لأكثر من عام ظل المسؤولون الأتراك و"الإسرائيليون" يتنقلون بين عاصمتي بلديهم، ما يشير إلى احتمال إنشاء ممر طاقة يربط حقل غاز ليفياثان البحري بأوروبا. وقد كانت خطط إنشاء مثل هذا الخط موجودة منذ سنوات، إلا أنه تمت إعادة تنشيطها عقب الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث كان الاتحاد الأوروبي يسعى لاستبدال 40% من إمداداته من الغاز التي تأتي من روسيا. لكن رغم أنه سيكون أرخص بكثير من المشروعات المنافسة (مثل خط أنابيب شرق المتوسط)، إلا أن السياسات الإقليمية والطلب غير المتوقع في السوق والبدائل الناشئة كل هذا يجعل من غير المرجح إنشاء خط الأنابيب المدعوم من تركيا. كما إن مدّ خط أنابيب تحت سطح البحر عبر مناطق اقتصادية خاصة للعديد من البلدان لا يزال مشروعًا كبيرًا؛ لذلك وإضافةً للتحديات سالفة الذكر فإن خط الأنابيب "الإسرائيلي" التركي سيكون على الأرجح قد مات تحت الماء، وفيما يلي تفصيل لهذا الإجمال:
أولًا: سيعبر خط الأنابيب المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص، ما يمثل نقطة حساسة لأصحاب المصالح في البحر المتوسط. إضافةً إلى ذلك، فإن الداعم الرئيسي لحكومة القبارصة اليونانيين هي اليونان، والتي لديها طموحاتها الخاصة في أن تصبح دولة عبور للغاز إلى أوروبا، ولا ترغب في رؤية منافستها تركيا تعزز موضعها في هذا المجال. كما إن كلًّا من اليونان وقبرص و"إسرائيل" أعضاء في "منتدى غاز شرق المتوسط" وكثيرًا ما يجرون مناورات عسكرية معًا، لذلك فمن غير المرجح أن تمضي "إسرائيل" في مشروع خط الأنابيب دون دعمهم.
بالمثل، يمكن أن تنشأ قضايا مماثلة مع سوريا التي من المرجح أن يمر بها خط الأنابيب أيضًا عبر منطقتها الاقتصادية الخاصة، ومن المعروف أنه بعد إيران تعتبر "إسرائيل" سوريا واحدة من أكبر أعدائها الإقليميين. بدورها، حاولت تركيا تطبيع العلاقات مع نظام "الأسد"، خصوصًا بعد زلزال شباط/ فبراير الماضي الذي دمر شمال سوريا وجنوب تركيا، لكنها ترجعت عن ذلك بسبب الخلافات حول وضع شمال غرب سوريا وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، إلى جانب أمور أخرى. ومن هنا، فإن محاولة الحصول على موافقة سوريا على إنشاء خط أنابيب عبر منطقتها الاقتصادية الخاصة ستكون محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتركيا، ولن تكون ناجحة بالنسبة لـ"إسرائيل".
أخيرًا، فإن مشروعًا بديلًا يتمثل في ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا "IMEC" (والذي يضم "إسرائيل" دون تركيا) ربما يكون قيد التشكل حاليًا، حيث يتألف المشروع، والذي يعتبر منافسًا كبيرًا، من سكك حديدية وموانئ وكهرباء ووصلات بيانات، وحتى بنى تحتية لإنتاج وشحن الهيدروجين الأخضر. كما يتمتع المشروع بدعم كل من الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي. ورغم أن "إسرائيل" لم توقع على مذكرة التفاهم التي تحدد خطط المشروع، إلا أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أعرب عن دعمه للاتفاق، ما يشير إلى الاهتمام المحتمل ليس فقط بالمشاركة في الممر لكن أيضًا في استخدامه لتعزيز جهود التطبيع مع دول الخليج العربي.
إن تنفيذ مثل هذا المشروع الضخم سالف الذكر سيكون من الصعوبة بمكان، لكن إذا كان سيشمل "إسرائيل" فإنه سيقلل من أهمية إنشاء خط أنابيب مع تركيا. وبالتالي، فإن إنشاء ممر طاقة "إسرائيلي"-تركي إلى أوروبا أمر منطقي على الورق؛ إذ إنه سيلبي حاجة أوروبا لموردي غاز يكونون بديلًا عن روسيا، ويدعم سعي تركيا لأن تصبح مركزًا للطاقة، ويعزز جهود "إسرائيل" لتحسين وتنويع العلاقات في الشرق الأوسط. بالمقابل ورغم ذلك، ونظرًا للقضايا الشائكة مع قبرص وسوريا، ناهيك عن اقتراح مشروع "IMEC"، فمن المحتمل أن تكون تركيا قريبًا المؤيد الوحيد لهذا المشروع.
جيوݒوليتيكال فيتشرز