لم يعد "محور المقاومة" المرتبط بإيران كافيًا لتلبية تطلعات الحوثيين؛ فقد شرعوا في تأسيس وتسويق "البراند" الخاص بهم؛ فمن خلال فتح جبهة البحر الأحمر أخذوا زمام المبادرة في القضية الفلسطينية ومعاداة أمريكا في المنطقة، وصاروا يخاطبون الآن جمهورًا إسلاميًا أوسع من المحور الذي تقوده إيران. وبالطبع لم يكن من الممكن تحقيق ذلك التقدم في قدراتهم العسكرية لولا الدعم الإيراني، لكن موقفهم الجريء والمستقل قد يصبح مشكلة بالنسبة لإيران.
ومن المحتمل أن يكون الحوثيون قد فهموا أنهم حاليًا الطرف الموالي لإيران الذي يستطيع كسب المزيد (مع قليل من المخاطرة) في سياق حرب غزة؛ فعلى عكس طهران وأذرعها الأخرى، فهم في حالة حرب بالفعل ولا يشاركون السلطة مع آخرين ولا يستفيدون من كونهم جزءًا من المؤسسات المعترف بها دوليًا والاقتصاد الرسمي. علاوةً على ذلك، فإن تمكنهم من الوصول إلى البحر الأحمر وممر باب المندب المائي يسمح لهم بإلحاق الضرر بالاقتصاد "الإسرائيلي" وطرق التجارة العالمية، ما يمثل تحديًا غير متماثل للقوة البحرية الأمريكية في المنطقة.
لكن هذا لا يعني أن الحوثيين أصبحوا أو سيصبحون أكثر اعتمادًا على إيران ومحورها؛ بل على العكس سيعملون على استغلال خطاب ورموز محور المقاومة لتعزيز "صورتهم" الخاصة على المستويين المحلي والإقليمي. إن التحالف بين الحوثيين وإيران، الذي تطور بسبب الحرب في اليمن، مبني على وجهات نظر عالمية مشابهة، ومصالح استراتيجية مشتركة، والأهم من كل ذلك التوافق السياسي. ولا يزال الحوثيون بحاجة إلى أسلحة إيران لدعم القتال طويل الأمد في اليمن (وفي البحر الأحمر)، كما تدرك طهران جيدًا أن الحركة اليمنية المسلحة يمكن أن توفر لها بابًا لا يقدر بثمن على البحر الأحمر.
رغم ذلك، فإن الصعود السريع لـ"البراند" الحوثي يمكن أن يكون سيفًا ذا حدّين بالنسبة لإيران؛ فقد أصبح الحوثيون الآن أقوى من أي وقت مضى، كما إن أفعالهم تكتسب شعبية لدى الجمهور اليمني وجماهير الشرق الأوسط، ومع ذلك فإنها تحافظ على استقلالها في اتخاذ القرار. وبالتالي، فإن الحرب بين "إسرائيل" و"حماس" تمثل نقطة تحول بالنسبة للحوثيين؛ إذ إن سعي الحركة الآن لتسويق "البراند" الخاص بها قد يؤدي في مرحلة معينة إلى خلافات مع طهران. فمع استمرار الحوثيين في تعطيل التجارة البحرية رغم انطلاق عملية "حارس الرخاء" بقيادة الولايات المتحدة والغارات الأمريكية البريطانية، قد تقدِم واشنطن في نهاية المطاف على الانتقام على الأراضي الإيرانية، وهو ما تسعى كل من إيران والولايات المتحدة إلى تجنبه. ودون التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، قد يلجأ الحوثيون إلى مزيد من التصعيد ضد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وفي المنطقة. بالمقابل، فإن واشنطن، التي يبدو أنها لا تزال تبالغ في تقدير حجم النفوذ الإيراني على قرارات الحوثيين، قد ترغب في الرد عبر مهاجمة أهداف داخل الأراضي الإيرانية في ظل تقلص خيارات الردع، وهذا السيناريو سيختبر حدود التحالف الحوثي الإيراني.
آي إس ݒي آي