يعزز بقاء الرئيس التونسي، قيس سعيد، في منصبه لمدة خمس سنوات أخرى النظرة المتشائمة للإصلاحات الاقتصادية، ووضع الاقتصاد الكلي في البلاد على المدى المتوسط؛ حيث يُرجح أن يبقى "سعيد" في السلطة سواءً من خلال انتخابات رئاسية أو عبر تمديد ولايته. ووفقًا للدستور، من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية خلال الربع الأول من العام القادم؛ حيث تنتهي فترة ولاية "سعيد" البالغة خمس سنوات في كانون الأول/ ديسمبر 2024. لكن هناك احتمالًا بعدم إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام؛ إذ لم تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد موعدًا رسميًا للانتخابات، أو حتى مناقشة الاستعدادات لها، بما في ذلك توضيح قانون الانتخابات. وإن كان لا يمكن تأجيل الانتخابات الرئاسية (وفقًا لدستور 2022) إلا في حالة الحرب أو أي خطر وشيك آخر على الدولة، لكن السلطات التشريعية والتنفيذية الواسعة التي يتمتع بها "سعيد" تجعل هذه النتيجة احتمالًا قابلًا للتطبيق.
ويُعتقد أن الاختلاف في وجهات النظر بين "سعيد" ومحافظ البنك المركزي يعزز التكهنات بأن الأخير سيترك منصبه في شباط/ فبراير 2024، مع انتهاء ولايته، ولذلك فينبغي تسليط الضوء على تزايد حالة عدم اليقين بشأن اتجاه السياسة النقدية هذا العام. ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى المخاطرة بزيادة التضخم بما يتجاوز التوقعات البالغة 8.7% خلال عام 2024، ما سيؤدي إلى زيادة أكثر وضوحًا في أسعار الفائدة الأساسية مقارنة بـ100 نقطة أساس المتوقعة حاليًا.
ومع ذلك، فإذا أدى تدخل "سعيد" بقوة في الشؤون الاقتصادية إلى تدهور أسرع في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فإن ذلك سيجعل من الصعب عليه احتواء السخط الاجتماعي. فحتى الآن، يمكن استنتاج أن التونسيين كانوا مترددين في النزول إلى الشوارع احتجاجًا على أوضاعهم الاقتصادي الصعبة، بدافع الخوف من تأجيج عدم الاستقرار وتفاقم مشاكلهم الاقتصادية، في ظل شعورهم المتزايد بالإحباط بسبب التدهور الاقتصادي الذي أعقب انتفاضة عام 2011.
لكن هناك خطرًا كبيرًا من أن تؤدي سياسة "الاعتماد على الذات" التي ينتهجها "سعيد" إلى تدهور إضافي في الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ما سيؤدي لزيادة السخط الاجتماعي؛ ففي ظل استمرار إحجام المانحين الدوليين عن تقديم الدعم لتونس، إضافةً لغياب برنامج صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات، فإن السلطات ستعتمد بشكل متزايد على احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية مدفوعاتها من العملات الأجنبية. وفي حين أن الزيادة القوية في تدفقات التحويلات والسياحة ساعدت الحكومة على سداد مدفوعات ديونها عام 2023، فإن مصادر النقد الأجنبي هذه ستتعرض لضغوط متزايدة طوال هذا العام، بسبب ضعف النشاط الاقتصادي العالمي وزيادة المخاطر الجيوسياسية والأمنية.
على هذا النحو، وحتى لو تمكنت تونس من سداد جميع مدفوعات ديونها عام 2024 مع تجنب الإصلاحات المؤلمة في الوقت نفسه، فإن استنفاد احتياطيات العملات الأجنبية قد يتسبب في ضعف الدينار بشكل حاد وفي تفاقم نقص السلع الأساسية، والذي من المحتمل أن يؤثر على الخبز. إضافةً لذلك، فإن الاعتماد على البنك المركزي لتمويل أجور القطاع العام، سيؤدي إلى ضغوط تضخمية حادة، ما سيؤدي بدوره إلى مزيد من تآكل القوة الشرائية للأسر، وقد يدفع إلى احتجاجات واسعة النطاق قد تؤدي إلى اضطراب اقتصادي أخطر.
فيتش سوليوشنز