استنتاجات الموجز:
رغم متغيرات الحراك الشعبي وانكشاف أحزاب السلطة، نتائج الانتخابات الجزائرية لم تسفر عن تغير كبير في سلوك وقناعات الناخب واختياراته
المعارضة التونسية تستعين بالشارع للتنديد بـ"القبضة البوليسية" وسط دعوات لتكريس مفهوم "الأمن الجمهوري"
جدل متواصل بالمغرب حول الدعوة لمقاطعة الانتخابات المقبلة في ظل تفاقم التجاذبات بين مؤسسات الدولة
لم تسفر الانتخابات الجزائرية المبكرة عن تغيير في الخريطة السياسية؛ حيث حافظت على المشهد السياسي ذاته دون تغيير مفصلي، مقابل صدمة استيقظت عليها الأحزاب الناشئة التي كانت تتوقع تمركزًا جيدًا في توازنات البرلمان والمشهد الحزبي، إضافةً لخيبة لافتة للمستقلين، بخلاف كل التوقعات التي كانت تعطيهم تقدمًا قياسيًا بدعم من السلطة.
في التفاصيل، أبقت النتائج الأولية، حسب الولايات الـ58 والمناطق الأربع في الجالية، كلًا من "جبهة التحرير الوطني" و"حركة مجتمع السلم" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، في الصدارة لـ"حفاظها على ثقلها الشعبي وتنشيطها أفضل الحملات الانتخابية"، مع صعود لافت لـ"حركة البناء الوطني" و"جبهة المستقبل"، وهي الأحزاب التي يُتوقع أن تكون الأكثر تأثيرًا في تشكيل الحكومة المقبلة، إضافةً إلى كتلة المستقلين.
وبموازاة هذه التوقعات، اعتُبر وجود حزبي السلطة، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، ضمن مقدمة الأحزاب الفائزة، مفاجأة سياسية رغم تحميل الحراك الشعبي المسؤولية لهذه الأحزاب عن النكبة السياسية والاقتصادية، والتورط في دعم سياسات السلطة سابقًا.
في سياقٍ متصل، لم يكن سير العملية الانتخابية في منطقة القبائل كغيرها؛ حيث تعذر فتح مراكز الانتخاب كموقف سياسي مناوئ للسلطة والمسار الانتخابي، إذ أعلن مندوب ولاية تيزي، يوسف قابي وزو، عن إقفال 86 مركز تصويت، بسبب التوترات الأمنية وإقدام المتظاهرين على غلقها، ورفض السكان التصويت، الذي بلغت نسبته 0.24%.
من جهته، أعلن رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، محمد شرفي، أن نسبة المشاركة بلغت 30.20%، مشيرًا إلى تفاوت نسب المشاركة بين الولايات؛ حيث تجاوزت 74% في بعض الولايات بينما تدنت إلى أقل من 30% في ولايات أخرى. وقد أثارت تصريحات "شرفي" جدلًا في الأوساط السياسية، باعتبارها غير منطقية وأن نسبة المشاركة لم تتجاوز نسبة 22%.
أمنيًا، وعشية الانتخابات التشريعية، نفذت قوات الأمن حملة اعتقالات شملت ناشطين في الحراك الشعبي أبرزهم السياسي "كريم طابو" والصحفي "خالد درارني"، ووضعهم تحت الرقابة القضائية. هذا، فيما تقدم عدد من الحقوقيون بدعوة قضائية ضد رئيس "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن قرينة، بتهمة نشر خطاب الكراهية والتمييز خلال التصريحات في حملته الانتخابية.
في الشأن التونسي، ووسط ضبابية المشهد السياسي وتعقيداته، أثارت حادثة وفاة مراهق إثر اعتداء قوى الأمن عليه موجة احتجاجات واسعة بمشاركة عدد من النواب، تنديدًا بالتعامل الأمني العنيف و”القبضة البوليسية” التي تتبعها الحكومة. وخلال الاحتجاجات حدثت صدامات مع قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. وأثارت قضية "حماية الحريات" مجددًا اهتمامًا لدى الأوساط السياسية، فيما دعت الأحزاب إلى تكريس مفهوم “الأمن الجمهوري” البعيد عن جميع التجاذبات السياسية.
سياسيًا، قرر البرلمان تخصيص جلسة لمناقشة أسباب امتناع رئيس الجمهورية، قيس سعيد، عن ختم مشاريع القوانين التي يصادق عليها البرلمان على غرار تنقيح قانون المحكمة الدستورية، فيما تواصل الجدل بعد قيام المعارضة بالطعن في مشروع القانون لدى هيئة مراقبة دستورية القوانين وفشل حسم دستوريته.
بموازاة ذلك، وخلال لقاء "سعيد" برئيس الحكومة، هشام المشيشي، وعدد من رؤساء الحكومات السابقين، اتهم أطرافًا سياسية بـ"الاستعانة بقوى خارجية لمحاولة إزاحته من الحكم ولو بالاغتيال"، معتبرًا أن جميع محاولات الحوار لم تكن مبادرات وطنية، بينما عبّر عن استعداده "للإشراف على حوار وطني لتفكير في نظام سياسي وانتخابي جديد”.
في الشؤون الأمنية والقضائية، أكد المتحدث الرسمي باسم "حركة النهضة"، فتحي العيادي، وجود تهديدات جدية باغتيال رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، داعيًا وزارة الداخلية إلى أخذ الاحتياطات لحمايته، ونافيًا علمه بالجهات التي تقف وراءه. بدورها، قررت الحكومة مقاضاة رئيسة "الحزب الدستوري الحر"، عبير موسى، وأعضاء الكتلة بعد طردهم عددًا من الوزراء من البرلمان، مؤكدةً رفضها للممارسات التي تمس آليات عمل مؤسّساتها. إلى ذلك، أصدرت المحكمة الجزائية قرارًا بالإفراج عن رئيس حزب "قلب تونس"، نبيل القروي، بتهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي.
مغربيًا، وفي ظل انشغال بعض الأحزاب بالإعداد للانتخابات المقبلة، دعت أصوات أخرى إلى مقاطعة الاستحقاق الانتخابي، لأنه "لا يؤدي إلى التغيير المطلوب"، وأبرزها حزب "النهج الديمقراطي"، وجماعة "العدل والإحسان"، و"حركة مقاطعون"، واختاروا شعار "غايتنا التعبئة الشعبية من أجل مقاطعة ناجحة للانتخابات المقبلة". وقد أثارت دعوة الأحزاب هذه جدلًا كبيرًا، حيث اعتبر أمين عام حزب “الأصالة والمعاصرة”، عبد اللطيف وهبي، أن إصلاح البلاد لن يتم إلا عبر الديمقراطية، مضيفًا أن “عيوب الديمقراطية في البلاد لا يمكن إصلاحها إلا بالانخراط الكامل والمشاركة في العملية الانتخابات وعملية صنع القرار."
على صعيدٍ موازٍ، تتفاقم أزمة تعاطي المؤسسات فيما بينها، بعدما شرعت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، في استدعاء بعض الوزراء للاستماع إليهم حول القرارات المتعلقة بتدبير قطاعاتهم الوزارية. ونتج عن هذه القرارات خلاف مع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الذي طلب في رسالة من “المجلس الأعلى للحسابات”، تعيين مخاطب أو مدير رسمي من بين المسؤولين التابعين له، كـ"صلة وصل" بين المجلس وبين القطاع الوزاري، وذلك بهدف تفادي إحراج الوزراء بعد استدعائهم. ولم يستبعد "العثماني" أن التقرير الذي يتم إعداده يهدف للإطاحة برؤوس تستعد لخوض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
خارجيًا، وفي خضم التجاذبات في العلاقات الإسبانية-المغربية، يتواصل التصعيد بعد قرار البرلمان الأوروبي أن الرباط تستخدم القاصرين كأداة “ضغط سياسي” على إسبانيا، وذلك بعد أن “خففت” مؤخرًا الرقابة على الحدود، ما أدى لزيادة أعداد المهاجرين إلى سبتة. من جهته، صرح وزير الخارجية، ناصر بوريطة، أن “أوْربة” الأزمة يأتي بنتائج عكسية، متهمًا مدريد بـ”استغلال” المؤسسات الأوروبية. في السياق، عقد البرلمان العربي جلسة طائرة بالقاهرة لمناقشة القرار، حيث أكد رئيسه، عادل بن عبد الرحمن العسومي، التضامن مع الرباط وتأييدها في مواجهة الأزمة، التي أقحم البرلمان الأوروبي نفسه فيها.
وعلى وقع هذة الأحداث، تم استبعاد إسبانيا من عملية “مرحبًا 2021"، فيما أفادت تقارير بأن الرباط أوقفت المفاوضات بشأن تجديد اتفاق خط أنابيب الغاز مع أوروبا، في حين لوّحت مدريد بأن تزويدها بالغاز الطبيعي مضمون عبر خط أنابيب “ميدغاز”، الذي يربط مباشرة بين منشآت "بني ساف" في الجزائر و"ألميريا" الإسبانية.