استنتاجات الموجز:
- مؤشرات على تقارب وتطبيع العلاقات السياسيّة والدبلوماسيّة بين النظام السوري والسعوديّة بعد زيارة رئيس المخابرات السعودي لدمشق
- روسيا تسعى لترسيخ وجودها شرق المتوسط عبر تفعيل نفوذها العسكري على الساحل السوري وتطويره ببناء قاعدة بحرية بميناء طرطوس
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي حدد النظام موعدها في الـ26 من الشهر الجاري، برزت معطيات ومؤشرات على تقارب وتطبيع للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين النظام والسعودية، من خلال الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات السعودي، خالد الحميدان، إلى دمشق على رأس وفد رفيع، ولقائه برئيس النظام، بشار الأسد، ونائبه للشؤون الأمنية ورئيس المخابرات، علي مملوك. ويُعد هذا اللقاء مؤشر على انفراجه وشيكه بالعلاقات بين البلدين، حيث كشفت مصادر دبلوماسيّة وأمنيّة مطلعة أنّه جرى التوصل لاتفاق على إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، كخطوة أولى لاستعادة العلاقات في المجالات كافّة بين البلدين، موضحةً أنّ الوفد السعودي رحّب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وحضور مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر حال انعقاده.
في ملف الانتخابات الرئاسيّة أيضًا، يُخيم الحديث عنها على المشهد السياسي العام المرتبط بالأزمة السورية، حيث ينظر إليها السوريون، موالين ومعارضين، باستخفاف، كونها تهدف لإعادة التمديد لرئيس النظام لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام. بدورها، أعلنت "المحكمة الدستورية العليا" التابعة للنظام قبول ثلاثة طلبات ترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من أصل 51 طلبًا، ورفض باقي الطلبات لـ"عدم استيفائها الشروط الدستورية والقانونية". وقال رئيس المحكمة، محمد اللحام، إن المحكمة قررت في إعلانها الأولي قبول ترشيح كل من "عبد الله سلوم عبد الله"، و"بشار الأسد"، و"محمود مرعي"، لمنصب رئيس الجمهورية.
من جهتها، استبقت الولايات المتحدة هذه الانتخابات بالتأكيد على لسان مندوبتها لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، أن "ما تُسمى الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام السوري لإجرائها، لن تكون حرة ولا نزيهة، بل مزيفة ولا تمثل الشعب السوري". بدورها، أجمعت المعارضة السورية بمختلف تياراتها وهيئاتها ومجالسها على رفض الانتخابات الرئاسية، معتبرةً أنّه تجاوز لكل قرارات الشرعية الدولية، خاصةً القرار 2254 الذي دعا لتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية تشرف على كتابة دستور، تُجري على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية. ويُعد "الائتلاف الوطني السوري" المعارض خطة لمواجهة الانتخابات عبر إطلاق حملة سياسية وشعبية وإعلامية في الداخل والخارج، والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، تحت شعار "الأسد للمحكمة لا للحكم"، مؤكّدًا أنّ هدف الحملة فضح النظام وكشفه، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القرار الدولي 2254.
بموازاة ذلك، تبقى استحقاقات أخرى محط اهتمام لارتباطها بعملية الانتخابات هذه، لا سيما مسار "اللجنة الدستوريّة" المتعثر منذ انطلاقته، لكون القرار الأممي 2254 حسم مسألة الحلّ السياسي في البلاد، حين تضمن تدرجًا في تطبيق الحلّ، وفي مقدمتها هيئة حكم انتقالي، وكتابة دستور جديد للبلاد، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بموجب الدستور الجديد. وأعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أنّ الانتخابات الرئاسية لا تدخل ضمن العملية السياسية، مؤكدًا أنّ الأمم المتحدة "لا تشارك في هذه الانتخابات، وليس لديها تفويض للقيام بذلك. وناشد "بيدرسون" جميع أعضاء "اللجنة الدستوريّة" احترام المصطلحات الواردة في الاختصاصات، لافتًا إلى الحاجة لضمانات تنفيذ الاختصاصات واستعادة الثقة وإحراز التقدم وفقًا لولاية اللجنة، لإعداد إصلاحات دستورية تحظى بدعم شعبي ووضع مسودة للدستور.
في الأثناء، ولضمان مشاركة أوسع في الانتخابات، أصدر "الأسد" مرسومًا تشريعيًّا "رقم 13" يتضمن العفو عن مرتكبي الجنح والمخالفات وبعض الجنايات، وتتدرج أحكام العفو في عدة مستويات؛ حيث منح عفوًا تامًا عن كامل عقوبة الجنح والمخالفات، عدا ما استثني منها كليًا أو جزئيًا من أحكام المرسوم، وعن كامل العقوبة في بعض الجنايات كجريمة "النيل من هيبة الدولة"، وجرائم "التهريب"، شريطة إجراء التسوية مع إدارة الجمارك، وجرائم "تعاطي المخدرات"، وجرائم "التعامل بغير الليرة السورية"، شريطة تسديد الغرامات المترتبة لمصرف سورية المركزي. وتضمنت أحكام العفو كامل العقوبة لجرائم "الفرار الداخلي والخارجي" من الخدمة في قوات النظام، شريطة أن يسلم الشخص المعني نفسه خلال ثلاثة أشهر بالنسبة للفرار الداخلي، وستة أشهر للفرار الخارجي.
إلى ذلك، يظهر توجس النظام من محافظة السويداء مع اقتراب موعد الانتخابات، ما ينعكس بتحركات جديدة في شكل وآليات وتعاطي النظام مع المحافظة، حيث وجّه بنقل ملف السويداء من إشراف رئيس شعبة الأمن العسكري، كفاح الملحم، إلى رئيس شعبة المخابرات العامة (أمن الدولة)، حسام لوقا، المكلف بالملف الأمني في درعا. ويُحضر "لوقا" لعقد لقاء موسع مع المشايخ والوجهاء الاجتماعيين وعدد من المثقفين والناشطين، حيث من المتوقع أن يعرض خلال الاجتماع خطة أمنية لوقف الفلتان الأمني، خصوصًا حول عمليات الخطف والسلب والاتجار بالمخدرات.
في غضون ذلك، يبدو أن النظام وحليفه الإيراني لا يزالان يسعيان للتخلص من السكان "غير المرغوب فيهم" في الجنوب، وتحديدًا في درعا والقنيطرة، حيث يتطلع النظام الإيراني لبسط نفوذه بشكل كامل على الجنوب، في محاولة لاستخدامه للضغط على "إسرائيل"، خصوصًا بعد تزايد استهدافها مؤخرًا للمجموعات التابعة لإيران. وعاد شبح التهجير ليؤرق أهالي الجنوب، لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها بلدة أم باطنة بريف القنيطرة، حيث يسود التوتر بين قوات النظام والمجتمع المحلي إثر هجوم على حاجز للنظام و"حزب الله" في المنطقة، ما دفع قوات النظام لاستهداف البلدة بالقذائف بذريعة أن الهجوم المسلح انطلق منها، وسط حركة نزوح لأهالي البلدة، وتخوف من اقتحامها من جانب قوات النظام.
في سياقٍ متصل، تواصل التوتر في الجنوب بين قوات النظام والفاعليات المحلية الأهلية والمسلحة، رغم الجهود الروسية لتهدئة الأوضاع، في وقت يتواصل فيه الرفض الشعبي للانتخابات. وهاجم مجهولون من أهالي درعا البلد حاجزًا لمجموعات اللجان التابعة للأمن العسكري في درعا المحطة، بسبب التجاوزات التي يقوم بها عناصر الحاجز بحق الأهالي، حيث قُتل أكثر من أربعة عناصر للأمن العسكري. وكان حيّ درعا البلد شهد خروج العشرات مِن أبنائه في تظاهرة أمام ساحة المسجد العمري، للتضامن مع بلدة أم باطنة بريف محافظة القنيطرة، ورفضًا للانتخابات الرئاسيّة. من جانبها، واصلت قوات النظام تعزيزاتها بمحيط مدينة داعل بريف درعا بإقامة نقاط عسكرية، تزامنًا مع عمليات تمشيط وإطلاق نار بشكل عشوائي تخوفًا من هجمات قد تتعرض لها من مجهولين، الأمر الذي أثار الخوف لدى المدنيين.
في خضم هذه الأحداث، تسعى روسيا لترسيخ وجودها شرق المتوسط، عبر تفعيل وجودها العسكري على الساحل السوري وتطويره. ويتجلى ذلك في مشاريع توسيع القاعدة البحرية في ميناء طرطوس، حيث تعمل وزارة الدفاع الروسية على توسيع القدرات الفنية لقاعدتها البحرية في مرفأ طرطوس، والحصول على رصيف عائم، لمزيد من التسهيل في عمليات إصلاح السفن والغواصات.