استنتاجات الموجز:
دخول العشائر ونخب سياسية ونواب على خط الضغط لفتح قناة مع "حماس" يربك صانع القرار ويحرجه أمام علاقاته الإقليمية مع الخليج وواشنطن
غضبة العشائر بوجه الدولة تتدحرج وتُزِيد مساحة الاختلاف وسط إرباك واضح وخشية من استمرار نزيف مكون يعد العمود الفقري لأجهزة الدولة بوجه الخصوم
على نحو مثير وغير مسبوق، باتت الاتصالات التي يتلقاها سياسيون ونواب ونشطاء أردنيون من قادة المقاومة بحركة "حماس"، مثار فخر واعتزاز ومباهاة، مقابل البحث عن صيغة ما للتعامل مع فصائل المقاومة لاحقًا داخل مربع القرار السياسي، دون إغفال أهمية ربط أي علاقة مع "حماس" بخيوط وبوابة السلطة الفلسطينية وحكومتها. في هذا، الإطار، تحدث القيادي في "حماس"، خالد مشعل، الجمعة الماضية، مباشرةً إلى جمهور الأردنيين في مناسبة تضامنية مع المقاومة أقامها الطيار، يوسف الدعجة. كما نقل "مشعل" قبل ذلك تحياته للعشائر الأردنية التي بدأت حراكًا سياسيًا متعدد المناطق تضامنًا مع القضية الفلسطينية والقدس. كذلك، كان رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، يقوم باتصالات أخرى شبه يوميه مع نخب سياسية وأمنية واجتماعية وعشائرية أردنية، بهدف التوصل لصيغة يتم من خلالها التعامل مع الحركة أردنيًا.
لكن اللافت في القراءة السياسية كان مسار الدعوة للانفتاح على "حماس" تحت قبة البرلمان، وفي أوساط العشائر التي تشكل بنية الدولة الأردنية وبنية أجهزتها ومؤسساتها، والتي بدأت رفع الاقتراحات والأصوات التي تطالب بسقف جديد في العلاقة مع فصائل المقاومة. رغم ذلك، ما زال صانع القرار متثاقلًا في كسر حالة التكلس، انتظارًا لما بعد زيارة الملك لواشنطن ولقاء "بايدن" ومعرفة حجم المساحة الممنوحة في هذا الإطار.
من جهة أخرى، خطط الأردنيون وهم يستقبلون وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، لمحاولة التعرف على ماهية النظرة المستقبلية لإدارة "بايدن" من ملف الإصلاح الداخلي بالمملكة ، رغم علمهم أن مهمة الوزير عاجلة وسريعة ومخصصة فقط لتأطير وترسيم وقف دائم لإطلاق النار. لكن عمّان سعت لاستثمار الزيارة جيدًا، حيث وضعت ملفات كثيرة على طاولة الوزير الأمريكي في سباق لاستثمار وقت الزيارة، بعد الغياب الدبلوماسي الأردني عن اتصالات ومشاورات التهدئة ووقف إطلاق النار التي تفردت بها القاهرة، إذ يأمل الأردنيون أن تصبح نقاشاتهم مع "بلينكن"، ليس فقط لتلقي التعليمات بل فرصة أكبر لتنسيق يتميز بالديمومة.
محليًا، دفعت أزمة تجميد عضوية النائب العشائري، أسامة العجارمة، إلى حالة عشائرية رافضة للحكومة دفعت كثيرين للنظر بخوف من مآلاتها حال استمرارها على بنية الدولة، مع ارتفاع سقف المطالب ودخول عشائر أخرى على خط النقد اللاذع لبنية الدولة ونهج النظام. فقد أصبح المطلوب اليوم ليس فقط إعادة النائب الشاب إلى منصبه، لكن حل البرلمان وإقالة الحكومة ووقف كل مظاهر التعامل الأمنية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
كما إن في قراءة الحراك العشائري مضامين جديدة في بنية وثقافة المجتمع؛ ففد رفع الحراك المحتقن سقف الاعتراض ليس بوصفه حزبًا سياسيًا ولا معارضًا خارجيًا، ولا تيارات تعمل على تصدير أزمة للأردن من الخارج، بل الاعتراض يقوم به ويسانده أبناء العشائر، الذين يمثلون بنية الدولة والنظام والمؤسسات والأجهزة على مدار تاريخ المملكة.
بالمقابل، طالب العاهل الأردني، عبد الله الثاني، بتنفيذ عملية الإصلاح في المملكة بأسلوب يلمسه المواطنون، مع الأخذ بآرائهم والاستفادة من أصحاب الخبرات. جاء ذلك خلال لقاء جمعه مع شخصيات سياسية، حيث أكد الملك على أن "عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري لا تحتاج إلى شعارات". تزامنًا كل ذلك، جاء الإعلان عن نتائج الاستطلاع الجديد لمركز الدراسات الاستراتيجية، بأن 57% من الأردنيين لا يثقون بالحكومة و94% من المستطلعة آراؤهم يتصورون أن الفساد مستشرٍ جدًا، فيما يعلن البنك الدولي في تقرير مثير فاجأ الحكومة الأردنية وأربكها، أن نسبة البطالة في قطاعات الشباب وصلت 50%.
على وقع كل ما سبق، يدخل مشهد التطور في ملف قضية "الأمير حمزة" منعرجًا جديدًا؛ حيث حُسم الجدل بخصوص ملف المتهمين البارزين، رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، حيث أحيلا رسميًا لمحكمة أمن الدولة بتهمة المشاركة في مؤامرة لزعزعة أمن واستقرار الأردن. وتعني الخطوة الإجرائية ضمنيًا أن زوايا القرار العميقة حسمت الاتجاه، وقررت المضي قدمًا بهذه المحاكمة المثيرة والتي تنطوي على خلفيات وأسرار سياسية، قد تزيد من حالة الهياج القائمة.
محليًا أيضًا، ووسط حالة التفاعل مع فلسطين، أطلق ناشطون أردنيون حملة إلكترونية تدعو المواطنين لقطع الكهرباء عن المنازل تحت شعار "نزّل القاطع لترفع كرامتك"، كطريقة لرفض اتفاقية الغاز الأردنية الموقعة عام 2016 مع الاحتلال، معتبرةً أن "غاز العدو احتلال" وهي اتفاقية تمد إسرائيل بعشرة مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب الأردنيين.
عربيًا، وصل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى عمّان في سياق القراءة الإماراتية للدخول والتأثير في ملف ما بعد العدوان على غزة. في تفاصيل الزيارة والقراءة السياسة، لا ترغب أبو ظبي أن تبقى منبوذة بعد انتصار المقاومة في الصمود والتأييد العربي الجارف لها، وهو ما أحرج دول التطبيع الخليجي خصوصًا الإمارات، حيث تسربت معلومات عن سعي إماراتي للتكسب من خلال الحديث عن مشاريع مساعدة في إعمار غزة، لكن من بوابة الأردن وربما لاحقًا القاهرة.
على صعيد العلاقة الأردنية "الإسرائيلية"، كشف المحامي الفلسطيني، خالد محاجنة، أن ضباط مخابرات "إسرائيليين"، "تعاملوا بشكل فظيع جدًا" مع المواطنين الأردنييْن الذين اعتقلهما الاحتلال قرب الحدود مع الأردن، مصعب الدعجة وخليفة العنوز. وقال "محاجنة" للصحفيين إن النيابة العامة "الإسرائيلية" أبلغت المحكمة عزمها تقديم لائحة اتهام ضدهما، مشيرًا إلى أن الاحتلال وجه تهمًا كبيرة للأسيرين، ضمن لائحة "الإرهاب"، واتهمهما بالتخطيط لتنفيذ عملية ضد المستوطنين في المسجد الأقصى.
في سياق اعتقال مواز، عاد حراك أهالي المعتقلين الأردنيين في السعودية للنشاط مجددًا، قبل نحو ثلاثة أسابيع على موعد النطق بالحكم عليهم. وأصدرت لجنة متابعة المعتقلين الأردنيين في السعودية بيانًا، قالت فيه: "نترقب بقلق إجراءات المحاكم السعودية بحق أبنائنا المعتقلين، حيث من المنتظر أن تصدر المحكمة الجزائية المختصة في الرياض أحكامها النهائية في الـ21 من هذا الشهر".
اقتصاديًا، أصدرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيفها الائتماني للأردن على المدى الطويل عند "BB-"، مع "نظرة مستقبلية سلبية”. وذكرت الوكالة أن التوقعات السلبية تعكس خطر زيادة تدهور الدين الحكومي، وسط تعافٍ غير مؤكد وسياق اجتماعي صعب في أعقاب جائحة "كورونا".