تأمل طهران، من خلال دبلوماسية الطائرات بدون طيار، في إحياء العلاقات المجمدة مع الحكومة السودانية عبر مساعدتها في حربها الأهلية المستمرة، أو على الأقل أن تجعل من الصعب على حكومة قوية مناهضة لإيران الوصول للسلطة بعد انتهاء الصراع، وذلك بعد أن قامت بتزويد القوات المسلحة السودانية بطائرات مسيّرة مقاتلة من طراز "مهاجر-6".
بالنسبة لإيران، كان فقدان العلاقات مع الخرطوم بمثابة ضربة استراتيجية كبيرة؛ حيث كان السودان أقرب حليف لطهران في القارة الأفريقية، فيما استخدمت طهران السودان كجزء من طريق تهريب يشمل القرن الأفريقي والبحر الأحمر لتزويد وكلائها في غزة، وعلى رأسهم "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وبالتالي، فإن توثيق العلاقات مع الخرطوم من شأنه أن يساعد طهران على تطويق "إسرائيل" بشكل فعال، وكذلك السعودية ودول مجلس التعاون، بالتعاون مع حكومات صديقة لها وسط التصعيد الإقليمي عقب هجوم "حماس" على "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. كما إن الاتفاق المحتمل لاستخدام موانئ السودان ربما يسهل على إيران إعادة إمداد سفنها البحرية العاملة في البحر الأحمر، والتفوق على منافسيها الخليجيين مثل الإمارات. وبينما تم إبعاد الإسلاميين في السودان إلى حد كبير في أعقاب ثورة 2018-2019، يتهم "حميدتي" "البرهان" بالاعتماد على دعمهم، وقد يدعم العديد من الإسلاميين إقامة علاقات أوثق مع طهران، خاصة وأنهم يتهمون الدول العربية المجاورة بدعم قوات الدعم السريع وعدم القيام بما يكفي لدعم القوات المسلحة السودانية.
في نهاية المطاف، تواجه القوات المسلحة السودانية معركة شاقة لتحقيق النصر في الحرب الأهلية بشكل مباشر، لكن بالنسبة لإيران فإن مجرد توسيع الصراع وتعزيز القوات المسلحة السودانية في المحادثات المحتملة مع قوات الدعم السريع، سيعقّد الجهود الإماراتية لتشكيل حكومة جديدة في السودان تكون مناهضةً للإسلاميين ولإيران.
في هذا الإطار، قد تساعد الطائرات المسيّرة الإيرانية في تعويض مثيلاتها التي يُزعم أن الإمارات ومجموعة "فاغنر" الروسية قامت بتسليمها إلى قوات الدعم السريع، لكن إيران ربما لا تستطيع إرسال عدد كافٍ من تلك الطائرات إلى السودان، نظرًا لتزايد الجهود الأمريكية في البحر الأحمر والمياه المحيطة لاعتراض الشحنات الإيرانية من الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا المتعلقة بها إلى اليمن. وفي الوقت نفسه، فإن الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه إيران يحدّ من قدرتها على تقديم المساعدات الاقتصادية لدعم الاقتصاد السوداني، الذي تعطل بشكل كبير بسبب الحرب الأهلية واختناقات النقل المصاحبة لها.
بالمقابل، تمتلك الإمارات موارد اقتصادية وعسكرية كبيرة تستطيع استخدامها لدعم قوات الدعم السريع على المدى الطويل، الأمر الذي سيضمن على الأرجح أن أي تسوية سياسية بعد الحرب الأهلية ستشمل قوات الدعم السريع وأن قائدها "حميدتي" سيلعب دورًا رئيسيًا في الحكومة. هذا الأمر سيجعل من الصعب على إيران إعادة تأسيس علاقة وثيقة مع السودان في المستقبل كما كانت قبل عقد من الزمن، لكن دعمها للقوات المسلحة السودانية من خلال عمليات تسليم الطائرات بدون طيار قد يزيد من صعوبة فوز قوات الدعم السريع بالقوة، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد الحرب الأهلية ويمنح القوات المسلحة السودانية مزيدًا من النفوذ في المفاوضات اللاحقة. كذلك، فإن المساعدة في إبقاء السودان غير مستقر تجذب انتباه الإمارات، فضلًا عن السعوديين والمصريين، بعيدًا عن المسارح الأخرى الأكثر أهمية لطهران، مثل العراق وسوريا واليمن.
ستراتفور