استنتاجات الموجز:
- محاولة روسية لإزالة العقوبات الاقتصادية والسياسيّة عن النظام السوري مقابل مطالبات دولية بضرورة محاسبته على انتهاكه حقوق الإنسان
- حملة التجنيد الروسية شرق سوريا تدل على استمرار التنافس الروسي-الأمريكي في المنطقة لزيادة النفوذ وحماية المصالح
مع اشتداد آثار العقوبات والحصار السياسي والاقتصادي الغربي على النظام السوري وداعميه، تسعى روسيا لإيجاد خرق في القطيعة الإقليمية والدوليّة التي يعيشها النظام، وتحاول مجددًا الالتفات إلى الدول العربيّة ذات الثقل والتأثير الكبير، وهي بحاجة إلى دعم من دول الخليج العربي، التي ما زالت إلى حدٍ كبير تحسب حسابًا للموقف الأمريكي الرافض لعودة النظام إلى جامعة الدول العربيّة. ولتسويق رؤيتها للحل السوري، وبحث العقوبات المفروضة على النظام من واشنطن وحلفائها، أجرى وزير الخارجيّة الروسي، سيرغي لافروف، جولة على دول الخليج، حيث وصل الرياض للقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووزير الخارجية، فيصل بن فرحان، بعد زيارة الإمارات التي التقى فيها بسمؤولين على رأسهم وزير الخارجية، عبد الله بن زايد، الذي دعى لـ"إعادة سوريا إلى محيطها الإقليمي والعربي"، معتبرًا أنّ "التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو "قانون قيصر"، مؤكّدًا على ضرورة فتح حوار مع الإدارة الأمريكية.
وتأتي المحاولة الروسيّة، في وقتٍ تتزايد فيه المطالب الدوليّة بضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في سوريا، فيما أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أن لديها ما يكفي من المعلومات الموثوقة عن تورط أكثر من 120 شخصًا بالنظام في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان. توازيًّا، بدأت كندا التحرك رسميًا لمحاسبة النظام على ارتكابه انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوري منذ عام 2011، وذلك عبر طلبها إجراء مفاوضات رسمية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب لمحاسبة النظام على انتهاكاته التي وصفتها بأنها "لا تحصى".
إلى ذلك، يلاحق ملف الجرائم الكيميائية النظام مع تحوله إلى ورقة بيد الدول الغربية الفاعلة في الشأن السوري للضغط على رئيسه، بشار الأسد، حيث عادت لتحريك الملف بمجلس الأمن، للمطالبة بالكشف عن الجهات المتورّطة في تنفيذ تلك الهجمات ومحاسبة المسؤولين المباشرين. ويبرز هنا الضغط الأمريكي الفرنسي البريطاني المتواصل بمجلس الأمن، إضافةً لجهود فرنسية لتقديم مشروع قرار لمنظمة الأسلحة الكيميائية، يقضي بتعليق أنشطة وامتيازات النظام في المنظمة.
في الأثناء، وبعد فشل الجولة الأخيرة من أعمال "اللجنة الدستوريّة"، يحاول المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، إحياء أعمال "اللجنة" عبر اتصالات وزيارات مكوكيّة قام بها إلى موسكو ودمشق وإسطنبول، لتحديد موعد جديد للجولة المقبلة من المحادثات. ولهذه الغاية، التقى "بيدرسون" رئيس هيئة التفاوض السورية التابعة للمعارضة، أنس العبدة، وعضو الهيئة، بدر جاموس، ولم تخرج عن "بيدرسون" أو أي من أطراف اللجنة، أي تصريحات تشير لتحديد موعد جديد للجولة السادسة.
في شأن منفصل، اتفق وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، مع وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، رمزي مشرفية، على "تعزيز التعاون لعودة جميع اللاجئين السوريين إلى وطنهم بطريقة طوعية آمنة، وتهيئة الظروف التي تسهل هذه العودة، وتشجعهم عليها". واتفق الجانبان على القيام بجهود مشتركة تشجع اللاجئين على العودة، ومطالبة المنظمات الدوليّة بعدم وضع أي عراقيل أمامها.
في غضون ذلك، قام رئيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، نصر الحريري، برفقة وفد من الائتلاف، بزيارة إلى إقليم كردستان العراق، التقى خلالها الرئيس السابق للإقليم ورئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مسعود بارزاني. وناقش الجانبان الأوضاع في سوريا والمنطقة عامةً، والوضع في سوريا ومناطق شرق الفرات على وجه الخصوص، وتطرقا لمسألة الانتهاكات في مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض، إذ أعرب "بارزاني" عن "قلقه حيال الانتهاكات في المناطق المذكورة"، داعيًا إلى "تأمين حقوق جميع مكونات الشعب السوري". يذكر أن زيارة وفد "الائتلاف" إلى كردستان بدأت باجتماع مع المسؤول السياسي للملف السوري في الإقليم، حميد دربندي.
ويبدو أنّ الزيارة أثارت حفيظة "الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشرق سوريا وحزب "الاتحاد الديمقراطي"، لا سيما أنها تأتي في ظل تعقد وجهات النظر حول استئناف الحوار الكردي-الكردي، إذ تدعم حكومة كردستان العراق أحزاب "المجلس الوطني الكردي"، الذي يعد من مكونات "الائتلاف الوطني السوري"، الذي يخوض الحوار مقابل أحزاب "الوحدة الوطنية" الكردية التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي". وقوبلت الزيارة بهجوم واسع عبر وسائل الإعلام الموالية لـ"الإدارة الذاتية"، في حين كانت تصريحات قيادات حزب "الاتحاد الديمقراطي" لاذعة وهجومية حيال الزيارة.
ميدانيًا، دارت مواجهات عنيفة وقصف متبادل بين المعارضة وقوات النظام على محور العنكاوي بريف حماة الشمالي الغربي، بعدما رصدت الأولى محاولات تسلل من قوات النظام، التي تستمر في خرق اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، حيث قصفت بالمدفعية الثقيلة مدن وبلدات بريف إدلب الجنوبي، مستهدفةً منازل المدنيين، ما أسفر عن جرح خمسة مدنيين وإلحاق خسائر مادية.
من جانبٍ آخر، استهدفت سفن حربية روسية راسية في البحر المتوسط، بصواريخ بعيدة المدى، سوقًا ومحاطات بدائية لتكرير النفط الخام وصهاريج المحروقات، في بلدة الحمران بمدينة جرابلس، بريف حلب الشمالي الشرقي، ما أدى لسقوط قتلى وعشرات الجرحى إضافةً لاندلاع حرائق كبيرة في السيارات المحملة بالوقود. كما تعرضت منطقة ترحين بالقرب من مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة التي تتبع للجانب التركي، لقصف صاروخي من قبل قوات النظام استهدف حراقات ترحين لتكرير النفط، ما أدى لنشوب حرائق ومقتل وإصابة مدنيين. بالمقابل، استهدفت القواعد التركية بمدينة الباب براجمات الصواريخ، مصدر إطلاق الصواريخ التي سقطت على حراقات ومخيم ترحين شرقي حلب.
من جهة أخرى، أجرت القوات الروسية في قاعدة حميميم العسكرية جنوبي اللاذقية، تدريبات عسكرية مشتركة بين جنود البحرية وطياري القوات الروسية، على آليات الاستطلاع الراديو ومرافقة الطيران للسفن الحربية. وخلال التدريبات تم فحص عمل قوات الدفاع الجوي، فيما استأنفت الطائرات الحربية الروسية عمليات القصف ضمن البادية السورية بعد غيابها عن الأجواء لنحو 72 ساعة.
في سياق ميداني متصل، وفي ظل التنافس الروسي-الأمريكي شرق سوريا، يبرز لجوء روسيا إلى تجنيد شبان سوريين، مدنيين أو عسكريين من فصائل المعارضة المنخرطة بالمصالحات، وذلك بهدف زيادة حجم تواجدها شرق سوريا مقابل الوجود الأمريكي وحماية مصالحها هناك. في هذا الإطار، جندت الشرطة العسكرية الروسية أكثر من 1650 شابًا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة من مختلف المحافظات، لدفعهم نحو البادية السورية. وتبلغ مدة عقد كل متعاقد ستة أشهر براتب شهري 300 دولار للعنصر و400 دولار لقائد المجموعة، مقابل 20 يومًا متواصلة في حماية الحقل والآبار والمطار، و10 أيام إجازة في الشهر.