استنتاجات الموجز:
ملفات أمنية عالقة أمام الحكومة الجديدة وسط تقديرات بأن انطلاق مواجهة جديدة في غزة مسألة وقت
استخلاص "إسرائيلي" بأن الطريقة الوحيدة لاختصار الحرب الثالثة أن تكون ضد الدولة اللبنانية كاملةً وليس ضد "حزب الله" فقط
شهدت الساحة السياسية والأمنية "الإسرائيلية" في الأيام الأخيرة تطورات متلاحقة، أهمها الملفات الأمنية والعسكرية التي ستقوم بمتابعتها الحكومة الجديدة داخليًا وخارجيًا، مع استمرار التوتر الأمني والعسكري مع غزة، فضلًا عن نشوء تحدٍ جديد أمام جيش الاحتلال يتعلق بخوض مواجهة متعددة الجبهات، وصولًا إلى الترويج لفرضية جديدة حول طبيعة خوض حرب لبنان الثالثة.
فبعد أن أدت الحكومة "الإسرائيلية" الجديدة اليمين الدستورية، من الواضح أن لديها جملة من الملفات الأمنية والعسكرية الساخنة التي تستوجب المعالجة. ورغم أن الوزير "بيني غانتس" خدم في هذا المنصب في الحكومة الأخيرة، إلا أن المهام التي يحتاجها للمضي قدمًا تتطلب إعادة التفكير، لاسيما السياسة المتبعة تجاه قطاع غزة وإعادة إعماره، والتعامل مع تنظيم الوضع الأمني، مع بناء مخطط لاستعادة الأسرى والمفقودين لدى حركة "حماس" في القطاع.
في الوقت ذاته، يبدو "غانتس" مدعوًا للتركيز بشكل خاص على رسم سياسات واضحة تجاه إيران، ومشروعها النووي الذي تعمل عليه، بجانب معالجة الخطوط العريضة لاتفاق المشتريات الخاصة بالجيش، ومعظمها مخصص للطائرات وتسليح القوات الجوية، وبتشكيل الحكومة الجديدة، سيتعين عليه زيادة الضغط على الأمريكيين لتنفيذ صفقة التسلح الجديدة.
أما وزارة الأمن الداخلي التي سيتولاها الجنرال، عومر بارليف، فتبدو مطالبة بتوفير الهدوء في المدن الفلسطينية في الداخل، وإنهاء التوترات بين اليهود والعرب في المدن المحتلة، ومعالجة تفشي الجريمة في المجتمع العربي، وفقدان الثقة المتزايد في الشرطة، وإحداث زيادة كبيرة في ميزانيات الشرطة، وعدد الأجهزة لضباط الدوريات. هذا، مع العلم أن سلسلة من الأحداث المتفجرة يُتوقع أن تندلع في الساحة الفلسطينية في أي لحظة، ما ينذر باشتعال كبير أمام الحكومة الجديدة، سواءً مسيرات الأعلام في القدس خلال 48 ساعة، ما يهدد بإشعال الأرض وربما استئناف القتال ضد "حماس"، بجانب إخلاء البؤرة الاستيطانية في الضفة الغربية التي تسببت بالفعل في أعمال عنف بين العرب واليهود.
على صعيد الوضع في غزة، من الواضح أن المواجهة بين المقاومة والاحتلال لم تنته بعد، رغم مرور شهر على الحرب الأخيرة، فيما تقوم "إسرائيل" بحملة انتقامية هادئة ضد "حماس"، ورغم أن الصواريخ لا تحلق فوق رؤوس "الإسرائيليين"، فإن هذه المواجهة لم تنته بعد. وهذا قد يمنح مصداقية لهذا الاستنتاج أن غزة اليوم تواجه مشكلة في تجميد المنحة المالية القطرية، واحتمال أن يحدث عجز في التيار الكهربائي، وعمود الناقلات الذي ينطلق يوميًا عند معبر كرم أبو سالم، ويحمل معه الوقود لمحطة الكهرباء الوحيدة بالقطاع، لم يُرَ هناك منذ شهر أو أكثر، وتم تقليص مساحة الصيد لستة أميال.
وهناك تقدير يرى أنه إذا لم يتم إيجاد حل لموضوع المنحة القطرية، فقد تقوم "حماس" بتقييم جديد للوضع، وتفكر في كيفية التصرف؛ فعدم وجود كهرباء في غزة كما في الماضي، وانقطاع تدفق الدولارات يعد خطوة قاسية ضدها. وما تقوم به "إسرائيل" من هذه العقوبات تعتبر وسيلة استراتيجية تعوض عن "دونيتها" العسكرية، لكنها إذا لم تعطِ ما يستحقه الفلسطينيون في غزة، فستأخذه "حماس" بالقوة، حيث ترى أن هذه اللغة وسيلة لإرضاء الجمهور الفلسطيني. كل ذلك يؤكد أن الساحة في القطاع متفجرة، وأن الجيش "الإسرائيلي" ربما يستعد لكل الاحتمالات، وستكون كل حادثة أمنية مهمة عملية اختبار للحكومة الجديدة، مع أشخاص ليس لديهم خبرة أمنية كبيرة.
في الوقت ذاته، كشفت حرب غزة الأخيرة عن تحدٍ قديم-جديد أمام الجيش "الإسرائيلي"، رغم ما لديه من تفوق عملياتي، لكنه سيجد صعوبة في الدفاع عن "إسرائيل" داخل حدود 1967، خاصةً في حالة المواجهة متعددة المجالات، من جميع الساحات بما في ذلك الساحة الداخلية. وتنطلق الفرضية "الإسرائيلية" من التخوف عن مواجهة على أكثر من جبهة، أن "حماس" نشرت معظم الصواريخ والقذائف بشكل روتيني في نقاط الإطلاق. وينطبق الشيء نفسه على الكثير من القوات المحلية في كتائب القطاع، التي ترتكز على عناصر محلية من صفوف المقاتلين إلى قائد الكتيبة، وبهذه الطريقة يكون الانتقال من الروتين إلى الطوارئ سريعًا جدًا.
يذكر أن الوقت اللازم لعمل مقاتلي "حماس" من اللحظة التي تقرر فيها القيادة إلى الميدان، يسمح ببدء معركة نارية مفاجئة. وهذا التغيير يتحدى افتراضات مفهوم الأمن "الإسرائيلي"، حيث كان الاعتماد على التحذير حجر الزاوية، وتقصير فترة الإنذار يتطلب من "إسرائيل" إجراء تغيير مناسب في مبادئ مفهوم الأمن.
بدوره، سعى "كوخافي" في المخطط الجديد الذي صاغه لمفهوم عمل الجيش لإحداث تغييرات في النهج التقليدي الدفاعي. وفي عهد سلفه "آيزنكوت" تم استثمار الموارد في تحسين الإجراءات الدفاعية، بما فيه الجدار الخرساني في عمق الأرض حول غزة، وأداء سلاح البحرية لعرقلة أي مبادرة هجومية من قبل الضفادع البشرية لـ"حماس"، وعمليات سلاح الجو بإسقاط الطائرات بدون طيار التي أطلقتها الحركة.
وتتزامن هذه الجهود العسكرية التي يمارسها الجيش مع تقليص الإنتاج الذاتي للأسلحة في غزة من قبل "حماس"، ما يشير لوهم فرضية نزع السلاح، حيث يتم تحقيق معظم الإنتاج الذاتي من خلال آلات الإنتاج والمواد الخام المدنية، ولا توجد طريقة للمبالغة من آلات النقش بالكمبيوتر وأنابيب الحديد والفوسفات.
على الصعيد الإقليمي، وفي توقيت لافت، أحيا "الإسرائيليون" مرور 39 عامًا على اندلاع حرب لبنان الأولى 1982، باعتبارها فرصة للحديث عن عدم دقة الأهداف التي هاجمتها "إسرائيل"، وهو ما تكرر في حرب لبنان الثانية 2006. وترى الرواية "الإسرائيلية" الجديدة أن الواقع القائم في لبنان بات مختلفًا تمامًا عن تلك الأعوام؛ حيث يحكمه تحالف يشترك فيه "حزب الله"، وطبقة رقيقة من الأثرياء السنة والمسيحيين، ما يسمح للطرفين بالسيطرة على لبنان بالكامل، مع العلم أن دور "حزب الله" اليوم يعتبر القوة العسكرية الوحيدة في لبنان، والجيش اللبناني خاضع له فعليًا، ما قد يستدعي من "إسرائيل" ألا "تقع في الفخ" الذي وقعت فيه خلال الحربين السابقتين 1982 و2006.
في السياق، يعبتر لافتًا أن الاستخلاص "الإسرائيلي" من هذا الاستعراض يرى أن الطريقة الوحيدة لاختصار الحرب الثالثة والانتصار فيها، أن تخوضها "إسرائيل" ضد الدولة اللبنانية كاملة وليس ضد "حزب الله". وبما أن "إسرائيل" قادرة على تدمير لبنان في أيام قليلة، ولأن العالم كله من إيران إلى الولايات المتحدة وفرنسا يخشى تدميره، فهذه هي الطريقة الأضمن للنجاح في حملة قصيرة، ما يحتم عليها أن تقرأ سبب خطئها في قراءة الوضع اللبناني 1982 و2006، وألا ترتكب خطأ آخر.