من المتوقع أن تتواصل تداعيات عرقلة طرق الشحن في البحر الأحمر عالميًا طوال عام 2024؛ فقد استمر ارتفاع تكاليف الشحن، خصوصًا على الطريق بين آسيا وأوروبا، اعتبارًا من أواخر كانون الثاني/ يناير، وسط ضعف المؤشرات على أن الحوثيين سيخففون من تصعيد الهجمات على السفن قبالة سواحل اليمن. ونتيجة لذلك، فإن ارتفاع تكاليف الطاقة والسلع قد يؤدي إلى تحفيز التحركات الشعبوية ويغذي المصاعب الملحوظة في مختلف بلدان أوروبا، وبدرجة أقل في الولايات المتحدة، هذا العام.
بالمقابل، ومن الناحية الاستراتيجية، قد يكون الوضع الحالي في البحر الأحمر مفيدًا لحسابات بعض الدول حول بؤر التوتر الجيوسياسية الأخرى، مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. فقد أظهرت التدخلات العسكرية الأخيرة في المنطقة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن هذه الدول لا تزال تنظر إلى حماية طرق الشحن العالمية كأولوية، ومن الواضح أنها قادرة أيضًا على القيام بذلك. وبالتالي، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تثبيط عزيمة دول أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية عن المغامرات العسكرية، خصوصًا في المجال البحري.
في هذا الإطار أيضًا، لا توجد أي إشارة على أن الشحن في البحر الأحمر سيعود إلى طبيعته قريبًا؛ فقد واصلت شركات الشحن الكبرى تحويل سفنها من المنطقة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عندما بدأ الحوثيون شن هجماتهم على السفن هناك. وقد تمت إعادة توجيه حوالي 20% من البضائع العالمية اعتبارًا من الـ23 من كانون الثاني/ يناير، بناءً على تقارير صحفية دولية. وفي الآونة الأخيرة، قالت شركتا شحن كبيرتين إنهما تجريان مزيدًا من التعديلات على خدماتهما في البحر الأحمر، بما في ذلك التحويلات البحرية الجديدة والاستفادة من الممرات البرية بدلًا من البحرية.
ومن المرجح أن يظل الشحن في البحر الأحمر عرضة للهجمات خلال الأشهر القليلة المقبلة على الأقل؛ فلا يزال الحوثيون عازمين بقوة على استهداف السفن الأجنبية في المنطقة، رغم العمليات الجوية وغيرها من العمليات العسكرية المستمرة ضدهم من قبل الولايات المتحدة وقوات التحالف. من جهة أخرى، يُرجح أن يؤثر انقطاع الشحن تأثيرًا كبيرًا على أوروبا بشكل خاص، بما في ذلك تأخير عمليات التسليم وارتفاع أسعار السلع والطاقة؛ حيث تتجه معظم التجارة في البحر الأحمر إلى أوروبا وتتكون البضائع بشكل أساسي من السلع المنزلية والملابس والإلكترونيات. كما إن أوروبا معرضة لارتفاع أسعار الطاقة لأنها تعتمد بشكل كبير على هذه الواردات، ويشمل ذلك الغاز الطبيعي المسال من قطر، والذي أوقفته الدوحة عن العمل في منتصف كانون الثاني/ يناير، ويمثل ذلك 13% من الغاز الأوروبي، وتشمل قائمة الدول الأوروبية التي تستورد الغاز الطبيعي المسال من قطر كلًا من إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
وبالتالي، فإن ارتفاع التضخم ربما يؤدي إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة في أوروبا، وإن كان من المتوقع أن تكون العواقب المباشرة لذلك محدودة وأن تختلف عن تلك التي خلفتها جائحة "كوفيد-"19؛ ففي ذلك الوقت تزامن عرض الشحن المحدود مع ارتفاع كبير في طلب المستهلكين، وهو ما أدى لارتفاع أسعار الشحن لأعلى بكثير من المستويات الحالية. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تؤدي بعض تأثيرات التضخم إلى تفاقم المشاعر المناهضة للحكومات (المرتفعة بالفعل) والصعوبات الملموسة في أوروبا، خصوصًا في فرنسا وألمانيا واليونان والمجر والمملكة المتحدة.
ومن المرجح أيضًا أن يساهم انقطاع الشحن في زيادة ضغوط التضخم في الولايات المتحدة، ولو بدرجة أقل مما هي عليه في أوروبا، كما يأتي ذلك وسط قيود في قناة بنما التي تعمل بحوالي ثلثي طاقتها. ونتيجة لذلك، فقد ارتفعت تكاليف الشحن للسفن المتجهة إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، ما يوفر لمعارضي الرئيس "بايدن" فرصًا أفضل في حملاتهم الرئاسية؛ خاصة أن الاستياء الشعبي من تعامله مع الاقتصاد منتشر بالفعل.
والخلاصة، إن للوضع في البحر الأحمر تداعيات على بؤر التوتر الجيوسياسية، مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي، وقد أبدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومؤخرًا الاتحاد الأوروبي، استعدادهم لنشر أصول عسكرية لحماية طرق الشحن. وبالتالي، فإن دولًا مثل الصين وكوريا الشمالية اللتين تنويان اتخاذ إجراءات عسكرية أو تخريبية، خصوصًا في المجال البحري، ربما تدفعان تلك الدول لإعادة النظر بقوة في العواقب المحتملة والامتناع عن المغامرات العسكرية.
إس آي إيه إس