استنتاجات الموجز:
صمود غزة وانتصار "حماس" حرّك ملفات متكلسة عن مستقبل علاقة الدولة بفاعل رئيسي على الساحة الفلسطينية من بوابة المصالح العليا للبلاد
التحولات في فلسطين وضعف الحضور الأردني فيها ستضغط باتجاه التعجيل بعملية الإصلاح السياسي استباقًا لشارع متأهب للتظاهر بعد رفع إجراءات "كورونا"
في وقت مبكر جدًا، عبر الأردنيون على المستويين النخبوي والشعبي عن انزعاجهم الشديد من غياب تأثير بلادهم في معادلة العدوان على غزة، بينما برزت حالة انصهار غير مسبوقة بين ما يجري في فلسطين عمومًا وبين مختلف عشائر التكوين الأردني "الشرق أردنية". فمن جانبهم، لاحظ الأردنيون طحية التحرك والاهتمام الدولي بالدور الأردني، خصوصًا بعدما كشف قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة مع "الإسرائيليين" عن دور أردني هامشي في تفاصيل الأحداث، والسبب فيه كما قال مراقبون وسياسيون كبار هو القطيعة السياسية والأمنية والدبلوماسية مع أجنحة المقاومة الفلسطينية، خصوصًا حركة "حماس".
في التفاصيل، كان الأردنيون يرقبون أن الرئيس الأمريكي لم يأت على ذكر الأردن، وتحدث عن رغبته في العمل لاحقًا مع مصر وقطر اللتين حظيتا بكل الأضواء. ورغم تعالي الأصوات مبكرًا داخل المملكة التي حاولت دفع الحكومة والقرار السياسي إلى مراجعة سياساتها وتحالفاتها، وكيفية تعاملها مع المعادلة الفلسطينية، إلا أنه بدا واضحًا أن صانع القرار تأثر بشكل كبير في اتجاهات البوصلة الدولية والدبلوماسية وكذا حسابات الإقليم.
وفي ذهن الشارع الأردني اليوم معادلة صعبة أمام الدولة؛ فالأردنيون ينظرون إلى أن صاحب الوصاية على القدس يتلكأ بالدفاع عنها، فيما سبقته صواريخ المقاومة التي أخذت البساط من تحته شعبيًا ليس فقط على الصعيد الأردني بل عربيًا وإسلاميًا، ما يعني أن على صانع القرار في قابل الأيام أن يلتفت للمزاج الشعبي تجاه ملف القدس والقضية الفلسطينية، وأن البنية الاجتماعية الأردنية دخلت إيقاعات جديده لا بد من التعامل معها بعد الآن، على مستوى القرار المركزي في الدولة وانحيازاتها وطريقة تصرفها.
بدوره، اقترح الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي"، مراد العضايلة، مقاربة باتت مطلبًا شعبيًا، تتمثل في أهمية استجابة صانع القرار لنداء المصالح الوطنية العليا للأردن المرتبطة بالمقاومة الفلسطينية. في الشكل يبدو المطلب محرجًا للدولة ذات التشبيك القوي مع واشنطن وتل أبيب، لكنه مطروح بقوة في عمّان هذه الأيام، فيما تبحث الدولة عن صيغة غير محرجة توازن فيها بين مطالب الشارع والعلاقة مع الحلفاء الغربيين.
في سياق متصل، تجلى مشهد العشائر الأردنية وهي تتقدم الحراك معلنةً أن "معركتنا وكرامتنا فقط بالذود عن حياض فلسطين"؛ فبينما حفلت مواقع التواصل بقرار أهل مدينة غزة تشييع الشهيد الأردني، جمعة الطحلة، ابن مدينة معان، الذي استهدفه الجيش "الإسرائيلي" باعتباره ابن القطاع المحاصر، كان الشيخ "خالد العدوان"، أحد قيادات قبيلة العدوان المتمركزة في واجهات الأغوار عمومًا، يقولها في اجتماع أهلي: "من يريد الحفاظ على أرضه وعرضه يقف مع فلسطين"، مشهدان يرويان الكثير في الواقع الاجتماعي والسياسي والجغرافي اليوم.
وبينما يحصل كل ذلك في بنية المجتمع الأردني، تجد المؤسسة الرسمية وبسبب الإيقاعات السياسية الجديدة نفسها ذاهبة لاتصال قامت عليه المنظومة الأمنية مؤخرًا وعبر مدير المخابرات، بالهرم السياسي لحركة "حماس" ولأول مرة، وعلى رأسه "إسماعيل هنية" الذي كان وجه وفي إسطنبول علنًا قبل عدة أسابيع، رسالة قال فيها إنه طامح بزيارة الأهل والأحبة في عمّان.
في سياق العلاقة مع غزة والحضور الأردني الذي يشعر بالفراغ، تواصل العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بنفسه هاتفيًا مع رئيس بعثة المستشفى الميداني العسكري الأردني في غزة، المقدم الطبيب هيثم أربيحات، ودعا لنقل مصابي غزة ممن تتطلب حالاتهم استكمال العلاج إلى مستشفيات المملكة، مؤكدًا على الاستعداد لتوفير سبل الرعاية وأفضل العناية بالمرضى والمصابين هناك. كما هتف نحو 100 ألف أردني خلال العدوان قرب الحدود مع فلسطين، في مهرجان ضخم نظمته جماعة الإخوان، جاء إليه المشاركون من أماكن بعيدة .
في هذا الإطار، بحثت عمّان عن أفضل الصيغ الممكنة لاستثمار زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن،الذي قام بزيارة مكوكية لتنسيق ما بعد وقف العدوان، حيث جدد الأردن الحديث عن أن الحاجة باتت ملحة للعودة لحل الدولتين. وبحسب المعطيات البروتوكولية وترتيبات السفارة الأمريكية، نصح الأمريكيون حكومة الأردن بتجنب خطوات دبلوماسية تصعيدية مع الاحتلال في هذه المرحلة وقبل زيارة "بلينكن"، حيث إنه حضر للمنطقة بأجندة أبعد من وقف إطلاق النار. لكن الخبير السياسي والاستراتيجي وزير البلاط والخارجية سابقًا، مروان المعشر، دعا لتجنب كمائن الأوهام، متحدثًا عن الفارق بين الاهتمام الأمريكي المرحلي بوقف إطلاق النار والاهتمام بقضية الصراع نفسها، التي حظيت بأولوية الآن بسبب مسارات الحرب دون أن يعني ذلك أن إدارة "بايدن" ستنخرط أكثر في حل الدولتين.
داخليًا، يتحرك القصر الملكي بروية محدثًا تغييرات عديدة داخل منظومة الديوان الملكي على وقع المستجدات الأخيرة داخل الأردن وخارجه، والتي افتتحت بتعيين الدكتور "جعفر حسان" مديرًا لمكتب الملك الشهر الماضي، والكاتب الصحفي المقرب من القصر، فهد الخيطان، مديرًا لإعلام الديوان. ويتوقع مراقبون أن ينتج عن التغييرات آلية عمل مختلفة، لكن الحقيقة تتحدث أنه لا تتوفر ضمانات مقنعة تفيد بتوقع نتائج مختلفة، ما دامت المؤسسة تعيد تدوير الوظائف وسكانها بصورة دائرية .
في إطار التغيرات والانعطافات داخل وخارج المملكة، زاد الحديث بقوة عن فكرة تقصير العمر الدستوري لمجلس النواب الحالي، حيث يزيد الانطباع في أروقة القرار والنخبة بأن المحطة التي يتمكن فيها المجلس، من صياغة قانون انتخاب جديد في مسار الإصلاح السياسي هي نفسها المحطة التي ستؤدي إلى قصف عمره في الخطوة التالية. واللافت في الأمر أن التيار المحافظ الذي هندس الانتخابات الأخيرة فشل بصورة كبيرة، في تجنب الانزلاقات التي سببها قدوم 100 نائب جديد دون خبرة سابقة من أصل 130. فالانطباع الأقوى أن كلفة هندسة الانتخابات كانت أكثر بكثير من مكاسبها، وما يرد حتى من الغرفة الأمنية شير إلى أن المجلس خارج عن السيطرة المعتادة والمألوفة، وأنه أصبح أداة لابتزاز الحكومة.
محليًا أيضًا، أفرجت سلطات الاحتلال عن الأسير الأردني، عبد الله الزيتاوي، بعد فترة اعتقال دامت سبع سنوات داخل السجون. يذكر أنه جرى اعتقال "الزيتاوي" أثناء قيامه بزيارة لأقاربه في مدينة نابلس بتهمة دعم المقاومة، لكنه ينتظر في الأردن حكمًا آخر بالسجن في ما عرفت بقضية "دعم المقاومة"، حيث حكمت عليه محكمة أمن الدولة في الأردن غيابيًا لمدة 15 عامًا. بالمقابل، استدعت الخارجية الأردنية السفير "الإسرائيلي" في عمّان، لنقل رسالة احتجاج "شديدة اللهجة" بخصوص احتجاز مواطنَين أردنيين عبرا الحدود أثناء العدوان وهما يحملان سكاكين، حيث طلبت الوزارة السماح للسفارة الأردنية بزيارتهما.