استنتاجات الموجز:
- تصاعد الأزمة والمواقف الحادة بين الرؤساء الثلاثة قد يدخل تونس مرحلة استقطاب سياسي جديدة ويعمق الأزمة
- تصاعد الاحتقان السياسي والفلتان الأمني بالجزائر إثر تزايد الحركات الشعبية ومعارضة الأحزاب للانتخابات المبكرة
- التصعيد السياسي بالمغرب دليل على تراجع التفاهمات بين رئاسة الحكومة وباقي الوزراء ما يقود لكافة الاحتمالات مع قرب انتهاء مدة الحكومة
دخلت تونس مرحلة جديدة من الاشتباك السياسي، وبدا واضحًا مدى تصاعد منسوب "العنف السياسي" وانعدام آفاق الانفراج على مستوى الرئاسات الثلاث، وسط قلق شعبي من مآلات التدهور في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. فقد تعطّلت لغة الحوار بين المؤسسات خاصةً بعد سقوط مبادرة "اتحاد الشغل" في طرح حوار وطني يشرف عليه رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، وبعدما تعامل الأخير مع المبادرة بتبنٍ ثم بصمت وعدم تفعيل، متقدمًا بمبادرة جديدة معبرًا عن استعداده للإشراف على " تنظيم الحوار بمشاركة الشباب".
وتعليقًا على التوجه الرئاسي، صرح المتحدث الرسمي باسم "اتحاد الشغل"، سامي الطاهري، أن "الاتحاد" غير معني بالمبادرة الرئاسية، ولم يتم التنسيق معهم، معتبرًا أن "سعيّد" لا يريد حورًا بهدف حل الأزمة، وإنما يريد حوارًا يستفيد منه سياسيًا.
من جهته، رفض رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، منع النواب من إدخال مكبرات الصوت بعدما تحوّل المجلس إلى وسيلة لتصفية الحسابات واستعادة الشعبية لدى الأحزاب، مؤكدًا أن هناك نية للإساءة للعمل السياسي وطغيان الشعبوية في وسائل الإعلام. كما استخدمت نائبة "الحزب الدستوري الحر"، عبير موسى، وعدد من النواب ظاهرة البث المباشر، فيما أكد نواب معارضون أن لائحة سحب الثقة من "الغنوشي" تجاوزت مائة توقيع.
في الأثناء، عطّل عدد من نواب جلسات البرلمان بتغيبهم غير المبرر، ما أثار جدلًا حول أحداث البرلمان الأخيرة حيث يخضع للمناورات السياسية، في حين اختار "الدستوري الحر" التخلي عن مواكبة الجلسة لمناقشة ملفات يطرحها في الشارع، على غرار مطالبته بفتح ملف فرع "اتحاد العلماء المسلمين"، ثم اختار عدم الحضور للحصول على أجوبة من ممثلة الحكومة ووزارتي العدل والداخلية.
هذا، بينما صدّق البرلمان على مبادرات من تعديل قانون المحكمة الدستورية لتجاوز عثرة استكمال انتخاب مجلسها المعطل منذ سبع سنوات، حيث تم تعديل القانون لانتخاب الأعضاء من الثلثين إلى ثلاثة أخماس الأعضاء، على أن "يعاد فتح الترشحات كل ست دورات انتخابية". وحذف "شرط التتابع" لفتح المجال للمجلس القضائي لاختيار أربعة أعضاء ولرئيس الجمهورية لتعيين أربعة، وانتخاب أربعة من البرلمان.
في سياقٍ منفصل، أثارت تصريحات القيادي السابق في "حركة النهضة"، كريم عبدالسلام، جدلًا واسعًا بعدما زعم امتلاكه معلومات عن الجهاز السري للحركة، وأبرز القيادات التي خططت للعملية التي استهدفت مقرًا لـ"حزب التجمع" المنحل، مؤكدًا أنه خطط للعملية بمشاركة قيادات، وأنه كان أحد ''العناصر المُخترقة لـ"حزب التجمع" بأوامر من الحركة. بدوره، أكد القيادي بالحركة، رفيق عبدالسلام، أنها محاولة لتشويش المشهد السياسي، وتحويل مركز الاهتمام من الدفاع عن النظام الديمقراطي في مواجهة القوى الشعبوية والفوضوية إلى اتهام "النهضة".
قضائيًا، نظرت محكمة العدالة الانتقالية في قضايا انتهاكات السجناء السياسين في نظام "بن علي"؛ حيث وجهت تهم التعذيب والإيقاف التعسفي وانتهاك الحق في المحاكمة العادلة، للقيادي الأمني السابق، رشاد جعيدان، ومدير الأمن الرئاسي السابق، عز الدين جنيح. كما نظرت المحكمة في قضية القيادي في حركة "النهضة"، مبروك الزرن، الذي قُتل تحت التعذيب في سجن "9 أبريل" على خلفية انتمائه للحركة.
جزائريًا، لا يتوقف الجدل السياسي حول "المرحلة الانتقالية" التي تطالب بها قوى سياسية معارضة ومكونات في الحراك الشعبي، بينما ترفضها السلطة وقوى سياسية، خاصةً بعد إطلاق السلطة الانتخابات البرلمانية المبكرة. بدوره، صرح رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، أنّ "الجزائر تجاوزت المرحلة الانتقالية"، مضيفًا أنّ "أعداء الجزائر لا يريدون ديمقراطية". كما جددت الأحزاب الإسلامية رفضها الدعوة للمرحلة الانتقالية، مؤكدةً التمسك بتنظيم انتخابات نزيهة.
بالتوازي، جددت أحزاب سياسية تشارك في الانتخابات المبكرة مخاوفها من إمكانية تلاعب السلطة وموظفين حكوميين بنتائجها. كما هددت أكبر الأحزاب الإسلامية بالعودة إلى الحراك الشعبي، في حال وجود تلاعب وتزوير للانتخابات؛ حيث اتهم رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبدالرزاق مقري، قناصلة بالسعي للتدخل في توجيه الانتخابات، وتشكيل قوائم لدعمها، مؤكّدًا أنّ مسؤولين على مستوى الولايات يتدخلون في تشكيل القوائم الانتخابية. وبينما تتضخم لائحة القوائم المرشحة، تتزايد الأحزاب المعارضة للانتخابات؛ إذ انضم إليها حزب من "الكتلة الديمقراطية"، كما أعلن حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، المقاطعة معتبرًا أن "الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية لا تشكل حلًا للأزمة".
أمنيًا، تصدت قوات الأمن بالقوة لتظاهرات للحراك الشعبي إثر محاولة الناشطين تصعيد الموقف، خاصةً مع استمرار السلطة في إجراء الانتخابات، حيث اعتقلت عددًا من الناشطين، واستخدمت القوة المفرطة في تفريق المتظاهرين. توازيًّا، تم الكشف عن "تفكيك خلية إرهابية" كانت تخطط للقيام بتفجيرات في مسيرات الحراك الشعبي بمنطقة القبائل شرق البلاد، حيث تم تحديد هويات الأشخاص وضبط أسلحة حربية وسيارة مفخخة.
في الشأن المغربي، وبعد أن أشرفت مدة رئاسة الحكومة على الانتهاء، تصاعدت وتيرة تجاوز الوزراء لرئيس الحكومة، سعدالدين العثماني، الذي أصدر بدوره إيعازًا رسميًا للوزراء لاحترام رئاسة الحكومة. وذلك بعد أن عمم وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، خطابًا على الوزراء لتفعيل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات دون العودة إلى "العثماني"، إضافةً لقرار وزير الخارجية، ناصر بوريطة، تجميد العلاقات المغربية-الألمانية.
من ناحيةٍ أخرى، ردّ "العثماني" على تقارير "الهيئات الحقوقية والمدنية" بأن الحكومة أعطت أولوية لورشتي الحوكمة ومحاربة الفساد، مؤكدًا على دورها في إرساء قواعد الحوكمة وإصلاح الإدارة في توفير شروط نجاح مختلف الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
بموازاة ذلك، ما زال الحراك الاجتماعي في قطاعات التعليم والصحة متواصلًا رغم أسلوب التشديد الذي تمارسه السلطات العمومية. فبعد تنظيم الممرضين وقفة احتجاجية مطالبين وزارة الصحة بالاستجابة لمطالبهم، أعلن المدرسون عن قرب عودتهم للاحتجاج، مؤازرين بهيئات نقابية وحقوقية وحزبية، بعدما صرح وزير التعليم، سعيد أمزازي، بأنه لا تراجع عن التوظيف الجهوي بالتقاعد، لأنه مكسب استراتيجي للدولة.
عسكريًا، وفي سياق تكثيف مجالات التعاون العسكري بين المغرب وأمريكا، أعلنت واشنطن تدشين البلدين إجراءات مناورات عسكرية في حزيران/ يونيو المقبل، وُصفت بالأضخم على مستوى أفريقيا، حيث يشارك فيها ثمانية آلاف جندي من أفريقيا وأوروبا، فضلًا عن قوات عسكرية في منطقة المحبس والداخلة الحدودية.
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، دعم بلاده للمفاوضات بين المغرب و"جبهة البوليساريو" حول إقليم الصحراء، عقب اجتماع مغلق بينه وبين الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.