استنتاجات الموجز:
الدولة تفشل في تمرير التعديلات الدستورية التي أرادتها بالسرعة المحددة وتتفاجأ بحجم الاعتراض والضجة الرافضة لأسلوب الإملاء الذي مورس على النواب لإقرارها
على نحو غير مسبوق، الإدارة الأمريكية تتدخل عبر وسطاء للضغط على الأردن لتوقيع اتفاقية التطبيع مع الاحتلال مع حديث عن وصول تلك الضغوط للنواب مباشرة
مع ختام العام، انشغل الأردنيون بتداعيات المشاجرات البرلمانية التي جاءت بفعل طلب الاستعجال من صاحب القرار بتمرير التعديلات الدستورية، التي تسببت في حالة رفض واصطفاف واستقطاب حاد تحت قبة البرلمان، ما أدى لحالة الشد العصبي. وتواصلت تداعيات الأزمة وسط تفاعلات وأحداث دراماتيكية، تتجه في جزء منها إلى مسارات جهوية وإصدار بيانات من أنصار النواب وأقربائهم وبعض تجمعات عشائرهم.
في الأثناء، تحركت كل المواقع الرسمية ودوائر القرار في محاولة لتوفير ملاذ أو مخرج للأزمة التي تفجرت وتخللها تبادل اتهامات وشتائم. وتبين الحيثيات التي تم رصدها أن الأزمة نتجت بطبيعتها عن الإصرار المؤسساتي على التسريع بعرض التعديلات الدستورية، وإنجازها قبل عطلة نهاية العام، وهو إصرار من جانب الحكومة لم يستطع أحد تفسيره حتى الآن.
ويبدو أن هذه الترتيبات المتسارعة وضعت أعضاء مجلس النواب في صورة المزاج الحاد، وفي حالة قوامها الاتجاه السريع نحو تعديلات دستورية جوهرية وعميقة، بل استثنائية الأهمية، وتتخذ طابعًا تاريخيًا ومفصليًا، لكن بسقف زمني متسارع وقصير وبثلاثة أيام قد لا تكفي لمناقشة التفاصيل، وبسبب عبء السقف الزمني، دخل النواب جلسة الثلاثاء أصلًا وهم في مزاج حاد.
من جهة أخرى، وفي اللحظة التي انتهت فيها تلك الأحداث، بدأت عملية التوسط وإجراء تسويات أملًا في تجنب خيار وسيناريو حل البرلمان، وثانيًا إنجاز المطلوب في العودة لإقرار التعديلات الدستورية. وبالتالي أصبح مجلس النواب الآن في حالة غير مسبوقة قوامها احتقانات جهوية، ما يعني عمليًا أن هذا الجو المشحون قد يشكل خطرًا على إقرار تعديلات دستورية في غاية الأهمية .
بالمقابل، شهد الشارع الأردني مؤشرات على عودة الحراك الشعبي في مدينتين على الأقل؛ حيث تستثمر بيانات حركية في حالة التأزيم والتفخيخ البرلمانية في محافظة المفرق شرق البلاد، وأيضًا في مدينة السلط غرب العاصمة عمّان. وهو نبأ غير سار للسلطات وسط حالة احتقان اقتصادي اكتملت بحالة تفسخ مؤسسي نادرة اعترت المؤسسات، على حد تعبير سياسيين كبار، وقد تجلت في أحداث الثلاثاء الماضي تحت قبة البرلمان. وفي حالة عدم استدراكها واحتوائها بسرعة، قد تؤدي هذه الأحداث إلى انتقال فيروس الاحتقان والتفسخ إلى الشرائح الاجتماعية، وإلى الواجهات الجهوية والمناطقية وربما العشائرية.
بموازاة ذلك، ينتظر الجميع ما ستقرره لجنتا السلوك والقانونية بخصوص ثمان شكاوى قدمها ثلاثة نواب ضد بعضهم البعض، فيما تحاول جميع الأطراف تجنب خيارات العقاب التأديبي بمسألتي التجميد أو شطب العضوية بسبب تعقيدات كثيرة.
في سياق آخر، كشف رئيس كتلة الإسلاميين في البرلمان، صالح العرموطي، عن اتصالات تنطوي على تدخل في الشؤون الخارجية مع نواب في البرلمان، لدفعهم إلى مراجعة موقفهم من اتفاقية التطبيع "الكهرباء مقابل الماء". وأعاد "العرموطي" على الهواء مباشرة تذكير الأردنيين عبر محطة إذاعية محلية بأن 76 ممثلًا برلمانيًا صوتوا ضد تلك الاتفاقية عمليًا، مشيرًا لغياب نحو 25 نائبًا عن جلسة البرلمان المختصة.
في الشأن ذاته، سبق وأن أوضح "العرموطي" أن موقف الشعب ونوابه واضح، وهو بالنتيجة ملزم أخلاقيًا للحكومة، بينما لم يتحدث عن اتصالات أمريكية مباشرة بأعضاء المجلس. لكن النشاط الدبلوماسي الأمريكي وفي واحدة من تجلياته الكثيرة، يعكس الانطباع بأن ميزان القوة تحت قبة برلمان الأردن لا يميل لصالح السردية الحكومية، لكن اللافت أن هناك ضغوطًا على النواب بالنظر لحجم التراجع في المواقف. كما كان لافتًا وسط النخبة الأردنية تعاظم الضغط الأمريكي، حين لوحظ أن ثلاثة مسؤولين كبار في الدبلوماسية الأمريكية بعد الوزير، جون كيري، يضغطون بكثافة لإسعاف وإنقاذ الاتفاقية المثيرة للجدل.
في سياق البانوراما الأردنية الخاصة بأبرز أحداث العام، يمكن الحديث أن المملكة شهدت عام 2021 أحداثًا داخلية لم يعهدها منذ تأسيس الدولة قبل قرن كامل، حيث وضعت المملكة على المحك وكانت بمثابة اختبارات حقيقية لتماسكها، خاصةً مع ما تركته من تداعيات وآثار وردود فعل على الصعيدين المحلي والخارجي. وقد بدأت سلسلة الأحداث بانقطاع الأوكسجين عن مرضى مستشفى السلط الحكومي في آذار/ مارس الماضي، والتي أسفرت عن وفاة عشرة مواطنين، لتبدأ تداعيات الأزمة الأولى بأحداث شغب لذوي المتوفين، دفعت بالملك إلى التدخل وإقالة وزير الصحة، نذير عبيدات. أما نيسان/ أبريل، فكان شهرًا عصيبًا مضى بشق الأنفس؛ إذ جرى الإعلان عن توقيف رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، وأحد أفراد العائلة المالكة ويُدعى "الشريف حسن بن زيد" وآخرين، في قضية ارتبطت بالأخ غير الشقيق لملك الأردن، الأمير حمزة بن الحسين. ووُجّهت آنذاك اتهامات للأمير بالتورط مع “جهات خارجية” في “محاولات لزعزعة أمن البلاد” و”تجييش المواطنين ضد الدولة”، وهو ما نفاه الأمير.
وفي الـ21 من أيار/ مايو الماضي، انقطع التيار الكهربائي بشكل تام في عموم الأردن، وأعلنت شركات توزيع الطاقة أن سبب ذلك يعود إلى عطل في شبكة النقل التابعة لشركة الكهرباء الحكومية. إلا أن "أسامة العجارمة"، أحد أعضاء مجلس النواب، كان له رأي آخر؛ فقد اعتبر في مداخلة له داخل المجلس بأن الانقطاع متعمد لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين، ليطالبه زملاؤه حينها بإثبات صحة ما يقول. واعتبر رئيس مجلس النواب السابق، عبد المنعم العودات، خلال الجلسة، أن “حديث العجارمة يخالف النظام الداخلي؛ لأنه خارج عن مضمون الجلسة”. ليرد "العجارمة" على ذلك بعد أن غادر مكانه قائلًا: “طز (تبا) بمجلس النواب وطز بالنظام الداخلي”، ما دفع زملاء له لتوقيع مذكرة لتحويله إلى لجنة تأديبية، لتصل الأزمة إلى تجميد عضويته.
وترافقت تلك الحادثة مع شغب واسع في مسقط رأسه بمنطقة “ناعور” التابعة للعاصمة عمّان، وحدثت اشتباكات مع قوات الأمن، إلا أن انتشار فيديو مسجل لـ"العجارمة" على مواقع التواصل الاجتماعي، أثناء وجوده بين جمع من أقاربه، توعد خلاله بمهاجمة عاهل البلاد، عجّل في فصله، وتحويله للقضاء.
ومن أبرز الأحداث أيضًا إصدار العاهل الأردني في حزيران/ يونيو قرارًا بتشكيل لجنة خاصة لتحديث المنظومة السياسية، وتعزيز المشاركة الفاعلة عبر تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، وجرى تحويلها للبرلمان من أجل العمل على مناقشتها لإقرارها كقوانين نافذة.
كما تضمنت أحداث العام تطبيعًا متسارعًا في العلاقات مع سوريا، وصلت إلى حد تلقي عاهل الأردن اتصالًا هاتفيًا من رئيس النظام، بشار الأشد، في تشرين الأول/ أكتوبر، في خطوة تأمل من خلالها عمّان في التخفيف من تداعيات أزمة أرهقته أمنيًا واقتصاديًا.
وفي الـ22 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقّع كل من الأردن والإمارات و"إسرائيل" اتفاقية تنص على أن تعمل عمّان على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمصلحة تل أبيب، بينما تعمل الأخيرة على تحلية المياه لمصلحة الأردن الذي يعاني من الجفاف. وقوبل الإعلان الأردني بغضب شعبي واسع ودعوات إلى تظاهرات احتجاجية ضد الاتفاقية.
في سياق نقابي، فشل مجلس نقابة المهندسين، وهي أعرق النقابات الأردنية (يسيطر عليه القوميون والمحسوبون على الدولة)، في تمرير تعديلات على قوانين النقابة وانتخاباتها، تواكب سياسة الدولة الرامية إلى تحجيم الإسلاميين الذين سيطروا على النقابة لعشرات السنين. وتسببت التعديلات التي صوتت عليها الهيئة العامة بالرفض، في وقوع مشادات وتلاسن حاد غير مسبوق بين المنتمين للتيارات الرئيسية المتنافسة على النقابة، ويعود ذلك لكون التعديلات المقترحة حساسة وخطيرة كونها تخص شريحة واسعة من المهندسين.
في شأن منفصل، نفت الملكة "نور الحسين" والدة الأمير "حمزة"، الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، الأنباء المتداولة مؤخرًا حول سفر نجلها إلى خارج البلاد، مؤكدةً أنه ما يزال غير طليق. وتساءلت الملكة في تغريدة نشرتها عبر “تويتر”، عن القصد من “الإشاعات الغريبة” حول سفره وتواجده في كندا، بينما لا يزال الأمير قيد الإقامة الجبرية في منزله.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا