استنتاجات الموجز:
محاولات للمعارضة السورية لتشكيل مرجعية سياسية جامعة وتنظيم صفوفها وإجراء مراجعات وتقييمات لأدائها بهدف إنعاش دورها السياسي بعد موجة التطبيع وشرعنة النظام
مؤشرات على وجود تفاهمات غير معلنة بين "إسرائيل" وأمريكا من جهة وروسيا من جهةٍ أخرى للحد من النفوذ الإيراني في سوريا مقابل إطلاق يد موسكو في العملية السياسية وإبقاء "الأسد" في السلطة
على وقع تطبيع بعض الدول العربية مع النظام السوري والدعوات لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية، والتسليم بشرعية النظام، يبدو المشهد السياسي السوري المعارض شديد الاضطراب والتباين بين تياراته المختلفة، بينما تسعى بعض قوى المعارضة لكسر الاستعصاء السياسي، محاولةً تشكيل مرجعية سياسية جامعة للمعارضة، خاصةً بعدما شعرت أنها أصبحت خارج اللعبة السياسية وأنها الخاسر الأكبر جراء دعم قسم كبير من الدول العربية للنظام.
في هذا الإطار، برزت في الآونة الأخيرة تحركات عدة للمعارضة على أكثر من صعيد، بهدف إنعاش دورها السياسي لكسر حالة الاستعصاء السياسي الحاصل في الملف السوري، وإمكانية تشكيل هيئات سياسية جديدة، بعد فشل وعجز الهيئات الموجودة في تمثيل قوى الثورة والمعارضة بكافة تياراتها.
وفي خطوة لإجراء تقييم ومراجعات للمعارضة ولكسر حالة الجمود في المشهد المعارض، يقوم رئيس الوزراء السوري السابق المنشق عن النظام، رياض حجاب، بحراك لعقد ندوة في قطر خلال شباط/ فبراير المقبل، حيث تم دعوة أكثر من 60 شخصية سورية معارضة من مختلف التيارات للمشاركة في جلساتها. وستتناول الجلسات مسارات الحل السياسي، سواءً في جنيف أو أستانة وما وصلت إليه، كما ستناقش أغلب الملفات السياسية المتعلقة بالعملية التفاوضية. ومن أبرز المشاركين رئيس الائتلاف السوري السابق، معاذ الخطيب، والمعارض البارز، جورج صبرا، إضافةً لرئيس الائتلاف الوطني، سالم المسلط، ورئيس هيئة التفاوض السورية، أنس العبدة، والرئيس المشترك "للجنة الدستورية"، هادي البحرة.
بالمقابل، يعمد "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) للتحضير لعقد مؤتمر "القوى والشخصيات الديمقراطية" السورية، وذلك بعدما انبثقت لجنة تحضيرية لهذا المؤتمر عقب الورش الذي نظمها "مسد" في عواصم ومدن أوروبية عدة. وعقدت اللجنة لقاءً تشاوريًّا بهدف التحضير للمؤتمر ولوضع جدول زمني لإنجاز المؤتمر بعد ستة أشهر من الآن، بعدما تم إنجاز مسودات أولية من الوثائق، وخريطة بالقوى والشخصيات التي من الممكن دعوتها للمؤتمر.
في الأثناء، وجدت المعارضة نفسها أمام خيارات صعبة، خاصةً بعد التصريحات الأخيرة لمبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، الذي رأى أنّ إعداد دستور جديد لسوريا يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في سوريا، وهو ما يؤكد على أنّ موسكو حسمت خيارها بالإبقاء على رئيس النظام، بشار الأسد، في السلطة، كونه الضامن لمصالحها في شرق المتوسط، وهو ما اعتبرته المعارضة انقلابًا على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، استنادًا للقرارات الدولية.
ووجدت المعارضة أنها أمام "حرج سياسي"؛ فالاستمرار في العملية السياسية بعد تصريحات المسؤول الروسي مضيعة للوقت، لكن لا يمكنها الإعلان عن انسحابها من العملية السياسية، كي لا تُتهم بعرقلة المسار التفاوضي أمام داعمين إقليميين، إلّا أنّ المتحدث باسم "هيئة التفاوض" عن المعارضة، إبراهيم جباوي، أعلن انسحابه من عضوية "اللجنة الدستورية" احتجاجًا على موقف موسكو.
وفي وقت الذي التزمت فيه أمريكا الصمت تجاه تصريحات المسؤول الروسي، غضت روسيا بالمقابل الطرف عن قصف "إسرائيلي" ثانٍ خلال شهر لميناء اللاذقية السوري، وهو ما فُسّر على أن وجود تفاهمات بين "إسرائيل" وأمريكا من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، غايتها الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، من خلال القصف الجوي من قبل المقاتلات "الإسرائيلية" على الأهداف الإيرانية جنوب البلاد وغربها ووسطها، مقابل إطلاق يد الروس في العملية السياسية، لفرض رؤيتهم للحل القائمة على إبقاء "الأسد" في السلطة بشتى السبل.
بموازاة ذلك، بذلت روسيا جهودًا كبيرة للتقريب بين النظام والقوى السياسية الكردية بسوريا، إلّا أنّ المؤشرات تشي بأن جهود روسيا وصلت لطريق مسدود بين الطرفين، وهو ما انعكس في التصريحات الروسية حيال هذه المسألة، إذ قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إنه يتعين على الأكراد أنفسهم، لا سيما ذراعهم السياسية المتمثلة بحزب "الاتحاد الديمقراطي" و"مسد"، أن يقرروا نهجهم. وذكّر "لافروف" بأن الأكراد استجدوا حوارًا مع النظام وطالبوا روسيا بمساعدته في إطلاق هذا الحوار، عندما أعلن "ترامب" أنه ينوي سحب القوات الأمريكية من سوريا، لكن اهتمامهم بهذا الحوار اختفى عندما صرّح "البنتاغون" بأن عسكرييه باقون في سوريا. وأضاف "لافروف": "في هذه المسألة، يجب الإدراك بأن الأمريكيين في نهاية المطاف سينسحبون، وهم يواجهون هناك حاليًا مشاكل أكثر (من الفوائد)"، مبديًا قناعته بضرورة أن "يتخذ الأكراد موقفًا مبدئيًا".
وكانت "إلهام أحمد" قد استبقت تصريحات "لافروف" بتصريحات تنم عن عدم إيمان الأكراد بتحقيق الحوار مع نظام دمشق نتائج جدية، إذ قالت إن هذا الحوار لا يعني شرعنة "حكومة النظام"، مُشيرةً إلى عدم تحقيق أي تقدم في الحوار. ورغم إشارة المسؤولة الكردية إلى المحاولات الروسية للوساطة، إلا أنها اعتبرت أن مسألة نجاح الحوار "لا تزال غير واضحة، ويكتنفها الكثير من الغموض بسبب تعنت النظام الذي يعتبر نفسه منتصرًا وينظر إلى نفسه من منطلق قوة."
في غضون ذلك، ورغم التسويات التي أجراها النظام مع أهالي محافظة درعا، إلّا أنّ الفوضى لا تزال السمة البارزة في المحافظة، مع تواصل استهداف شخصيات معروفة، خصوصًا تلك التي كانت في صفوف المعارضة، ما يؤكد استمرار النظام في نهجه الانتقامي من معارضيه. وفي هذا السياق، قُتل عضو "لجنة درعا المركزية"، إياد بكر، جرّاء تفجير عبوة ناسفة زرعها مجهولون أمام منزله في بلدة المزيريب غربي درعا، كما قُتل "علاء اللباد"، قائد مجموعة مسلحة تعمل لصالح الأجهزة الأمنية في بلدة الصنمين.
على صعيد ميداني آخر، بدأت "الفرقة الرابعة" بسحب مجموعات لها من مدن وبلدات في غوطة دمشق الشرقية بإشراف الشرطة العسكرية الروسية، حيث سحبت الفرقة حواجزها المتمركزة في مدينة عربين. وجاءت عملية الانسحاب بعد اتفاق عُقد بين "الفرقة" وجهاز الأمن العسكري، نصّ على سحب عناصر "الفرقة" من المدينة، وتسليمها لمجموعة عسكرية تابعة لهذا الجهاز.
أما شرق البلاد، فقد عادت "لجنة التسوية" في محافظة دير الزور مرة أخرى إلى مدينة الميادين جنوب شرقي مدينة دير الزور لاستكمال عملها، زاعمةً أن العودة سببها الإقبال على هذه اللجنة. وتشمل التسوية المدنيين المطلوبين لأجهزة النظام الأمنية، والعسكريين المنشقين عن قوات النظام والمتخلفين عن أداء الخدمة في هذه القوات. لكن مصادر محلية تؤكد أن هذه التسويات "إعلامية"، كون المناطق التي شملتها هي أساسًا تحت سيطرة النظام والمجموعات الإيرانية، بحيث "لم يبق في مناطق النظام مطلوبون للأجهزة الأمنية أو منشقون عن قواته".
في خضم ذلك، استمر التوتر بين "مجلس منبج العسكري" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، شمال شرقي محافظة حلب، من جهة وبين فصائل "الجيش الوطني" المعارض من جهة أخرى؛ حيث اندلعت اشتباكات بين الطرفين في محيط القاعدة التركية بمنطقة الشيخ ناصر شمال غربي ناحية منبج، بعدما رصدت حراسة النقطة محاولة تسلل من عناصر "قسد"، ما أدى لتكبدهم خسائر بشرية، ما أجبرهم على التراجع.
في شأنٍ منفصل، عاود الطيران "الحربي الإسرائيلي" قصفه لساحة الحاويات في الميناء التجاري بمدينة اللاذقية، وذلك للمرة الثانية خلال الشهر الجاري؛ حيث طال القصف الميناء القريب من "قاعدة حميميم" الروسية، ما أدى لاشتعال الحرائق في المكان وحدوث أضرار مادية كبيرة، إذ تم تدمير مواد لوجستية تُستخدم في المجال العسكري، مثل المناظير الليلية وأجهزة التنصت والإرسال، ومواد غير منفجرة، مثل البنادق والرشاشات المتوسطة والخفيفة. وكان المكان ذاته تعرّض لقصف من "الطيران الإسرائيلي" استهدف شحنة معدات عسكرية استوردتها المجموعات الإيرانية إلى سوريا.
لقراءة وتحميل الموجز / اضغط هنا