صراعات ستحدد شكل العالم خلال عام 2025 - الجزء الأول

الساعة : 14:15
15 يناير 2025
صراعات ستحدد شكل العالم خلال عام 2025 - الجزء الأول

المصدر: كرايسيز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

نشر موقع "كرايسيز جروب" استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع هناك ست منها تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، إختار مركز "صدارة للمعلومات والاستشارات" أن ينشرها على شكل أجزاء، أولها المقدمة التي تتناول الوضع الجيوسياسي العالمي في ظل الصراعات المشار إليها.

عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض تزيد من ضبابية مستقبل العالم

إن عودة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، إلى المشهد الدولي ستزيد من عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل في عالم متقلب بالفعل؛ فمع تصاعد التوترات العالمية يلوح التغيير في الأفق، سواءً من خلال الصفقات أو بقوة السلاح. وفي ظل هذه الفترة المضطربة، يبدو أن عودة "ترامب" إلى البيت الأبيض من شأنها أن تزيد من اضطراب الأمور. لكن كيف يتعامل "المخرّب" مع عالم مضطرب بالفعل؟

في الشرق الأوسط، أدت ردود الفعل المتسلسلة التي أثارها هجوم "حماس" على "إسرائيل" في السابع من أكتوبر 2023 إلى قدر من التغيير المذهل على مدار أكثر من عام؛ فقد حوّلت "إسرائيل" قطاع غزة إلى كومة من الأنقاض، ودمرت دفاعات طهران وشبكة وكلائها الإقليمية، ومهدت (عن غير قصد) الطريق للمسلحين الإسلاميين للإطاحة بدكتاتورية عائلة "الأسد" التي استمرت نصف قرن في سوريا.

وفي آسيا، حيث تتنافس كل من الصين مع الولايات المتحدة وحلفائها على صدارة المشهد، فيما تبدو نقاط الاشتعال في بحر الصين الجنوبي والمياه والسماء حول تايوان وشبه الجزيرة الكورية أكثر خطورة من أي وقت مضى. كما إن هجوم روسيا على أوكرانيا، وفقًا لتهديدات الرئيس "بوتين"، يعتبر جزءًا من ترتيبات صراع ما بعد الحرب الباردة، والذي يهدد بالتحوّل إلى مواجهة أوسع في أوروبا. وفي أماكن أخرى ترتفع حصيلة العالم من القتلى والنازحين والجوعى إلى أعلى مستوى من أي وقت مضى منذ عقود، بسبب موجة من الصراع، بما في ذلك الحرب الأهلية في ميانمار والتمرد المدعوم من رواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إضافةً للدمار في السودان.

لكن التعميم حول أسباب الاضطرابات أمر صعب نظرًا للجذور المميزة لكل صراع؛ فالصين وروسيا، وإلى حد ما كوريا الشمالية، تتحدى الأنظمة التي كانت مدعومة لعقود من الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا. وبالتالي، إذا كانت المغامرات العالمية في ازدياد فسيصعب التنبؤ بمآلاتها، كما إن الصراعات المترابطة تجعل العواقب غير المقصودة أكثر احتمالًا. فمن المؤكد أن زعيم "حماس"، يحيى السنوار، الذي خطط لهجوم السابع من أكتوبر، لم يكن يقدّر جيدًا مقدار الخراب الذي ستُلحِقه "إسرائيل" (غير المقيدة إلى حد كبير) بغزة ردًا على ذلك. حتى "إسرائيل"، رغم قدراتها العالية في مجال التجسس، لم تتنبأ أنها بتوجيه ضربة إلى "حزب الله" في لبنان ستساعد فرع القاعدة "المعدّل" في السيطرة على دمشق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن حاكم سوريا الجديد، رغم ماضيه الجهادي، يقول إنه لا يبحث عن قتال مع "إسرائيل".

عودة ترامب تخلق حالة جديدة من عدم اليقين

إن وعود "ترامب" غالبًا ما تكون متناقضة في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، وكذلك آراء من اختارهم في حكومته والموالين له؛ فإذا ضاعف حجم المواجهة، فكم من المخاطر سيتحمل؟ وإذا سعى إلى الصفقات، فما المقايضات التي قد تنطوي عليها؟ وما العواقب المحتملة على حلفاء الولايات المتحدة؟ أما خارج هذه الساحات، فإذا كانت واشنطن غائبة بدرجة كبيرة، فكيف سيملأ الآخرون ذلك الفراغ؟

إن معجبي "ترامب" يرون مصلحة في تهوره؛ إذ إن إبقاء المنافسين والحلفاء على أهبة الاستعداد يمكن أن يردع البعض ويجلب التنازلات من الآخرين. ويقول هؤلاء إن "بوتين" كان أكثر خجلًا من التصرف مع "ترامب" في منصبه، وإن غموض الأخير بشأن حلف "الناتو" أثار شكوك الأوروبيين حول رضاهم عن أمن القارة، تمامًا كما فعل عدوان الكرملين. لكن عدم القدرة على التنبؤ قد يأتي بنتائج عكسية بسهولة؛ ففي حين لا يريد أحد حربًا شاملة، فإن سوء التقدير يشكّل خطرًا كبيرًا على طول خطوط الصدع بين القوى الكبرى. وفي ظل تشدد "ترامب" أو كبار المسؤولين حوله، فقد يستجيب أي منافس بالمثل بهدف إعادة ضبط الخطوط الحمراء، لكن ذلك سيكون عبر تخطي أحد الخطوط الحمراء الخاصة بواشنطن. وقد يتجاوز حليف للولايات المتحدة،  مثل الفلبين أو تايوان أو "إسرائيل"، أحد تلك الخطوط، ما يؤدي لانتقام من قبل الصين أو إيران ويخاطر بالتالي بجر الولايات المتحدة إلى حلبة الصراع.

من ناحية أخرى، إذا استخف "ترامب" بتحالفات واشنطن فقد يقرر أحد الخصوم، موسكو على الأرجح لكن قد تكون بيونج يانج أو حتى بكين، اختبار استعداد "ترامب" لمساعدة حلفاء الولايات المتحدة، ما يثير ضجة سياسية في واشنطن تجبر الرئيس على التحرك. وقد تولّد العدوانية أيضًا مقاومة أكثر توحدًا؛ فالحديث عن "محور" الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران مبالغ فيه، نظرًا لأن العواصم الأربع تشترك في مصالح قليلة بخلاف مقاومة القوة الأمريكية والتهرب من العقوبات. ومع ذلك، فهم يساعدون بعضهم البعض بشكل متزايد؛ حيث تساعد الأسلحة الإيرانية والكورية الشمالية، إضافةً إلى كوريا الشمالية والمكونات ذات الاستخدام المزدوج من الصين، في دعم جهود "بوتين" الحربية في أوكرانيا.

إن اتفاقية الدفاع التي وقّعها "بوتين" مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، في تشرين الثاني/ نوفمبر، تربط من حيث المبدأ بيونج يانج، وربما أمن شبه الجزيرة، بالحرب في أوروبا. وإذا صعّد "ترامب" من العداء على جميع الجبهات، فمن المرجح أن تقوى العلاقات بين هؤلاء الخصوم، خاصة إذا دفع أوروبا إلى تشديد القيود التجارية على الصين أو شجع "الناتو" على الانخراط بشكل أكبر في آسيا.

أما بالنسبة لعقد الصفقات، فقد تكون هرطقة "ترامب" أكثر فائدةً إذا كانت موجهة في الاتجاه الصحيح؛ حيث إن الصفقة الكبرى الافتراضية مع الزعيم الصيني التي يطرحها بعض المحيطين بـ"ترامب"، والتي قد تدفع واشنطن لقبول الأسبقية الصينية في آسيا بما في ذلك على تايوان (المصنّعة لجميع الرقائق الدقيقة المتقدمة التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي تقريبًا)، تبدو بعيدة المنال. كما إن الاتفاق مع روسيا، التي تركت أوكرانيا منزوعة السلاح وبدون ضمانات أمنية كما يطالب "بوتين"، سينهار بسرعة. فلا يوجد مسار مستقر لاتفاقيات على غرار مناطق النفوذ في آسيا أو أوروبا، حتى لو تمكّن "ترامب" من إقناع حلفاء الولايات المتحدة بالتفكير بشكل مختلف.

لكن الأهداف الأكثر تواضعًا قد تكون أدعى للتحقيق؛ فالمحادثات المتكررة مع "شي" والجهود الرامية لتعزيز حواجز الحماية القائمة بالفعل، مثل إنشاء خطوط ساخنة بين العسكريين وقنوات خلفية بين كبار المسؤولين في الطرفين، من شأنها أن تضع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على أساس أكثر استقرارًا، وأن تساعد في منع الحوادث في الجو والمياه حول الصين من التحول إلى أزمة كبيرة.

ومع روسيا، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الذي يؤجل النزاعات الأكثر صعوبة إلى مفاوضات مستقبلية سيكون بعيدًا عن المثالية، وقد يرفضه "بوتين". لكن إذا تمكن "ترامب" من تحقيق ذلك، فسيكون ذلك أفضل من مخاطر الدمار والتصعيد الحاصل اليوم، وقد يفتح ذلك مجالًا لحلفاء واشنطن الآسيويين والأوروبيين لتولي مزيد من المسؤولية تدريجيًا عن دفاعاتهم، بدلًا من تركهم للدفاع عن أنفسهم وهم غير مستعدين.

من جهة أخرى، فإن المحادثات النووية مع كوريا الشمالية أو إيران قد تسفر عن المزيد؛ ففي المرة الأخيرة أدى مسار "ترامب" المتقلب إلى مفاوضات كادت أن تسفر له عن صفقة، ورغم كونها غير كاملة فقد كانت ستحدّ من البرنامج النووي لبيونج يانج. ورغم علاقات "كيم" مع روسيا، تظل بيونج يانج منبوذة ولديها الكثير لتكسبه من حسن نية واشنطن. ومع ذلك، فإن الآفاق الأفضل تكمن مع إيران؛ فقد توافق طهران، التي أصبحت أضعف مما كانت عليه منذ عقود، على الحد ليس فقط من برنامجها النووي لكن من تراجع شبكة وكلائها أيضًا. بدورها، قد تتعهد واشنطن بعدم زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية، وتحاول أن تثني "إسرائيل" عن القيام بذلك؛ حيث قال "ترامب" إنه غير مهتم بتغيير النظام في إيران.

كيف يمكن التنبؤ بعام 2025 غير المتوقع؟

مهما حدث، يبدو أن الانزلاق إلى الفوضى سيستمر؛ فطالما أعفت الولايات المتحدة نفسها وأصدقاءها من القانون الدولي حيثما يناسب ذلك مصالحها. لكن حتى وفقًا للمعايير غير المتجانسة للعقود الأخيرة، فإن الأمور سيئة ومهيأة للأسوأ؛ ففي حين قدم الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، خدمة لفظية للنظام العالمي بغضّ الطرف عن تدمير "إسرائيل" لغزة، فإن "ترامب" سيستغني إلى حد كبير عن الجزء الأول. وإذا ضمت "إسرائيل" الضفة الغربية بمباركة الولايات المتحدة، أو قصفت واشنطن من جانب واحد الكارتلات المكسيكية، فإن المعايير التي أصبحت ضعيفة بالفعل معرضة لخطر التفكك بشكل أكبر. وسوف يولي المتحاربون اهتمامًا أقل لمعاناة المدنيين، وقد يقدِم قادة آخرون على الاستيلاء على أجزاء من أراضي جيرانهم إن كانوا قادرين على ذلك.

ويبدو أن معظم حروب اليوم ستستمر، وربما يتخللها في بعض الحالات وقف إطلاق النار حتى تتغير الرياح الجيوسياسية أو تنشأ فرص أخرى للقضاء على المنافسين. وقد يبرم "ترامب" صفقات مع بيونج يانج أو طهران تعيد تشكيل الأمن الآسيوي أو الشرق الأوسط، أو مع بكين لوقف ميل المنافسة نحو الصراع، أو مع موسكو لتهدئة الأمور مؤقتًا. لكن لا يمكن استبعاد سيناريوهات الكابوس؛ انفجار في آسيا، أو مواجهة أوروبية أوسع، أو محاولة للإطاحة بالنظام الإيراني أو الطرد الجماعي للفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى اندلاع حريق في الشرق الأوسط أيضًا. ومع تسارع وتيرة التغيير، يبدو العالم مهيأً لتحوّل نموذجي؛ والسؤال الآن هو: هل سيحدث ذلك على طاولة المفاوضات أم على أرض المعركة؟