استنتاجات الموجز:
الدبلوماسية التركية تبذل جهودًا مكثفة لتذليل العقبات خلال لقاءات "أردوغان" مع قادة أمريكا وفرنسا واليونان لفتح صفحة جديدة في العلاقات
رسائل سياسية وعسكرية قوية تحملها زيارة وفد تركي رفيع إلى طرابلس قبيل قمة الناتو ومؤتمر "برلين 2"
الحكومة التركية تستنفر مؤسساتها وإمكانياتها لإنقاذ بحر مرمرة عقب انتشار "مخاط البحر" والمعارضة تتهم الحكومة بالتقصير
أجرت الدبلوماسية التركية حملة مكثفة من اللقاءات خلال الأيام الماضية لإنجاح اللقاءات بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيريه الأمريكي، جو بايدن، والفرنسي، إيمانويل ماكرون، ومع رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وذلك على هامش قمة حلف "الناتو" وفقًا لسياسة أنقرة الجديدة في انتهاج الدبلوماسية الناعمة بدلًا عن الخشنة. لذلك تولي أنقرة أهمية كبيرة للقمة وما سيرافقها من لقاءات جانبية قد تنجح في تجاوز الخلافات التي تصاعدت مؤخرًا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا والغرب. وعلى مدار الأيام الماضية، جرى الإعداد لثلاث قمم سيعقدها "أردوغان" مع نظرائه بجانب المباحثات الجانبية مع باقي الزعماء، واجتماعات قمة "الناتو" الرئيسية التي ترى فيها تركيا فرصة للتذكير بقوة حضورها داخل الحلف، والخروج بنتائج إيجابية بعيدًا عن أجواء الخلافات والتصعيد وحتى التهديد بين الحلفاء التي سادت طوال الأشهر الماضية.
ويُعتبر اللقاء الأهم هو الذي ستجمع "أردوغان" و"بايدن" لأول مرة منذ وصول الأخير إلى البيت الأبيض؛ وفي محاولة للتوصل لأفضل نتائج ممكنة من اللقاء، جرى الإعداد له على نطاق واسع عبر سلسلة لقاءات بين وزراء خارجية ودفاع ومساعدي عدد من الوزارات ومستشاري الأمن القومي للبلدين، حيث تتكدس على الطاولة ملفات خلافية كثيرة، وسط مساعٍ حقيقية للتوصل لكثير من التوافقات حول ملفات منظومة “إس-400” الروسية، والبقاء التركي في أفغانستان، والانتقادات الحقوقية والتعاون الاقتصادي والعقوبات، وغيرها. كما جرى التمهيد للقاء "أردوغان" و"ماكرون" على مدى الأسابيع الماضية، التي شهدت اتصالًا هاتفيًا بين الرئيسين، وزيارة لوزير الخارجية، جاووش أوغلو، إلى باريس جرى خلالهما التأكيد على ضرورة تجاوز الخلافات والعمل المشترك في إطار “التحالف” الثنائي و"الناتو".
خارجيًا أيضًا، وبعدما خمدت أصوات المدافع في غزة، عادت تركيا للتأكيد على أن مشكلتها ليست مع "إسرائيل" كدولة وإنما مع تصرفاتها وممارساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، وقدمت خمسة شروط لتحسين العلاقات، منها وقف الاعتداءات "الإسرائيلية" على الفلسطينيين، والتراجع عن الخطوات التي تستنزف حل الدولتين، والعودة لمباحثات السلام، ووقف بناء المستوطنات غير الشرعية وسلب الأراضي الفلسطينية والكف عن الإجراءات التي تهدف لتغيير الوضع القائم في القدس، معتبرةً أن “تراجع إسرائيل عن سياساتها الخاطئة سيساهم في تحسين علاقاتها مع دول كثيرة، وليس تركيا فحسب”.
من جهة أخرى، عرضت أنقرة على الإدارة الأمريكية البقاء في أفغانستان عقب انسحاب قوات "الناتو" لمواصلة حماية مطار كابل الدولي، وهو ما أكدته لاحقًا مصادر أمريكية بالقول إن المباحثات الأولوية بدأت بالفعل بين الجانبين حول العرض، الذي يحمل في طياته شروطًا كثيرة وفرص ومخاطر لتركيا الراغبة في تعزيز نفوذها أكثر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في الملف الليبي، تعمل تركيا على توجيه رسائل سياسية وعسكرية إلى عدة أطراف، حيث أوفد "أردوغان" إلى طرابلس وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إلى جانب رئيس المخابرات ومتحدث الرئاسة ورئيس دائرة الاتصالات. وتريد أنقرة التأكيد على أن العلاقات التركية الليبية لا تزال متميزة وفي ذروتها، وأن التفاهمات التي حدث سابقًا، خاصة في زيارة "الدبيبة" إلى أنقرة مازالت مستمرة وجرى التأكيد عليها. وبالتالي فإن أي محاولات سابقة للتشويش على هذه العلاقات باءت بالفشل، وإن تركيا مازالت تقف داعمًا لشرعية حكومة الوحدة الوطنية، ومازالت ترى في ليبيا حليفًا استراتيجيًا في البحر المتوسط وشمال أفريقيا.
ومن حيث التوقيت، تأتي الزيارة قبل حدثين مهمين هما قمة "الناتو" ومؤتمر "برلين 2" حول ليبيا نهاية الشهر الجاري؛ حيث ستحاول تركيا التأكيد في الأول على دورها في هذا التحالف المهم، وتراهن على دورها في ليبيا كدور مهم استراتيجيًا للحلف، وحمايةً لمصالحه أمام التوغل الروسي عبر مرتزقة "فاغنر" في أفريقيا عمومًا وليبيا خصوصًا. كما تريد تركيا إرسال رسالة إلى "برلين 2" بأن دورها ما زال قويًا في إرساء الاستقرار في ليبيا، عبر دعمها لشرعية حكومة الوفاق سابقًا وحكومة الوحدة الوطنية حاليًا.
في سياق منفصل، أعادت أنقرة فتح ملف المنطقة الآمنة في سوريا لطاولة المباحثات مجددًا، رغم اتساع هوة الخلافات مع روسيا، والذي يحمل في أحد جوانبه ضمان ملفات الأمن القومي التركي المتعلقة بجانب الحدود والمعابر والتنظيمات الإرهابية، والرغبة في تحويل الشمال السوري لمنطقة مستقرة بعد أن أخفقت جهود أنقرة السابقة في إقامة منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، وأن مدى إمكانية توصل لاتفاق منطقة آمنة مرتبط بنتائج اللقاءين بين الرئيسين الأمريكي والروسي من جهة وبين الرئيسين التركي والأمريكي من جهة أخرى. كما تواصل تركيا توجيه رسائل إيجابية لمصر للمساهمة في إحراز في تفاهمات تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث أكد وزير الخارجية التركي أن اجتماعه مع نظيره المصري، سامح شكري، خلال الفترة المقبلة سيتناول تبادل السفراء وهو ما لاقى تقدير نظيره المصري، إلا أن الأخير أكد أن عودة العلاقات تخضع للتقييم والرصد لرفع مستوها في الوقت المناسب، وبعد تحقيق تركيا بعد الطلبات لمصر.
داخليًا، استنفرت تركيا كافة مؤسساتها وإمكانياتها من البلديات والوزارات المعنية والبرلمان والرئاسة، لاحتواء انتشار “مخاط البحر” على سواحل بحر مرمرة في إسطنبول ومحيطها، في ظاهرة بيئية وصفها خبراء بأنها ”بالغة الخطورة”. وحاولت الحكومة التقليل من مخاطرها بالتعهد بحملة تنظيف واسعة، والقيام بأبحاث ودراسات وحل أسباب المشكلة الأساسية، التي يعتقد أن أبرزها يتعلق بالتلوث البيئي والتغير المناخي. من جهتها، وجّهت أحزاب المعارضة اتهامات حادة للحكومة بالمسؤولية عن التقصير في حماية البحر، عبر السماح بضخ كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي في البحر بعد عبورها بمحطات تكرير، يقول خبراء إنها غير متقدمة ومتهالكة ولا تكرر المياه العادمة بشكل كامل.
كما تواصل أحزاب المعارضة "الجمهوري و"الجيد"، جهودها في محاربة مشروع قناة إسطنبول الذي يعتزم "أردوغان" وضع حجر أساسه خلال الأيام القادمة. ووجه الحزبان تحذيرًا للشركات التي ستشارك في المشروع بعدم سداد أي التزامات مالية في حال توليهم الحكم، ومنعها من العمل في أي من مشاريع الدولة، ولاقت تصريحات المعارضة للمشروع انتقادًا من رئيس "حزب البلد"، محرم إينجه.
في سياق منصفل، قدم "رشاد أيدن"، مستشار الرئيس السابق، عبد الله غل، استقالته من العمل مع "غل"، لمواقفه المشجعة للمتظاهرين ضد الحكومة في أحداث جامعة بوغازيتشي، ولمواقفه السياسية ضد الحكومة وتقاربه مع الأطراف الأخرى من تنظيم "غولن" و"حزب الشعوب الديمقراطي"، الذي اعترض على قرار إغلاقه.
أمنيًا، أوقفت السلطات في إسطنبول 14 شخصًا أجنبيًا للاشتباه بانتمائهم لتنظيم "داعش"، خلال عملية متزامنة في 13 ولاية في إطار أنشطتها ضد أشخاص يشتبه بانتمائهم إلى التنظيم أو تواجدوا في مناطق اشتباكات. كما تمكنت الاستخبارات من تحييد "حسن أدير" الملقب بـ"صالح جزرة" المسؤول عن مخيم مخمور شمالي العراق بتنظيم "حزب العمال الكردستاني"، وضبطت 12 شخصًا أثناء محاولتهم دخول البلاد بطريقة غير قانونية من سوريا، مشيرةً إلى أن أحدهم مطلوب دوليًا بالنشرة الحمراء.