الحدث:
نفذت الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية سلسلة غارات جوية، استهدفت مواقع عسكرية تابعة لجماعة الحوثي في مناطق مختلفة من اليمن، وذلك ضمن تصعيد عسكري متواصل للحد من قدرات الجماعة الهجومية. وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن الضربات استهدفت بنى تحتية رئيسية، شملت مخازن أسلحة ومواقع إطلاق صواريخ ومسيرات، إضافةً لمنشآت للقيادة والتحكم. ووفق مصادر محلية، أسفرت الهجمات عن تدمير عدد من المواقع الحيوية للجماعة، ما أدى لمقتل وإصابة عدد من عناصرها، بينهم قيادات ميدانية، إضافةً إلى وقوع خسائر مادية كبيرة في منشآت عسكرية رئيسية، بينها ورش تصنيع مسيرات ومخازن صواريخ باليستية في صنعاء والحديدة وصعدة. كما أدت الضربات لتقييد حركة الجماعة في بعض المناطق الاستراتيجية، وسط تأهب مستمر في صفوفها تحسبًا لجولة جديدة من الغارات. بالمقابل، توعدت الجماعة بالرد على الضربات الأمريكية، مؤكدةً أنها لن تتوقف عن استهداف السفن "الإسرائيلية" والأمريكية في البحر الأحمر، فيما رفعت واشنطن مستوى استعداداتها العسكرية في المنطقة تحسبًا لأي تصعيد إضافي.
الرأي:
لا يبدو أن الضربات الأمريكية ضد الحوثيين قد نجحت حتى الآن في تحقيق تأثير استراتيجي يقيد قدرتهم على المناورة، بل على العكس، جاءت ردود الجماعة مؤكدةً أن المواجهة دخلت مرحلة جديدة من التصعيد المتبادل، وذهبت أبعد من ذلك باستهدافها للمدمرة الأمريكية "هاري ترومان" في البحر الأحمر، ما يعكس رغبتها في توجيه رسالة مزدوجة إلى واشنطن وتل أبيب، مفادها أن الضغوط العسكرية لن تكون كافية لردعها، وأنها لا تزال تحتفظ بزمام المبادرة.
وتأتي عودة الحوثيين إلى استهداف الملاحة كتحرك محسوب يرتبط بشكل وثيق بتحولات المشهد الإقليمي، لا سيما في ظل تراجع نفوذ "حزب الله" بعد الضربات "الإسرائيلية" المكثفة التي استهدفت قياداته ومنظومته العسكرية، والانهيارات المتتالية في سوريا عقب سقوط نظام "بشار الأسد". وقد دفعت هذه التغيرات الحوثيين لمحاولة إثبات أنهم قادرون على ملء جزء من الفراغ الاستراتيجي الناجم عن تحجيم القوى المتحالفة معهم، من خلال مواصلة أنشطتهم في البحر الأحمر وباب المندب.
من جهة أخرى، يبدو أن واشنطن، رغم ضرباتها المكثفة، لا تزال حريصة على إبقاء التصعيد في إطار الضغط العسكري المدروس دون الانزلاق لمواجهة مباشرة واسعة. فاستهدافها لمراكز القيادة والسيطرة الحوثية، رغم أهميته، لم يخرج عن نطاق العمليات التحذيرية التي تهدف لتقليص قدرات الجماعة دون استدعاء ردود فعل تتجاوز السيطرة. لكن الهجوم الأخير على المدمرة الأمريكية يضع واشنطن أمام خيارات أكثر تعقيدًا؛ فإما أن تتبنى سياسة ردع أكثر شدة عبر توسيع عملياتها العسكرية، أو أن تعود إلى سياسة الاحتواء الدبلوماسي خشية الدخول في مستنقع استنزاف طويل الأمد.
ويبدو أن المسار الأكثر ترجيحًا هو استمرار نهج الضربات المتبادلة على المدى القريب، في ظل غياب أي مؤشرات على إمكانية احتواء المواجهة سريعًا، خصوصًا بعد استئناف الاحتلال الهجمات على غزة. ومع ذلك، فإن طبيعة الأهداف ونوعية الردود في الأيام المقبلة ستكون العامل الحاسم في تحديد إذا كانت هذه المواجهة ستظل في إطار الاستنزاف المتبادل، أم إنها ستتجه نحو تصعيد استراتيجي، قد يفرض على الأطراف الإقليمية والدولية إعادة ترتيب حساباتها تجاه اليمن والتوازن السائد فيه محليًا منذ سنوات.