتمعات محلية وفصيلًا من حزب الأمة والحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بقيادة "الحلو". ومن المثير للدهشة أن الجهات الدولية الفاعلة الرئيسية (الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومصر، والسعودية، وقطر) رفضت التحالف المدعوم من قوات الدعم السريع، ما أحبط مؤيديه الإقليميين.
فمن جهتها، كثفت كل من مصر والسعودية دعمهما للقوات المسلحة السودانية، وحاربتا نفوذ الجماعات الإسلامية في صفوفها، بينما لجأت الإمارات، التي شعرت بالقلق إزاء خسائر قوات الدعم السريع، إلى الاتحاد الأفريقي، على الأرجح لإعادة إطلاق مفاوضات السلام وإبطاء زخم القوات المسلحة السودانية، كما عززت السعودية نشاطها الدبلوماسي مع تشاد وحكومة بورتسودان.
ورغم تقلبات الوضع العسكري، وبدلًا من السعي للمفاوضات، ما زالت جميع الأطراف الفاعلة، بما فيها دول الخليج، تركز على تحقيق النصر العسكري الذي ما زال مستبعدًا، كما إن احتمال تقسيم السودان يلوح في الأفق، مع تحفيز جميع الأطراف لمواصلة القتال لتحسين موقفها التفاوضي في نهاية المطاف.
من جانبها، قلّصت قطر مشاركتها العلنية، لكن يُزعم أنها موّلت القوات المسلحة السودانية عسكريًا ويُنظر إليها على أنها داعمة لها، نظرًا لاصطفافها التاريخي مع الجماعات الإسلامية. وتهدف الدوحة من هذا إلى الحفاظ على نفوذها مع تجنب التوترات الخليجية كتلك التي شهدها حصار 2017. كما تُعطي قطر أولوية للأمن الغذائي (الحبوب، ومنتجات الألبان، والثروة الحيوانية) وتُواجه النفوذ الإماراتي/السعودي، وتُقدم نفسها كوسيط غير بارز، بما يتماشى مع أدوارها في صراعات أخرى (أفغانستان، غزة).
بدورها تركز السعودية على رؤية 2030 والاستقرار الإقليمي لحماية مشاريعها في البحر الأحمر وصورتها كقوة إقليمية، وتسعى لاستمرارية المؤسسية عبر القوات المسلحة السودانية، لكنها تتجنب التورط العميق في السودان أو أي مكان آخر (لبنان، اليمن، سوريا). كما تعتبر الرياض أن حكومة بورتسودان شرعية، لكن لديها هاجس استراتيجي؛ هو الحد من النفوذ الإماراتي والإيراني في السودان والبحر الأحمر.
أما الإمارات، الطرف الخليجي الأكثر تورطًا في حرب السودان، فيأتي اهتمامها بملف السودان لبناء موانئ ومراكز لوجستية على طول البحر الأحمر (على سبيل المثال، ميناء أبو أمامة، وهو مشروع بقيمة ستة مليارات دولار أُلغي عام 2024). كما تُهيمن الإمارات على تجارة الذهب في السودان، مستفيدةً من تهريبه خلال فترة الحرب من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. وما زالت العلاقات المالية قائمة رغم النزاع؛ فما زالت الإمارات تُمثل سوق التصدير الرئيسي للسودان ومستوردًا رئيسيًا له.
في ظل هذا المشهد المعقد، يقود "البرهان" عملية موازنة معقدة بين الاعتماد على الميليشيات الإسلامية داخل الجيش، والحفاظ على علاقات مع دول الخليج المعادية للإسلاميين. فرغم التوترات، ما زالت العلاقات المالية والسياسية بين السودان والإمارات قائمة، رغم استخدام "البرهان" خطابًا معاديًا للإمارات لكسب الدعم المحلي. وما زالت مبادرات السلام التي تبذلها دول الخليج غير فعالة نظرًا لكونها مدفوعة بالأمن، ومركزية عالية، وغالبًا ما تكون تفاعلية أكثر من كونها استراتيجية.
من جهة أخرى، يضيف الدور الإيراني المتنامي، مثل دعم القوات المسلحة السودانية بالطائرات المسيرة، جانبًا آخر من التعقيد، لا سيما وأن نجاح القوات المسلحة السودانية في ساحة المعركة مرتبط بطهران، وهذا يُقلق دول الخليج نظرًا لخوفها من النفوذ الإيراني والانتقام المحتمل في ظل التوترات الإقليمية. كما يُمثل الإسلام السياسي أحد خطوط الصدع الأيديولوجي الرئيسية؛ إذ تُعارضه الإمارات والسعودية بشدة، خوفًا من تمكين الإسلاميين، بينما تُعتبر قطر أكثر تسامحًا وواقعية، ما يُعقّد جهود الخليج لتشكيل مستقبل الحكم في السودان.
على المستوى الإقليمي، يُهدد الصراع الدائر في السودان الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل ومصالح دول الخليج كذلك، لكن وجود هذه الدول ما زال حاسمًا في أي حل نظرًا لعلاقاتها المالية والسياسية مع الأطراف المتحاربة. ومع ذلك، فإن إحراز أي تقدم ملموس يتطلب تحولًا جوهريًا في سياسات دول الخليج وتعاونًا أكبر فيما بينها، إضافةً إلى التفاعل مع الجهات الفاعلة الغربية والأفريقية. ويرى خبراء أنه من غير المرجح أن تُغير الإمارات سياستها الأساسية المؤيدة لحكومة مدعومة عسكريًا في السودان، رغم التحولات التكتيكية العرضية في صراعات إقليمية أخرى؛ حيث تُعطي أبو ظبي الأولوية لمصالحها الاستراتيجية وتُحافظ على دعمها القوي لجماعات مثل قوات الدعم السريع.
أما الدور الغربي، فإن الدول الغربية تجنبت لحد كبير مواجهة دول الخليج بشأن تورطها في السودان، مُعطيةً الأولوية للشراكات الاقتصادية والأمنية على الضغط على الجهات الفاعلة الخليجية بشأن دورها في الصراع، وهذا ما شجع دول الخليج، خاصة الإمارات، على الجرأة.
على الجانب الأمني، فإن انتشار الأسلحة وتدفقها إلى السودان يُثير مخاطر أمنية تتجاوز حدوده، حيث يهدد ذلك الاستقرار الإقليمي والمصالح الأوروبية. وبالتالي، فهناك حاجة ماسّة لنهج متعدد الأطراف؛ حيث يتطلب حل أزمة السودان دبلوماسية دولية منسقة تكون دول الخليج أطرافًا رئيسية فيها، رغم أنها قد تُشكلعوامل إفساد محتملة بسبب تضارب المصالح.
التوصيات:
من خلال هذا المشهد المعقد، وفي ظل التباين الكبير في الأهداف والمصالح بين الأطراف الفاعلة، ولتحقيق سلام مستقبلي في السودان، هناك عدة توصيات:
· إشراك دول الخليج بشكل جماعي لمواءمة سياساتها نحو السلام.
· دعم الجهات المدنية الفاعلة في السودان التي اكتسبت الثقة وتستطيع لعب دور حيوي في السلام والتعافي.
· ينبغي على الاتحاد الأوروبي الاستفادة من موقفه المحايد ونفوذه الأخلاقي لتسهيل الحوار ونهج دولي متماسك.
· ينبغي على الدبلوماسيين الغربيين والأفارقة دفع قادة الخليج، خصوصًا الإمارات والسعودية، إلى التخلي عن الحلول العسكرية ودعم عملية انتقالية بقيادة مدنية.
· ينبغي زيادة الدور الأفريقي في المفاوضات، والحد من الهيمنة الخارجية، وتعزيز الملكية الإقليمية.
· ينبغي الاعتراف بأن استبعاد الإسلاميين تمامًا أمر غير واقعي؛ فلدى الإسلاميين السياسيين أدوار مجتمعية مشروعة، ويجب إشراكهم في الحكم بشرط تهميش المتطرفين.
· في نهاية المطاف، يتعين على دول الخليج أن تنفصل عن "أرثوذكسيتها" السابقة، وأن تتبنى نهجًا أكثر تعاونًا وتركيزًا على السلام يعطي الأولوية لاستقرار السودان على المدى الطويل وتمكين المواطنين، وإلا ستخاطر باستمرار الصراع وعدم الاستقرار الإقليمي.