استنتاجات الموجز:
- تفنيد "إسرائيلي" "للهدوء المضلل" في الضفة الغربية وخمس قضايا "إسرائيلية" عالقة بدون حل
- الأزمة السياسية تضر بالردع "الإسرائيلي" وسط خيبة أمل "إسرائيلية" من انسحاب غزة
استقبل "الإسرائيليون" شهر نيسان/ أبريل بجملة من الأحداث والتطورات الأمنية والعسكرية، بدأت بالتخوف المتزايد مما بات يوصف بـ"الهدوء الأمني المضلل" الذي تعيشه الضفة الغربية، مع استمرار استهداف المستوطنين والجيش، تزامنًا مع بقاء عدد من القضايا الأمنية والسياسية العالقة دون حل أمام مجلس الوزراء، بسبب الانشغال بالأزمة السياسية المستحكمة، وصولًا إلى قلق متنامي من التأثيرات السلبية لحالة عدم الاستقرار الحكومي على الواقع الأمني للدولة، وانتهاءً بمواصلة الحديث "الإسرائيلي" عن خيبة أملهم مما أسفرت عنه خطة الانفصال من غزة، لأنها أفرزت واقعًا أمنيًا سلبيًا.
فمن جانبها، حذرت أوساط أمنية وعسكرية "إسرائيلية" من تبدد الهدوء الأمني الحاصل في الضفة، لأنه موجود فقط في وسائل الإعلام، وقد تتفجر الهجمات الفلسطينية هناك. وقد حان الوقت لأن يتوقف الجيش عن تجاهل هذا الواقع الأمني، وإلا فإن الجمهور "الإسرائيلي"، مثل قيادته، في غيبوبة عميقة؛ بسبب شعور وهمي بالصمت والهدوء، رغم أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الضفة تغلي والأرض تهتز، لكن جرس الإنذار ليس له صدى بين "الإسرائيليين".
في هذا الإطار، تكشف البيانات الرسمية الصادرة عن المتحدث باسم الجيش حقيقة هجمات إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف في مناطق الضفة؛ حيث وقعت 1500 حادثة رشق حجارة في 2020، وأُلقيت 229 زجاجة حارقة على المستوطنين، ولم يذكر الجيش هجمات مماثلة ضد جنوده. هذا، كما إن عدد العمليات ضد الجيش في 2020 بلغ 3951 عملية رشق بالحجارة، إضافةً إلى 698 زجاجة حارقة، بمعدل 11 عملية رشق بالحجارة وزجاجتين مولوتوف كل يوم. وبحسب جهاز الأمن العام "الشاباك"، فقد شهد عام 2020 تنفيذ 56 عملية مسلحة، قُتل فيها ثلاثة "إسرائيليين" وجُرح 46 آخرون، بينما وصل مجموع الهجمات التي تم إحباطها 40 هجومًا شهريًا، أي أكثر من هجوم واحد في اليوم.
وهذا يؤكد أن الصمت الذي يمر به الجمهور "الإسرائيلي" وهمي، وقد يتحول إلى مجرد صمت مؤقت في حالة إلقاء أي حجر على رأس جندي أو مستوطن، لأن أي زجاجة حارقة قد تحرق مركبة أو منزلًا، وأي محاولة اختطاف قد تتدهور لمواجهة عسكرية شاملة. ويكفي أن نذكر اختطاف وقتل طلاب المدرسة الدينية الثلاثة في غوش عتصيون وحرب الجرف الصامد في غزة 2014.
كل ذلك يتطلب من "الإسرائيليين" أن يفهموا أن أي حادث من هذا القبيل ينطوي على خطر كبير على حياتهم، وأن قدرتهم على عيش حياة روتينية في واقع مشبع بهجمات مسلحة يعود إلى أنشاطة قوات الأمن "الإسرائيلية" ونظيرتها الفلسطينية. وفي هذه الحالة فإن تآكل حكم السلطة الفلسطينية وتراجع دوافع العاملين في أجهزتها الأمنية، تزيد من المخاوف الأمنية "الإسرائيلية" التي تتداول فيما بينها مصطلحات شائعة من قبيل "جز العشب"، وإلا فلن يكون أمام "الإسرائيليين" المزيد من الوقت للاستيقاظ على حقيقة أمنية متفاقمة في الضفة الغربية.
في الوقت ذاته، يعيش الاحتلال حالة من الشلل السياسي بسبب انشغاله في أزمته الحزبية الداخلية المستحكمة، ما يجعل مجلس الوزراء لا يتفرغ لمعالجة عدد من القضايا السياسية والأمنية الملتهبة، في حين أن "الإسرائيليين" يدفعون الثمن. وفي الوقت الذي ينخرط فيه السياسيون "الإسرائيليون" مرة أخرى، في أعمال تشكيل الحكومة المقبلة، ويوجد خلاف بين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، بيني غانتس، فما زالت هناك خمس قضايا ملحة عالقة تتعلق بالسياسة الخارجية والأمنية. وذلك لأن "نتنياهو" لا يعقد اجتماعات للحكومة والمنتديات ذات الصلة، تاركًا قضايا مهمة دون حل، مع اقتراب انعقاد جلسات استماع مقررة لمحاكمته، ما قد يستغرق وقته في حالة مطالبته بالمثول أمامها.
وتتصدر هذه القضايا العالقة على جدول الأعمال الحكومي والأمني دون توفير ردود عليها: تحقيقات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي؛ حيث إن "إسرائيل" مطالبة بأن ترد على رسالة المحكمة حول ارتكابها جرائم حرب في حرب غزة 2014. أما القضية العاجلة الثانية فهي نقل لقاحات "كورونا" إلى دول الخارج، حيث تتباطأ الحكومة منذ عدة أسابيع، مع أنها خطوة سياسية مهمة للغاية.
أما القضية الملحة الثالثة فهي البرنامج النووي الإيراني، ورغم أنه ليس من المفترض أن تتخذ "إسرائيل" قرارات ثقيلة في هذا الشأن، لكنها مطالبة بأن توضح للأمريكيين خطوطها الحمراء، كالرقابة والسيطرة المستمرة. وتكمن المسألة السياسية الرابعة في الانتخابات الفلسطينية، ومدى سماح "إسرائيل" بإجرائها شرق القدس، فيما تبقى الأزمة مع الأردن قضية حرجة خامسة، ويبدو أنها تتصاعد إلى آفاق جديدة، ولا توجد محاولة من جانب مكتب رئيس الوزراء لتهدئة الرياح، ما قد يكلف "إسرائيل" ثمنًا غاليًا.
وقد بدا لافتًا أن فشل النظام السياسي "الإسرائيلي" في تحقيق الاستقرار المطلوب يلقي بظلاله السلبية على النشاط العسكري المنتظم للجيش، فضلًا عن صعوبة التخطيط للمستقبل، وهذا الوضع لا يشير فقط إلى مشكلة "إسرائيلية" داخلية، بل يقوض أمنها القومي ومكانتها الدولية. وأبرز مثال للتأثير السلبي لتكرار الانتخابات على الأمن "الإسرائيلي" هو الافتقار لقرارات الميزانية متوسطة وطويلة الأجل. والنتيجة الفورية لهذا الوضع هي تضرر عملية اتخاذ القرار الأمني "الإسرائيلي"؛ فالمستوى السياسي مشغول بإدارة الأزمات السياسية وتنظيم الحملات الانتخابية، وتضاؤل الوقت المتبقي للمناقشة والعمل بجدية في مواجهة التحديات الأمنية، ما يؤذي الردع "الإسرائيلي" وجعل صورتها متشققة، بسبب عجزها عن تشكيل حكومة مستقرة.
إن الأزمة السياسية المستمرة ترسخ صورة "إسرائيل" كدولة مقسمة قد تنهار تحت الضغط، وهذه الصورة المفضلة في نظر النخبة السياسية المعادية، التي لا تخفي شوقها إلى اليوم الذي تنهار فيه "إسرائيل" بسبب الضغوط الداخلية، ويؤكد الانطباع لديها بأن الدولة اليهودية ظاهرة مؤقتة.
في الوقت ذاته، يعاود "الإسرائيليون" الحديث عن أضرار خطة الانسحاب من غزة في 2005، رغم أنها خطوة استراتيجية مهمة للحفاظ على الطابع اليهودي لـ"إسرائيل"، لكن الكثير من الأخطاء وقعت خلال تنفيذها، ما قد يضر بالردع "الإسرائيلي". وفي النهاية فإن هذه الخطة لم تحقق ردعًا، ووصلت "إسرائيل" إلى نقطة أمام "حماس" فهمت خلالها أن حربًا كبيرة يستحيل الاستفادة منها، فالثمن الذي ستدفعه لا يستحق كل ذلك العناء.
صحيح أن "إسرائيل" أقوى عسكريًا بكثير من "حماس"، لكنها حريصة على عدم الوصول إلى حرب شاملة معها، اعتقادًا منها بقدرة الحركة على إحداث أضرار جسيمة دون كسب شيء من تلك الحرب. وفي كل مواجهة خلال السنوات السبع الماضية منذ آخر حرب في غزة، يحاول الطرفان خوض صراع تحت سقف الحرب والتصعيد.