استنتاجات الموجز:
- عرقلة النظام لإقامة مؤتمر "جبهة جود" المعارضة يؤكّد رفضه لأي تجمع معارض بمناطق سيطرته
- تمهيد النظام لاحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسيّة وتلميح روسيا باتفاق جديد حول "اللجنة الدستوريّة" مؤشرات على إمكانيّة بداية حل سياسي للأزمة السوريّة
في خطوة ليست جديدة، يسعى النظام السوري لمنع أي تجمع معارض خاصةً في الداخل وفي مناطق سيطرته، حيث لم يسمح لمجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة، في مقدمتها "هيئة التنسيق الوطنية"، بتنظيم مؤتمر في دمشق للإعلان عن "جبهة وطنية ديمقراطية" (جود)، تدعو لإنهاء الاستبداد الذي جفّف الحياة السياسية في سوريا. ومنعت سلطات النظام عقد المؤتمر التأسيسي لـ"جود" بذريعة "عدم وجود ترخيص"، حيث هدّدت الأجهزة الأمنيّة باعتقال المؤتمرين.
وكان متوقعًا أن يلجأ النظام إلى إجهاض هذه الخطوة، خصوصًا أنّ "هيئة التنسيق" كانت دعت لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، كما أن مسودة الرؤية السياسية للمؤتمر تدعو لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بموجب بيان جنيف والقرارات الدولية، وهو ما يرفضه النظام. وتؤكد الخطوة التي أقدم عليها النظام أنه لن يسمح بعمل سياسي معارض في الداخل لا يتماهى تمامًا مع رؤيته لحلّ الأزمة في البلاد.
ورغم منع النظام إقامة المؤتمر، إلّا أنّ ذلك لم ينه رغبة القوى السياسية المشاركة في "جود" بعقد مؤتمرهم في دمشق، إذ تنشغل اللجنة التحضيرية ببحث تكرار المحاولة من جديد، خاصةً بعد إبداء قوى معارضة داخليّة رغبتهم بالانضمام للجبهة، وهو ما يحتم اتخاذ إجراءات تنظيمية جديدة. وقال عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر "جود"، سليمان الكفيري، إنّ "اللجنة في حالة انعقاد دائم، وخيارات عقد المؤتمر كثيرة ومتعددة، لكن لم يتخذ قرار بعد، حيث يطغى على النقاشات تطور الأحداث وتوسع انتشار جود وردود الأفعال من قبل القوى السياسية التي تدين بالمطلق منع السلطة انعقاد المؤتمر"، مؤكّدًا أنهم وجهوا عدة دعوات للبعثات الدبلوماسية الموجودة في دمشق، مثل السفارات الروسية والصينية والمصرية وغيرها، لحضور افتتاح المؤتمر، إلا أنها لم تؤكد حضورها قبل موعد المؤتمر.
إلى ذلك، يُمهد النظام لاحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها منتصف العام الحالي، بذريعة انتشار "كورونا"، وسط رفض دولي لإجراء الاستحقاق مع استمرار تعطيل العملية السياسيّة، و"اللجنة الدستوريّة". ويحاول النظام وروسيا تحديدًا دراسة ردود الفعل الدولية، لا سيما الغربية والأمريكيّة بشأن إجرائها. وأوضح سفير النظام في موسكو، رياض حداد، أنّ الوضع الوبائي المرتبط بانتشار "كورونا" هو العامل الرئيسي المحدد في العملية الانتخابية المقبلة.
ولعل الموقف الأمريكي الأخير، بإعلان "إدارة بايدن" رفضها رسميًا للانتخابات هو ما جعل وزير الخارجيّة الروسي، سيرغي لافروف، يجدد رفض بلاده للربط بين تنظيم الانتخابات وانتهاء عمل "اللجنة الدستوريّة"، محملًا الغرب وأمريكا مسؤولية التأخير في التوصل إلى تسوية سياسية، ومتهمًا إياهم بتشجيع نزعات انفصالية شرقي الفرات عبر استخدام موارد النفط والقمح السوري. وأوضح "لافروف" أنّ القرار 2254 لا ينص على أنّ الانتخابات الرئاسية لا يمكن إجراؤها إلّا بعد التوافق على الدستور، معتبرًا أنّ استمرار الوضع الحالي يُهدد بانهيار الدولة. ولمح "لافروف" إلى جود اتفاق جديد بخصوص "اللجنة الدستوريّة"، متعهدًا بأن تكون الجولة المقبلة جديدة نوعيًا، وكاشفا أنه "للمرة الأولى هناك اتفاق على أن يعقد رئيسا وفدي الحكومة والمعارضة لقاءً مباشرًا" أثناء الجولة، وأكد أن "بيدرسون" رحب بهذه المبادرة التي ساعدت روسيا على التوصل إليها.
في الأثناء، وفي ظل المأساة الإنسانيّة التي يعيشها بها السوريون، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، القانون رقم (13) لعام 2021 المتضمن قانون الأحوال المدنية الجديد، ليفرض عليهم تجديد البطاقات الشخصية كل 10 سنوات من تاريخ إصدارها، ورفع قيمة الغرامات المالية وعقوبات السجن الخاصة بالمخالفات. وتثير مسألة البطاقات الشخصية وتغييرها الكثير من مخاوف ملايين السوريين الذين إما يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام داخل سوريا أو في بلاد اللجوء، إضافة إلى وجود عشرات آلاف الشبان المستنكفين عن الخدمة العسكرية في مناطق سيطرته، إضافةً لأعداد كبيرة ممن بحقهم إجراءات أمنية بسبب مواقفهم وآرائهم السياسية، حيث لا يستطيعون الوصول لمراكز السجل المدني المسيطر عليها من قبل النظام لإصدار وثائقهم الرسمية.
بموازاة ذلك، أكّدت الأحزاب الكرديّة السورية مضيّها في الحوار الكردي-الكردي حتى نجاحه، وذلك تعقيبًا على تصريحات القائد العام لقوات "قسد" التي أكدت على ضرورة استئناف الحوار الكردي، في وقت يشكك الطرف الآخر في جدية التصريحات الجديدة. وقالت أحزاب "الوحدة الوطنية الكردية" إن لنجاح الحوار "دورًا مهما في تعزيز الاستقرار شمال وشرق سوريا، ويشكل بذلك منطلقًا لحل سياسي لمجمل الأزمة السورية، حيث إن الحوار هو الخطوة الأولى لحوار وطني عام". وأوضحت الأحزاب أنّ الحوار بين أحزاب "الوحدة الوطنيّة الكرديّة" و"المجلس الوطني الكردي" قطع شوطًا واسعًا من التوافقات، وبقي القليل للتوصل إلى اتفاق شامل تتمخض عنه مرجعية كرديّة عليا شاملة تتمتع باستقلالية قرارها السياسي، وتمثل آمال وتطلعات الشعب الكردي وقضيته العادلة في المحافل الوطنية والدولية.
في شأنٍ منفصل، شكل المؤتمر الخامس للمانحين حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" في بروكسل، محطة هامة في سياق الأزمة السورية خلال هذه الفترة، نظرًا لتعقد مسارات الحلّ السياسي حيال الأزمة المستمرة منذ عشرة أعوام. ويعد ملف المساعدات الإنسانيّة أهم ملفات المؤتمر، إذ تعهدت الدول المانحة والمنظمات الدوليّة بتقديم 6.4 مليارات دولار، لدعم السوريين في الداخل وفي الدول المضيفة لهم، وشملت التعهدات 4.4 مليارات دولار للعام الحالي ومليارين للعام 2022.
في غضون ذلك، وبعد ست سنوات على سيطرة المعارضة على إدلب، ما زالت المنطقة تشهد تصعيدًا عسكريًّا من قبل قوات النظام، كان آخرها تكثيف قواته قصفها المدفعي والصاروخي على أكثر من 15 بلدة وقريّة جنوب إدلب، ضمن مناطق "خفض التصعيد". كما شنت الطائرات الحربيّة الروسيّة غارات جويّة استهدفت الأطراف الغربيّة لمدينة إدلب، حيث توقف رتل عسكري للقوات التركيّة في بلدة حزانو، بسبب الغارات الروسيّة.
ورغم تدهور الأوضاع الإنسانيّة ومطالبة روسيا المستمرة بفتح المعابر بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، إلّا أنّ روسيا وقوات النظام قاموا بإغلاق ثلاثة معابر إنسانيّة في إدلب وحلب، متهمين فصائل المعارضة بقصف تلك المعابر.
في خضم ذلك، يحاول النظام تكرار مشهد قضمه لمناطق "التسويات" تحت ذرائع أمنية، بهدف تفريغها من المناهضين له، كمقدمة لإعادة سطوته الأمنية عليها. وتشهد كناكر بريف دمشق الغربي توترًا أمنيًا، بعد اتهام النظام لعناصر من فصائل "التسوية" في البلدة بمحاولة القيام بأعمال أمنية في دمشق، في حين يحاول الروس الضغط على المجتمع المحلي لعدم التصعيد والذهاب باتجاه عقد "تسوية" جديدة مع النظام، الأمر الذي يثير قلق الأهالي من احتمال عودة سطوته عليهم.