استنتاجات الموجز:
- النظام السوري مستمر بإجراء الانتخابات الرئاسية رغم مقاطعة المعارضة الداخلية والخارجية والامتعاض الدولي
- محاولات أمريكيّة لترتيب البيت الداخلي للأكراد لتشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي
- ممارسات "هيئة تحرير الشام" بتنظيم الجانب المدني والأمني والعسكري بإدلب تهدف لفرض نفسها أمام المجتمع الدولي كجزء من معادلة الحل السوري مستقبلًا
يواصل النظام السوري، فور إعلان "المحكمة الدستورية العليا" التابعة له عن القائمة النهائية للمرشحين لرئاسة الجمهورية، في الانتخابات التي سيجريها النظام في الـ26 من الشهر الجاري وفق دستور 2012، والتي ترفضها المعارضة ويعتبرها المجتمع الدولي مزيفة وبلا قيمة سياسية، حشد الطلاب والسكان والموظفين والعمال في مناطق مختلفة للخروج بمسيرات مؤيده للانتخابات ولرئيس النظام، بشار الأسد؛ حيث أجبر الأهالي في حي بابا عمرو في حمص على الخروج بمسيرة مؤيدة له في الساحة الرئيسية، إضافةً لساحات بانياس وتدمر وطرطوس واللاذقية وحلب وحماة.
وتزامنًا مع الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات، بدء المرشحون الثلاثة حملاتهم الانتخابية في المناطق التي يسيطر عليها النظام، في ظل يقين أن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفًا لصالح "الأسد". واختار "الأسد" شعار "الأمل بالعمل" عنوانًا لحملته الانتخابية، بينما اختار المرشح "عبد الله سلوم عبد الله" شعار "قوتنا بوحدتنا"، في حين جاء شعار المرشح "محمود أحمد مرعي" بعنوان "معًا نحو حكومة وحدة وطنية تشاركية".
في السياق، تشير الوقائع إلى أن النظام أصدر توجيهات للمؤسسة الدينية للترويج للانتخابات، وتكريس خطب الجمعة والدروس اليومية التي تُلقى في المساجد، خصوصًا في المدن الكبرى، لحث السوريين على المشاركة وانتخاب "الأسد". كما أصدر "الأسد" قرارات ومراسيم تندرج في سياق محاولاته إضفاء شرعية على هذه الانتخابات، ونصّ مرسوم جديد على تسريح فئات محددة وفقًا لإمكانية الاستغناء عن خدماتهم. وشمل الضباط المحتفظ بهم الملتحقين بالخدمة الاحتياطية، ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية سنتين فأكثر حتى نهاية أيار/ مايو الحالي، والأطباء البشريين الاختصاصيين في إدارة الخدمات الطبية ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية سنتين فأكثر حتى نهاية الشهر الحالي، وصف الضباط والأفراد المحتفظ بهم والملتحقين بالخدمة الاحتياطية ممّن بلغت خدمتهم الاحتياطية الفعلية ليس أقل من سبع سنوات ونصف السنة.
بالمقابل، انطلقت حملات مضادة لتعرية هذه الانتخابات، أبرزها حملة يتجهز "الائتلاف الوطني السوري" المعارض لإطلاقها، وتحمل عنوان "الأسد للمحكمة لا للحكم"، حيث تهدف الحملة "فضح النظام وكشفه، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القرار 2254". كما أعلنت قوى المعارضة الداخلية في سوريا مقاطعتها للانتخابات شكلًا ومضمونًا، غير أنّه من غير المتوقع أن يكون لهذا الموقف أي تبعات، إذ ليس لهذه القوى أي تأثير حقيقي في أي استحقاق وطني، لجهة المنافسة أو حتى إرباك النظام.
خارجيًا، بدأت سفارات وقنصليات النظام تستعد لإجراء الانتخابات في الخارج في الـ20 من الشهر الجاري، ومن المتوقع ألا تشهد المراكز الانتخابية داخل هذه السفارات والقنصليات مشاركة على نطاق واسع، خصوصًا في تركيا والدول الأوروبية وبعض الدول العربية، باستثناء لبنان والإمارات، حيث يوجد موالون للنظام.
في غضون ذلك، عقدت "الجبهة الوطنية الديموقراطية" (جود) مؤتمرها التأسيسي تحت شعار "نحو سوريا دولة مدنية ديموقراطية"، وذلك بمشاركة 17 مكونًا سياسيًا إضافةً إلى "العديد من الشخصيات الوطنية الديموقراطية المستقلة المؤسسة المشاركة". وتم عقد المؤتمر رغم الضغوط على المشاركين في دمشق، وتم انتخاب قيادات وهيئات المؤتمر بحسب النظام الداخلي، إذ أكّد الحضور على متابعة العمل في سياق الحل السياسي وقرارات الشرعية الدولية. وطالب المؤتمر المجتمع الدولي والجهات صاحبة القرار وهيئات ومنظمات المجتمع المدني محلية ودولية، كذلك القوى والأحزاب السورية، بضرورة الضغط على النظام والسعي الحثيث للإفراج عن كافة معتقلي الرأي في معتقلات النظام، وغيرها من المعتقلات أيضًا، وتبيانِ مصير المغيبين والمختفين قسريًا.
بموازاة ذلك، وفي خطوةٍ مفاجئة، قام وفد من الخارجية الأمريكية بزيارة إلى سورية، يتألف من القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية، جوي هود، ونائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكية والممثلة الخاصة بالنيابة لسوريا، إيمي كترونا، ونائب المبعوث الخاص لسوريا، ديفيد براونشتاين، ومديرة مجلس الأمن القومي للعراق وسوريا في البيت الأبيض، زهرة بيل. وتعتبر الزيارة خطوة لافتة من الإدارة الأمريكيّة باتجاه ترتيب البيت الداخلي للأكراد السوريين، للخروج باتفاق لتشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية، وتسهم في ترسيخ الاستقرار في الشمال الشرقي من البلاد. وتهدف الزيارة لإجراء اجتماعات مع كبار المسؤولين في "قوات سورية الديمقراطية" و"مجلس سورية الديمقراطية"، وزعماء العشائر في الرقة ونظرائهم العسكريين من "قسد" والجهات الفاعلة الإنسانية.
في خضم ذلك، شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" شمال شرق سورية نشاطًا أمريكيًّا ملحوظًا، لجهة استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة، ما أثار حفيظة الروس، حيث لم يعد خافيًّا التنافس بين الطرفين في هذه المناطق. ودفعت وزارة الدفاع الأمريكية بمزيد من القوات والآليات العسكرية محمّلة بمعدات عسكرية ومواد لوجستية، إلى قواعد للتحالف الدولي في منطقة شرقي الفرات، دخلت إلى سوريا من إقليم كردستان العراق. بدورها، كرّرت موسكو على لسان نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، ألكسندر كاربوف، أنّ وجود "التحالف الدولي" في سوريا "غير قانوني ومخالف للقانون الدولي"، وهو ما يُظهر الاستياء الروسي المتصاعد من الوجود الأمريكي شمال شرق سورية.
إلى ذلك، تتجه "هيئة تحرير الشام" لمزيد من تنظيم نفسها في مناطق نفوذها شمال غرب سورية، خصوصًا في إدلب ومحيطها؛ فبعد هيكلتها جهازًا أمنيًا بات الأقوى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومحاولة ضبط الجانب المدني والخدمي والاقتصادي عبر "حكومة الإنقاذ" التابعة لها، يأتي الدور على تنظيم الجانب العسكري الأهم بالنسبة لـ"تحرير الشام"، وذلك انطلاقًا من عملية التجنيد وقبول المنتسبين. ودعت "الهيئة" الراغبين للانتساب في جناحها العسكري للتواصل مع قياداتها ومراكز التجنيد، التي انتشرت في ثماني مدن وبلدات في إدلب.
في شأنٍ منفصل، تتزايد الاستهدافات للعربات وبعض الأرتال العسكرية التركية في إدلب، ما يثير التساؤلات حول إمكانية تحرك أنقرة لاتخاذ إجراءات من أجل تفادي وقوع مزيد من الهجمات ضدّ قواتها، حمايةً لجنودها ولتواجدها العسكري في المنطقة. غير أن بقاء تلك الهجمات مجهولة المصدر، قد يصعّب هذه المهمة على تركيا، لجهة التخطيط لها وتحديد الجهة أو الجهات المستهدفة لقواتها في إدلب، ليتمّ التعامل معها على هذا الأساس. بدوره، تطرق وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لاحتمال تعامل أنقرة مع هذه الهجمات بإعلان أن بلاده ستنتقم لجنودها، مؤكدًا أنه يجب على كافة الأطراف الساعية للقضاء على الأمن والاستقرار في إدلب أن تتمتع بالعقلانية.