استنتاجات الموجز:
- التصعيد العسكري شمال غرب سوريا يدل على تراجع التفاهمات بين الروس والأتراك ما يفتح الشمال السوري على كل الاحتمالات
- مؤشرات على تصاعد الأوضاع والفلتان الأمني بمحافظة درعا إثر محاولات النظام اقتحام بلدة المزاريب
تتعقد الخلافات بين تركيا وروسيا بشأن الأزمة السوريّة، لا سيما فيما يتعلق بأزمة المعابر بين مناطق النظام والمعارضة؛ حيث تحاول روسيا الضغط لحل أزمة النظام الاقتصاديّة عبر المعابر، في ظلّ انسداد الأفق السياسيّة لحل الأزمة، وسط تحشيد عسكري في إدلب، وهو ما يجعل الشمال السوري مفتوحًا على كل الاحتمالات. وتسعى موسكو لمواجهة أزمة النظام الاقتصادية من خلال جلب المساعدات لمناطقه عبر مناطق المعارضة، إضافةً لفتح المعابر لاستئناف الحركة التجارية بين مناطق سيطرة الطرفين. ويحاول الروس الاستفادة من دخول العملة الصعبة نحو مناطق النظام للمساهمة بحل جزء كبير من الأزمة المالية هناك، تحديدًا بعد تعاظم حدة العقوبات الغربية، لا سيما الأمريكية منها بموجب "قانون قيصر".
وهذا ما يفسّر الطلب الروسي الموجّه لتركيا بضرورة إعادة فتح ثلاثة معابر إنسانية وممرات ضمن مناطق "خفض التصعيد" في إدلب ومحيطها، وترويج موسكو لموافقة أنقرة رغم عدم انتهاء المفاوضات حول الملف، خلفية التصعيد الذي لجأت إليه روسيا والنظام، باستهداف مستشفى غربي حلب، ومستودع يحوي مساعدات إنسانية أممية بالقرب من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. من جانبه، افتتح النظام بمشاركة الشرطة العسكرية الروسية، معبر بلدة الترنبة المحاذية لمدينة سراقب، عند تقاطع الطريقين الدوليين "إم-4" و"إم-5"، ومعبر أبو الزندين بالقرب من مدينة الباب شرق حلب.
بدورها، تصاعدت الأصوات المعارضة لفتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام، بعد إعلان روسيا توصلها إلى اتفاق مع تركيا بهذا الشأن، وهو الأمر الذي لم تعلّق عليه أنقرة رسميًا. وشهدت مناطق عدة بريف حلب احتجاجات رافضة لافتتاح المعابر، حيث خرجت وقفة احتجاجية في عفرين، ومظاهرة بمدينة أعزاز بريف حلب، رفعت خلالهما لافتات مثل "لا لفتح المعابر". وتتواصل الدعوات في عموم الشمال السوري لخروج مظاهرات واسعة في إدلب وريف حلب لرفض الاقتراح الروسي، وسط تحذيرات من خطورة هذه الخطوة.
في الأثناء، اشتعلت الأوضاع الميدانية مجددًا على أكثر من جبهة؛ حيث جددت قوات النظام قصفها أهدافًا مدنية في "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب ومحيطها)، ما أوقع قتلى وجرحى، فيما تجددت الاشتباكات على نحو أعنف في محيط بلدة عين عيسى، بين "الجيش الوطني" والجيش التركي من جهة، وقوات "قسد" من جهة أخرى. وجدّدت قوات النظام قصفها بالمدفعية والصواريخ مناطق متفرقة بريف إدلب الجنوبي، كما طال القصف في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، ما أسفر عن أضرار مادية، خارقةً بذلك وقف إطلاق النار. وطالت حملة القصف المدفعي معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، إضافةً لمناطق بريف حلب الغربي بضوء أخضر روسي. بالمقابل، تمكنت فصائل المعارضة خلال عملية نوعية من قتل وجرح عدد من عناصر قوات النظام، إثر استهداف مبنى تتحصن به على محور قرية البريج بجبل الزاوية الجنوبية.
وفي شمال الرقة، عادت الاشتباكات العنيفة لتندلع بين "الجيش الوطني"، المدعو تركيًّا من جهة، و"قسد" من جهة أخرى، وتدخل الطيران المسيّر التركي لمساندة فصائل المعارضة في الاشتباكات، مستهدفًا مواقع متقدمة لـ"قسد" عند محاور بلدة "عين عيسى"، بعد هدوء نسبي استمر لفترة قصيرة، حيث أسفر القصف عن أضرار مادية فقط في مواقع تابعة لـ"قسد".
بموازاة ذلك، ومع حلول الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية في محافظة درعا، تعيش المحافظة أوضاعًا متوترة بين الأهالي وقوات النظام، بعدما شهدت تصعيدًا متبادلًا بينهما، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام، وكان آخره تفجير آلية عسكرية تابعة لفرع أمن الدولة بعبوة ناسفة على طريق المشفى الوطني بمدينة جاسم، أسفر عن مقتل عنصر من قوات النظام وإصابة آخرين، فيما فجرت "الفرقة الرابعة" التابعة للنظام منزلًا في بلدة المزيريب غرب درعا. وينذر هذا التصعيد بما هو أسوأ، بعدما تعرضت "الفرقة الرابعة" في المزاريب لخسائر فادحة إثر هجوم بكمين أدى لمقتل أكثر من 23 عنصرًا وإصابة آخرين، وذلك على إثر محاولاتها اعتقال القيادي السابق في المعارضة، أبو طارق الصبيحي، ومجموعته، ومسلحين من أبناء المنطقة. فيما عزّزت قوات النظام وجودها في محيط بلدة المزيريب، بعدما استقدمت رتلًا ضمّ دبابات ومدرعات إلى البلدة، إضافةً لوضع سواتر ترابية على طريق مزيريب-اليادودة.
توازيًّا، يحاول النظام إعادة السيطرة على حيّ درعا البلد عبر مفاوضات مع أهالي الحري لاستكمال "التسوية"، وقال أمين فرع حزب "البعث" في درعا، حسين الرفاعي، إن الحلّ في درعا البلد "سيكون على الطريقة ذاتها التي حصل فيها بمدينة طفس"، بريف درعا الغربي.
كما تعيش محافظة السويداء حالة من الترقب الحذر، ما يهدد بانفجار الأوضاع الأمنيّة، جراء إمعان النظام في استفزاز الأهالي حيث يواصل، عبر أعضاء حزب "البعث"، مدعومًا من الأجهزة الأمنية، بأنشطة تسوق وجود توجه شعبي مطالب بترشح رئيس النظام، بشار الأسد، للاستحقاق الرئاسي المقبل. بالمقابل، دعا عدد من الناشطين لخروج مظاهرة في مركز المدينة مناهضة للنظام واحتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، إلا أنه عقب تحديد الموعد والمكان تم الإعلان عن تأجيل الدعوة إلى موعد يحدد لاحقًا، دون تحديد الأسباب.
سياسيًا، واصل النظام الترويج للانتخابات الرئاسية، إذ يحاول عقد مؤتمرات وملتقيات لكسب ود العشائر والقبائل السورية، خاصةً العربية، وآخرها ما يقوم به في دير الزور، حيث شهدت "ملتقى للعشائر والقبائل تشارك فيه حشود عشائرية ضخمة، تحت عنوان "الأسد خيارنا"، ومن أبرز القبائل والعشائر المشاركة في الملتقى: العقيدات والبكارة وشمر والبوليل.
في غضون ذلك، بدأت الولايات المتحدة تكشف تدريجيًا عن مزيد من مواقفها تجاه النظام، عقب وصول "إدارة بايدن" للبيت الأبيض؛ حيث أكّدت واشنطن أنها لن تعترف بشرعية الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم "الأسد" عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات.
من جانبٍ آخر، بحث مسؤولون أمريكيون تطورات الملف السوري مع مسؤولين أتراك ومع المعارضة السورية، فيما دعت السفارة الأمريكية في دمشق النظام السوري للإفراج عن المعتقلين تعسفيًا، والكشف عن أماكن وجود المفقودين، وذلك بعد تبني مجلس حقوق الإنسان قرارًا يدين انتهاكات النظام ويطالب بالإفراج عن المعتقلين. وأكّد الطرفان على أهمية دعم مساعي الحل السياسي من أجل إحلال السلام والاستقرار الدائم في سوريا، وضرورة وقف الهجمات ضد المدنيين.