استمرار "اسرائيل" في عدوانها على لبنان يهدد عقوداً من الاستثمار الأمريكي في الجيش اللبناني

الساعة : 16:03
6 نوفمبر 2025
استمرار

المصدر: كرايسِز جروب

ترجمة: صدارة للمعلومات والاستشارات

لقد زاد التوغل البري "الإسرائيلي" في جنوب لبنان من مخاوف اندلاع اشتباك مباشر بين جيشي البلدين، حتى مع استمرار وقف إطلاق النار الهش؛ ففي ساعة مبكرة من صباح الخميس 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دخلت القوات "الإسرائيلية" بلدة بليدا الحدودية وأطلقت النار على مبنى البلدية، ما أسفر عن مقتل مدني بداخله، فيما زعمت لاحقًا أن جنودها واجهوا تهديدًا. وقد أثارت هذه الحادثة موجة من الغضب الشعبي في لبنان، بلغت ذروتها بإصدار الرئيس اللبناني، جوزيف عون، تعليمات للجيش بمواجهة أي توغلات برية "إسرائيلية" مستقبلية بالقوة.

وقد استمرت العمليات العسكرية "الإسرائيلية" جنوب لبنان حتى بعد الهدنة التي أُبرمت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. ورغم أن الهدنة كانت تهدف لإنهاء الحرب الكارثية الأخيرة بين "إسرائيل" و"حزب الله"، لكنها لم تمنع تل أبيب من شن غارات جوية شبه يومية داخل لبنان واحتلال عدة مواقع جنوب البلاد، تحت ذريعة إحباط جهود الحزب التي يهدف من خلالها لإعادة بناء قدراته العسكرية، في انتهاك لبنود وقف إطلاق النار.

بالمقابل، فإن تعليمات "عون" ستُغيّر الوضع الراهن بإنهاء سياسة لبنان في تجنب المواجهة المسلحة المباشرة مع "إسرائيل"؛ حيث لم يتدخل الجيش اللبناني خلال الحرب حتى رغم مقتل عشرات الجنود اللبنانيين في الهجمات "الإسرائيلية". وإن كانت بيروت أوضحت أن لبنان لم يوافق قط على دخول "حزب الله" في حرب مع "إسرائيل"، لكن من الواضح أيضًا أنها أرادت تجنب إرسال أي جنود إلى معركة ضارية ضد الجيش "الإسرائيلي" الأقوى بكثير.

واقعيًا، يضعُ إقدام "إسرائيل" على عمليات مثل العملية الأخيرة القادة اللبنانيين في موقف صعب؛ حيث يواجهون بالفعل انتقادات لفشلهم في منع الهجمات "الإسرائيلية"، ومن أبرز منتقديهم "حزب الله"، الذي يدّعي أن الحكومة تخذل البلاد ويحثّها باستمرار على الرد بقوة أكبر. وليس من الواضح إذا كان "عون" سيفي بوعده بمواجهة أي توغلات مستقبلية أم لا، لكن حتى لو لم يفعل فإن كل توغل يترك بيروت أمام مجال أقل للمناورة لتجنب خيار محفوف بالمخاطر؛ إما إرسال الجيش إلى صراع كارثي أو التراجع وتقويض مصداقيته.

ولن يستفيد أحد من هذا الوضع أكثر من "حزب الله"؛ فرغم موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار (مع التشكيك في مدى اشتراط نزع سلاحه)، يُصرّ الحزب على أن الدولة اللبنانية يجب أن تدافع عن الوطن بفعالية، وأنها تحتاج لدعم عسكري من الحزب للقيام بذلك. وقد تلقى هذه الحجة صدىً أقوى، لا سيما بين مؤيدي الحزب، إذا ابتعد الجيش عن ساحة المعركة في مواجهة الهجمات "الإسرائيلية" أو إذا قاتل وهُزم.

خارجيًا، تُشكّل هذه السيناريوهات حرجًا للولايات المتحدة كذلك؛ فإلى جانب قيادتها للجهود الدولية للحفاظ على وقف إطلاق النار، تعتبر واشنطن حليف "إسرائيل" الرئيسي والراعي الرئيسي للجيش اللبناني في الوقت نفسه. فعلى مدار عقود استثمرت الولايات المتحدة في تعزيز الجيش اللبناني ليكون ثقلًا موازنًا للحزب، لكن (كما أشار المبعوث الأمريكي، توم باراك مؤخرًا) فإن واشنطن "لا تريد تسليحهم ليتمكنوا من قتال إسرائيل"، وإذا لم تضغط إدارة "ترامب" على "إسرائيل" لتقليص عملياتها في لبنان، فقد تشهد قريبًا انهيار أحد هذين الهدفين أو كليهما.