المصدر: أتلانتك كاونسل
ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات
بدلًا من الانحياز إلى جهات فاعلة محددة في ليبيا، يبدو أن تركيا تُركز على النتائج؛ أي ضمان قبول مذكرة التفاهم بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة، والفوز بعقود إعادة الإعمار، والاستفادة من ليبيا كثقل استراتيجي موازن للجهود اليونانية القبرصية الفرنسية لعزل تركيا في شرق المتوسط. فمذكرة التفاهم تُمثل أهم مصالح تركيا في ليبيا؛ فإذا اتفقت الحكومتان في ليبيا على ذلك، سيكون هذا أفضل ضمان لتركيا ضد أي محاولات من خصومها الإقليميين لعزلها وتقويض مصالحها في استكشاف الطاقة.
في الواقع، كانت مذكرة التفاهم هذه حاسمة لتدخل أنقرة العسكري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019؛ إذ لم يحدث ذلك إلا بعد توقيع حكومة الوفاق الوطني آنذاك عليها مقابل مساعدة تركيا العسكرية ضد قوات "حفتر".
وعلى المدى القصير، من المرجح أن تشجع تركيا الفصائل الغربية والشرقية في ليبيا على التوصل لحل وسط، وتشكيل حكومة لتقاسم السلطة، لكن على المدى الأبعد تبدو التوقعات بشأن "الدبيبة" أقل إيجابية بكثير. ففي ظل القرارات التي اتُخذت خلال الأيام الأخيرة، رسّخ "حفتر" سيطرته العائلية على القوات الشرقية، مُظهرًا بوضوح هيمنة عائلته على الأجهزة الأمنية في برقة. بالمقابل، لا يستطيع "الدبيبة" ادعاء نفس المستوى من السيطرة في الغرب؛ حيث ما زال يعتمد على دعم ميليشيات طرابلس، بدلًا من قيادتها. بل الأصح القول إن نفوذه يعتمد في جزء كبير منه على حسن نية الميليشيات، لكن في الغالب بفضل الجيش التركي المتمركز في المنطقة الغربية، وهذا لا يعني بالضرورة تأييدًا شعبيًا أو شرعية قاطعة.
في هذا السياق، وبمجرد أن يُفضي اتفاق تقاسم السلطة المُحتمل إلى وصول "حفتر" وحلفائه إلى طرابلس، يُمكن استخدام قبضته القوية على القوات الشرقية لتأكيد سيطرته على العاصمة أيضًا. وسيعتمد تحقيق هذه السيطرة من خلال التفاوض أو الإكراه على رد فعل الميليشيات في طرابلس ومصراتة، وعلى مصالح الجهات الخارجية الرئيسية، خصوصًا تركيا، في هذا السيناريو المُتطور.
ومن المرجح أن تظل تركيا الطرف الوحيد القادر على وضع حدود حقيقية لطموحات "حفتر"، رغم ذلك، وكما تُظهر التطورات الأخيرة، أبدت أنقرة استعدادها للتفاعل مع الفصائل الشرقية، لا سيما بعد أن بدأ "حفتر" ودائرته المقربة بالتوافق بشكل أوثق مع المصالح الاستراتيجية التركية. وبعد فشل هجومه الخاطف على طرابلس في 2019/ 2020، والذي لم يُصدّه إلا تدخل عسكري تركي حاسم، قد يجد "حفتر" نفسه الآن يدخل العاصمة ليس بالقوة، بل بالدبلوماسية. وفي تحوّلٍ ملحوظ، قد يدخل طرابلس منتصرًا، دون إطلاق رصاصة واحدة، بفضل هذا التقارب غير المتوقع مع أنقرة.