المصدر: المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية
الكاتب: ألينورا آرديماغني
ترجمة: مركز صدارة للمعلومات والاستشارات
الرابط: لقراءة وتحميل الترجمة / اضغط هنا
لقد تغيّر السيناريو الجيوستراتيجي حول الأنظمة الملكية الخليجية بشكل لافت، وهو ما انعكس في تحوّل المقاربات الأمريكية والصينية نحو القواعد العسكرية في المنطقة. وفي هذا الإطار، افتُتح موسم أمني جديد في الخليج: بالنسبة للأنظمة الملكية، فإن السعي وراء تحقيق القدرات الذاتية في مجال الدفاع يعتبر، وسيظل، الأولوية الاستراتيجية بالنسبة لها.
من جانبها، تعمل الولايات المتحدة على تقليص وجودها العسكري، من خلال سحب جزء من أصولها الدفاعية الجوية (من السعودية والكويت والعراق والأردن)، وإغلاق بعض القواعد تمامًا (في قطر)، في حين "فكّرت الصين على الأرجح في مواقع لمنشآت بحرية"، كما كتب "البنتاغون" في تقرير عام 2020: "ربما يكون الصينيون وضعوا أنظارهم على الإمارات".
ومع احتدام المنافسة بين واشنطن وبكين، تسير الرياض والأنظمة الملكية المجاورة على حبل مشدود؛ فهي بحاجة إلى علاقة خاصة مع الولايات المتحدة وإلى توسيع التعاون مع الصين، لتحقيق التوازن بين الأمن والازدهار في عصر ما بعد تنوع النفط.
لهذا السبب، تراهن دول الخليج على شراكات موازية مع واشنطن وبكين، أملًا في تجاوز التداعيات الإقليمية لهذا التنافس. وتدرك الأنظمة الملكية أن توفير الأمن الخارجي الأمريكي قد تضاءل بشدة مقارنةً بالماضي. ومع ذلك، فإنهم يدركون أن بكين ليست البديل عن الولايات المتحدة، رغم طموحاتها الجيوسياسية المتنامية في جميع أنحاء العالم.
على صعيد آخر، وانطلاقًا من العراق واليمن، تصعّد الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران تهديداتها للحركة الجوية والبحرية حول شبه الجزيرة العربية. وبينما يحدث هذا، تعيد الولايات المتحدة والصين تشكيل مواقفهما الأمنية عبر الخليج والمياه المجاورة؛ فمن ناحية، بدأت واشنطن تدريجيًا الانفصال عن استراتيجية القواعد طويلة الأمد (القائمة على القواعد والمنشآت العسكرية)، للتركيز على مواجهة بكين في أماكن أخرى. بالمقابل، تعمل الصين على زيادة تواجدها البحري في الخارج، أيضًا من خلال قواعد دائمة، مع التركيز في الأغلب على الممرات المائية في شبه الجزيرة العربية ونقاط الاختناق.
حضور "مرن" للولايات المتحدة وشبكتها الأساسية في الخليج
كما لاحظ بعض المحللين الأمريكيين، تم تصميم البنية الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الخليج، بشكل أساسي لمواجهة التهديدات من الدول. أما اليوم فإن الممالك الخليجية والمصالح الأمريكية في الخليج مهددة بشكل أساسي من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية، التي ترتبط في الغالب بإيران، أو جزء من المجموعات الجهادية بما فيها "القاعدة" و"تنظيم الدولة الإسلامية"، حيث يمكن للجماعات المسلحة المرتبطة بإيران التنسيق مع بعضها البعض لتنفيذ عمليات هجومية في المنطقة.
وفي أوقات هجمات الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار، يمكن لعدد كبير من المواقع العسكرية الأمريكية في الخليج أن يساهم في الردع، لكنهم يخاطرون أيضًا بالتحوّل لـ"أهداف سهلة" لهجمات غير متكافئة؛ ففي تموز/ يوليو 2021، أغلقت الولايات المتحدة بعض المنشآت في قطر (السيلية الرئيسية، السيلية الجنوبية، ونقطة إمداد الذخيرة "فالكو")، ونقلت الإمدادات المتبقية إلى الأردن. وكان الهدف المنطقي وراء ذلك هو تجنب تهديدات الهجمات الجوية من الجماعات المدعومة من إيران في الخليج.
وعلى نطاق أوسع، تعيد الولايات المتحدة النظر في وجودها الأمني التقليدي في الخليج، لكنها تحاول في الوقت نفسه طمأنة السعودية بشأن التزامها الأمني الدائم تجاه المنطقة، حيث كانت هذه هي الرسالة التي وجهتها لنائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، (شقيق محمد بن سلمان)، الذي زار واشنطن بداية تموز/ يوليو. وقد وقّعت القيادة المركزية الأمريكية "CENTCOM" اتفاقية مبدئية مع السعودية في كانون الثاني/ يناير 2021، لاستخدام القواعد الجوية والموانئ غرب المملكة (ينبع، تبوك، الطائف)، لمواجهة هجمات إيران غير المتكافئة وأنشطة حلفائها المزعزعة للاستقرار، مثل "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن. وهذا يسلط الضوء على مقاربة "الشبكة اللوجيستية المرنة" الناشئة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بناءً على اتفاقيات التحليق والوصول المسبق إلى الموانئ بدلًا من القواعد البحرية الجديدة الدائمة.
إضافةً إلى ذلك، فإن إعادة هيكلة الوجود العسكري الأمريكي في الخليج تشمل أيضًا الدفاع الجوي؛ فمنذ حزيران/ يونيو 2021، بدأت الولايات المتحدة تقليص الأنظمة المضادة للصواريخ، التي نشرتها في أعقاب الهجمات المفاجئة ضد شركة "أرامكو" السعودية في أيلول/ سبتمبر 2019. تضمن ذلك سحب ثماني بطاريات "باتريوت" مضادة للصواريخ من السعودية والعراق والكويت والأردن. كما سيتم سحب نظام "ثاد" (منظومة الدفاع الجو للارتفاعات العالية) من السعودية، كما سيتم تقليص أسراب المقاتلات النفاثة.
تنافس متزايد بين الولايات المتحدة والصين على الممرات المائية في الخليج وشبه الجزيرة العربية
هناك شيء واحد مؤكد، هو أن تصور دول الخليج للتهديدات الحالية لا يتداخل مع تصوّر واشنطن، على الأقل في نقطة واحدة هي الصين. فمن جهتها، حدّدت الولايات المتحدة مؤخرًا الأولويات الأمنية في الشرق الأوسط؛ حيث ناقش قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، الخطوط الثلاثة لجهود القيادة المركزية، خلال بيان الموقف أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في نيسان/ أبريل 2021. وهنا يعتبر الاتجاه الاستراتيجي الأمريكي واضح؛ أولًا: ردع إيران ووكلائها، ثانيًا: مواجهة التنظيمات المتطرفة العنيفة مثل "القاعدة" و"الدولة الإسلامية"، ثالثًا: المنافسة الاستراتيجية ضد الصين ومواجهة روسيا.
كما شدد "ماكنزي" بشكل خاص على "هدف الصين طويل المدى المتمثل في توسيع وجودها العسكري لتأمين الطرق الحيوية للطاقة والتجارة"، نظرًا لاعتماد بكين الكبير على نفط الخليج. ولا يزال محتوى اتفاقية التعاون الصيني الإيراني، التي تصل مدتها إلى 25 عامًا والموقعة في آذار/ مارس 2021 غامضًا، حيث تضع تلك الشراكة إيران ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية "BRI"، مع تداعيات محتملة على البنى التحتية البحرية والوصول إلى الموانئ. وعلى الجانب الأمني، يمكن أن يشمل ذلك، وإن لم يكن بالضرورة، تدريبات بحرية مشتركة؛ (في كانون الأول/ ديسمبر 2019 أجريت بالفعل مناورات بحرية إيرانية صينية روسية في خليج عمان)، ومنشآت عسكرية أيضًا.
ومع ذلك، فإن وجود منشأة عسكرية صينية افتراضية في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، أو بدرجة أقل صفقة بحرية، من شأنه أن يعقد علاقة الأخيرة مع الولايات المتحدة. وحول هذه النقطة، تركز عيون واشنطن الآن على الإمارات، أقرب حليف لها في دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم ذلك، فإن التعاون الصيني-الإماراتي يقوى (مثال "دبلوماسية اللقاح" وتكنولوجيا Huawei 5G). كما إن رحلات النقل الأخيرة، مع هبوط طائرتين من جيش التحرير الشعبي الصيني في مطار الإمارات لتفريغ مواد غير محددة، أثارت المزيد من علامات الاستفهام من قبل أمريكا.
مصلحة دول الخليج في المنافسة الأمريكية الصينية
في ظل مثل هذا السيناريو العالمي المتوتر، يمكن للأنظمة الملكية الخليجية أن تحاول الحفاظ على مصالحها الوطنية فقط من خلال السعي إلى شراكات موازية، مع كل من الولايات المتحدة والصين. ومن خلال هذا النهج، ستعمل الأنظمة الملكية على تحقيق أقصى قدر من الفوائد الأمنية والاقتصادية الناتجة عن هذه التحالفات، مع محاولة تجنب، أو الحد من، الاحتكاكات المباشرة. على سبيل المثال، فإن التعليم العسكري والتدريب ونقل المعرفة التقنية لدول الخليج كلها مجالات لا تزال للولايات المتحدة فيها اليد العليا على الصين، مع قابلية التوافق فيها.
لكن مع تعمق المنافسة الاستراتيجية الأمريكية الصينية، يضيق مجال المناورة للأنظمة الملكية الخليجية؛ فمن وجهة نظرهم، يمكن أن تأمل الرياض وأبو ظبي والبقية أن تجد واشنطن وبكين طرقًا لتعزيز أهداف التعاون على سياسات القوة، بدءًا -على سبيل المثال- من الأمن البحري وحرية الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب.
أما في الخليج وشبه الجزيرة العربية، فيمكن فقط للأهداف التي تحقق مكاسب للجانبين بين الولايات المتحدة والصين، أن تساعد دول الخليج على التخفيف من مخاطر سياسة الشراكة الموازية التي لا مفر منها.