الحدث
قررت الحكومة اللبنانية بعد جلستين منفصلتين تكليف الجيش اللبناني وضع "خطة تنفيذية" لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الجهات الرسمية، وعرضها على الحكومة قبل 31 من شهر آب/ أغسطس الجاري لمناقشتها وإقرارها، كما أقرت الحكومة أهداف الورقة الأمريكية التي تقدم بها المبعوث الأمريكي، توم براك، الخاصة باستكمال تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية مع "إسرائيل".
وقد انسحب الوزراء الشيعة من جلستي الحكومة في خطوة اعتراضية على القرار الحكومي، كما خرجت مسيرات في بيروت والجنوب والبقاع احتجاجًا على القرار. بالمقابل، لاقى القرار ترحيبًا من أطراف داخلية على رأسها حزب القوات اللبنانية، ودوليًا بالأخص أمريكيًا، باعتباره خطوة هامة في مسار نزع "سلاح حزب الله"
الرأي
يُعد القرار الحكومي بحصر السلاح بيد الدولة خطوة "غير مسبوقة" منذ اتفاق الطائف الذي سلمت بموجبه الأطراف اللبنانية "المتقاتلة" سلاحها وانخرطت إثر ذلك في العملية السياسية، كما يُشكّل القرار استكمالًا لما أقرته الحكومة في "البيان الوزاري" من تجاوز ما كان يعرف بمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة" إلى حصر السلاح بيد السلطات الرسمية. وبالتالي، فإن القرار من حيث المضمون يعد إعلانًا واضحًا بسحب "الغطاء " أو الشرعية السياسية" عن سلاح "حزب الله"وهو ما يعني الدخول في مرحلة جديدة في لبنان عنوانها العريض عزل واستهداف فكرة "المقاومة" انطلاقًا من اعتبار سلاحها "غير شرعي" وخارج إطار الدولة.
بالمقابل، شكّل موقف "حزب الله" بعدم الاعتراف بالقرار الحكومي واعتباره في حكم "غير الموجود" وتكاتف حركة "أمل" مع الحزب مدعومًا بموقف إيراني متصلب برفض نزع سلاح الحزب، إعادة تموضع وتكتل للطائفة الشيعية على اعتبار أن ملف السلاح بات يشكل نوعًا من ضمانة أمنها ووجودها في ظل التبدلات الإقليمية المتسارعة لاسيما في سوريا، وهو ما يسهم بشكل أكبر في شد عصب الشارع والبيئة الشيعية إزاء التمسك بالسلاح، ويعيد إدخال البلاد بالتالي في حالة انقسام قديم جديد حيال هذا الملف.
بموازاة ذلك، فقد فتح القرار الحكومي وماتلاه من مواقف رافضة ومؤيدة في الداخل وفي الخارج، مروحة من الخيارات والاحتمالات، بدءًا من التصعيد السياسي والحكومي عبر الانسحاب من الحكومة، إلى تصعيد الشارع، وصولًا إلى التوتر الأمني و"الصراع الأهلي الداخلي"، وتوسيع رقعة ونوعية الضربات "الإسرائيلية"، إلا أنه وباستقراء سريع يبدو أن "حزب الله" لا زال يراهن على شراء الوقت وامتصاص الضغوط دون الانجرار إلى صدام داخلي، وإمرار المرحلة بأقل الخسائر الممكنة رغم علمه بأن ملف سلاحه قد وضع على طاولة "البت النهائي"، حيث يبدو واضحًا بأن لا نية حتى الآن بالخروج من الحكومة بل بالتعامل معها بسياسة الخطوة بخطوة ووفق جدول أعمالها، ولا توجه جدي كذلك بالذهاب نحو استخدام الشارع وهو ما تؤشر إليه محدودية الاحتجاجات التي جرت، دون إغفال أنها قد تكون في إطار خطوات متدرجة نحو استنفار وشد عصب البيئة بانتظار اللحظة "الفاصلة".
بالتوازي، ستظل البلاد في حالة من الترقب المشوب بالحذر الشديد، والاستنفار لدى جميع الأطراف في انتظار ما سيكون عليه موقف الجيش نهاية الشهر الجاري، فهل سيعيد الكرة إلى ملعب الحكومة، باشتراطه موقفًا واضحًا يشترط التوافق السياسي لتنفيذ أي خطة أو إجراء، أم أنه سيمضي قدمًا في وضع خطة تنفيذية لنزع السلاح، ويفتح الباب أمام "مواجهة" أو احتكاكات ستكون لها تداعيات خطيرة على السلم الأهلي والمؤسسة العسكرية نفسها؟