استنتاجات الموجز:
زيارة "بلينكن" للمنطقة تبدو محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار أكثر من كونها تعبيرًا عن "استراتيجية" جديدة لإطلاق عملية التسوية
وقف إطلاق النار سيكون مُهددًّا بالانهيار في حال تدهور الوضع في مدينة القدس وتشدد الاحتلال في سياساته تجاه قطاع غزة
انتهى العدوان "الإسرائيلي" الأخير على غزة بوقف إطلاق نار متبادل بين المقاومة الفلسطينية في القطاع والاحتلال، فجر الجمعة الماضية، لكن حراكًا سياسيًا كبيرًا بدأ فورًا، تمثل في انخراط أمريكي ملحوظ في المنطقة مجددًا. بدورهم، وكما فعلوا في الجولات القتالية الثلاث السابقة، صمد الفلسطينيون صمودًا بطوليًا، وعجزت حكومة الاحتلال عن تحقيق الأهداف السياسية التي وضعتها لهذه الحرب؛ حيث استمر إطلاق الصواريخ على المدن والبلدات المحتلة حتى لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار، إضافةً لفشل مخطط الاحتلال في استهداف أنفاق المقاومة واغتيال ”مئات“ من المقاومين الفلسطينيين.
وقدّر المحللون، بمن فيهم ”الإسرائيليون“، أن حكومة الاحتلال، لعجزها عن تحقيق أهدافها من الحرب، ستواجه أزمة سياسية كبيرة، بينما حققت حركة "حماس" إنجازات كبيرة، إذ نجحت "في وضع القدس في مركز الاهتمام الدولي والفلسطيني". كما أثارت الحركة "المواجهات" الواسعة وراء الخط الأخضر وفي القدس والضفة الغربية، وهي إنجازات ستدفعها للعمل على إعادة بناء قدراتها التسليحية، خصوصًا الصاروخية منها، و"بذل كل ما في وسعها لتحقيق رؤيتها بكل مكوناتها على أساس يحاكي نجاحها قبل المواجهة الحالية وخلالها“.
ومع دوران عجلة مباحثات تثبيت وقف النار التي يقودها الوفد الأمني المصري، وتواصُل جولاته بين رام الله وغزة وتل أبيب، تُواصل المقاومة في القطاع تحدّي العدو "الإسرائيلي" وتهديداته، ما دفعه للتراجع تدريجيًا عن خطوات الإغلاق السارية على القطاع منذ بداية العدوان، ليسمح بفتح البحر أمام الصيادين ومعبر ”كرم أبو سالم“، بصورة جزئية لكليهما.
بدوره، اختتم وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، زيارة هي الأولى لـ“الشرق الأوسط“ من مسؤول رفيع في إدارة "بايدن"، ما يوحى بإعادة الانخراط الدبلوماسي الواسع للولايات المتحدة في المنطقة، انطلاقًا من تعزيز وقف النار، وإعادة الصلات المشتركة بين واشنطن والفلسطينيين، مع إعطاء زخم للدور العربي في أي جهد لإنعاش عملية السلام المتعثرة على أساس حل الدولتين. وغداة إجرائه محادثات مكثفة مع كبار المسؤولين "الإسرائيليين" ثم مع السلطة الفلسطينية، توجه "بلينكن" إلى القاهرة حيث التقى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كما اجتمع في عمّان مع الملك "عبد الله الثاني".
ورغم أن "بلينكن" أعلن خلال محادثاته أن الولايات المتحدة ليس لديها خطط فورية لمتابعة محادثات السلام بين الجانبين، إلا أنه تعهد ”بحشد الدعم الدولي“ لإعادة بناء الدمار في غزة، آملًا أيضًا في إيجاد ”بيئة أفضل“ يمكن أن تؤدي إلى المفاوضات. وفي مؤشر على انفتاح على الجانب الفلسطيني، أعلن "بلينكن" خططًا لإعادة فتح مكتب دبلوماسي في القدس، يشرف على التواصل مع الفلسطينيين، كما أعلن أن الولايات المتحدة بصدد تقديم أكثر من 360 مليون دولار من المساعدات للشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى، تواصل الادارة الأمريكية والأطراف الإقليمية العمل على استثمار ملف ”إعادة إعمار غزة“؛ حيث تداعت جهات عدة بحثًا عن منفعة على حساب القطاع المحاصَر. فقد أطلت رام الله، التي غابت عن مشهد الحرب، برأسها كعادتها لتغتنم ما تستطيع بوصفها صاحبة ”الشرعية“، تلتها القاهرة التي تريد لشركاتها أن تتصدّر عملية الإعمار، وأن تحافظ على كونها مفتاحًا لغزة أمام المجتمع الدولي. أمّا واشنطن، ومعها بروكسل، فتبحثان عن طريقة للمشاركة، شريطة ثمن سياسي لا يقلّ عن استمرار الهدوء لمدّة طويلة.
في هذا الإطار، قال مصدر مصري مطلع على ملف ”إعادة الإعمار“، إن "القاهرة اقترحت فكرة إنشاء هيئة دولية، تكون مصر مسؤولة عنها مع أطراف عربية أخرى، وأن تدخل الأموال من المؤسسات المانحة إلى الهيئة التي سيكون لها مراقب مالي يحدد أوجه الصرف، وبالتالي يتم تلافي أوجه الاعتراضات الأمريكية والأوروبية على "حماس".
من جهتها، أعلنت قطر تخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع الذي ألحق به العدوان دمارًا كبيرًا، فضلًا عن الخسائر البشرية من شهداء وجرحى. وكان لافتًا أنه تزامنًا مع زيارة "بلينكن"، هدّد رئيس "حماس" في غزة، يحيى السنوار، الاحتلال إن لم يتم رفع الحصار عن غزة، مشددًا على أن القطاع "لن يقضي هذا العام ومشاكله كما هي"، مرحبًا في حديث له مع الصحفيين بكل جهود إعمار القطاع، ومؤكدًا أنه "لن يذهب أي قرش للحركة أو أعضائها“. وقال "السنوار" أيضًا إن مدينة القدس "خط أحمر"، وإن "زوال إسرائيل مرتبط بمخططاتها في المدينة".
من جانب آخر، أكدت "حماس" أن الزيارة المرتقبة لرئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، إلى مصر تهدف لمناقشة تثبيت وقف إطلاق النار وكيفية إعادة الإعمار. بالمقابل، تبذل السلطة الفلسطينية مع مصر والأردن جهودًا لوضع خطة تحظى بدعم عربي ثم أمريكي، لإطلاق عملية سياسية جديدة في المنطقة تقود لمفاوضات مباشرة مع الاحتلال، يتم خلالها فرض تهدئة واسعة في كل المناطق، الضفة والقدس وغزة، بما يشمل بدء إعمار القطاع.
في سياق متصل، أرجأت المحكمة "الإسرائيلية المركزية" في القدس، البتّ في قضية تهجير عائلات فلسطينية من حي بطن الهوى في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى. وعقدت المحكمة جلسة للنظر في قرارات تهجير ست شقق سكنية من أصل 86 في الحي. وقال الباحث في شؤون القدس، فخري أبو ذياب، إن ”الأحداث التي جرت في حي الشيخ جراح حالت دون تمكن المحكمة من إصدار قرار لصالح المستوطنين“. هذا، بينما شرعت شرطة الاحتلال في عملية "لاستعادة قوة الردع“ التي فقدتها خلال الاحتجاجات الأخيرة، عن طريق شنّ حملة اعتقالات واسعة ضد فلسطينيّي الـ48، من المفترض أن تستهدف 500 من الواقعين ضمن ”بنك أهدافها“، عقابًا لهم على موقفهم السياسي، واحتجاجهم الذي عبّروا من خلاله عن وقوفهم إلى جانب بقية شعبهم.
وترافقت هذه الحملة مع تواصل الاعتقالات والمداهمات التي يقوم بها الاحتلال في الضفة، فيما قامت السلطة الفلسطينية باعتقال أكثر من 20 مواطن فلسطيني واستدعاء آخرين على خلفية التعبير عن الرأي. وتقوم أجهزة أمن السلطة بهذه الاعتقالات تحت بند "إثارة النعرات" وهو البند الذي يحاكم عليه نشطاء الرأي في الضفة منذ سنوات طويلة. ولم يقتصر الأمر على الاعتقال، فهناك من تلقى تهديدات لمحو تغريدة له، أو على خلفية مشاركته في وقفة أو فعالية. بدوره، كشف مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار دويك، عن اتصال جرى بين "جبريل الرجوب" ونائب رئيس "حماس"، صالح العاروري، مشيرًا إلى توصل "فتح" و"حماس" إلى اتفاق لاحتواء الأحداث.