استنتاجات الموجز:
تعثر لقاءات المصالحة في القاهرة يُشير لاتساع الهوة بين حركتي "حماس" و"فتح" وصعوبة تحقيق أي إنجاز على هذا الصعيد خلال الفترة المقبلة
تزايد حالة التأهب بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال "الإسرائيلي" على ضوء الاستفزازات والسلوك الصهيوني على الأرض في القدس، إضافةً لتعثر مفاوضات التهدئة
وسط توتر شديد، قامت قوات الاحتلال بالاعتداء على المواطنين المقدسيين في منطقة باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة من القدس التي كان وصل إليها عضو الكنيست المتطرف، إيتمار بن غفير، رافعًا علم الاحتلال، ومطلقًا تصريحات استفزازية بحق الفلسطينيين. وجرى الاقتحام رغم القرار الذي أصدرته شرطة الاحتلال بمنع "بن غفير" من الوصول إلى منطقة البلدة القديمة، بعد يومين من محاولته اقتحام المسجد الأقصى مستخدمًا "حصانته البرلمانية"، قبل أن تعترض شرطة الاحتلال طريقه. يذكر أن "بن غفير" وأعضاء كنيست آخرين هددوا بإقامة "مسيرة الأعلام"، التي كان من المقرر أن تقام في العاشر من أيار/ مايو الماضي، وأفشلها المقدسيون وصواريخ المقاومة في غزة.
وفي المرة الثانية، كان من المفترض إقامة مسيرة ”تعويضية"، لكن شرطة الاحتلال قامت بإلغائها، وخلال جلسة "الكابينيت" تم تأجيل عقد المسيرة حتى الثلاثاء المقبل، وعلى إثر ذلك هاجمت مصادر عسكرية وأمنية في جيش ومخابرات الاحتلال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على قرار تأجيل المسيرة؛ حيث اعتُبر بمثابة ”لغم سياسي“ تحت عجلات حكومة "نفتالي بينيت"، المقرر أن تبدأ عملها يوم المسيرة المفترض. بالتوازي، قال الناطق باسم ”كتائب القسام“، أبو عبيدة، إن قيادة المقاومة تتابع عن كثب ما يجري في القدس والمسجد الأقصى، ”من محاولات استفزازية وعدوانية من المغتصبين وزعمائهم“، وتحذر ”من مغبة المساس بالأقصى".
على جانب آخر، يعكس تأجيل اجتماع حوار الفصائل الفلسطينية، الذي كان مخططًا أن يبدأ في القاهرة، المأزق الحاد الذي وصل إليه النظام السياسي الفلسطيني، حيث لم يتم تأجيل الاجتماع لانشغال مصري كما جاء في التصريحات الإعلامية، بل إن الحوار لم يكن مقدّرًا له أن يتم منذ البداية بسبب الخلاف الحاد بين موقفي حركتي "فتح" و“حماس“. فمن جهتها، تنطلق "حماس" من رؤيتها بأن معركة "سيف القدس“،خلقت موازين قوى جديدة وواقعًا سياسيًا جديدًا، ما يجعلها تنطلق من رؤية أنها شريك سياسي حقيقي. لكن "فتح" التي تسيطر على منظمة التحرير، تصر على أن أي شراكة سياسية يجب أن تكون على طريقتها، وأنها صاحبة القرار في ما يتعلق بملف الإعمار وأي دعم مالي سيدخل غزة، فضلًا عن ملفي إصلاح منظمة التحرير والانتخابات، مستفيدةً من دعم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لقيادة السلطة.
يترافق ذلك مع صعوبات في مسار تبادل الأسرى، فيما يُجري وفد رفيع من ”حماس" يرأسه رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، مباحثات بالقاهرة مع كبار المسؤولين في جهاز المخابرات العامة. في هذا الإطار، قال القيادي في الحركة، موسى أبو مرزوق، إنه ”لن تجدي نفعًا أي ضغوط على حماس في ملف الجنود الأسرى، سواءً كانت ضغوطًا من أجل إعادة الإعمار أو القضايا المعيشية لأهلنا في غزة“.
رغم ذلك، تتحسب فصائل المقاومة في غزة لـ"غدر إسرائيلي"، حيث توجد معطيات عدة تدفع تقديراتها لاحتمال حصول انفجار قد يكون وشيكًا للأوضاع في القطاع مرة أخرى، في ظل جملة من القيود والاستفزازات "الإسرائيلية" واستمرار تباطؤ حراك تثبيت وقف إطلاق النار. إلى جانب ذلك، تبرز قضية القيود "الإسرائيلية" المفروضة على القطاع والمتعلقة بحركة المعابر والصيد البحري، كما تمنع سلطات الاحتلال حتى الآن وصول المنحة القطرية لفقراء غزة لمستحقيها، وهي خطوة فجّرت تصعيدًا ميدانيًا حدوديًا أكثر من مرة. وقد يدفع ذلك مجددًا إلى تصاعد الحراك الشبابي على الحدود مع الأراضي المحتلة، عبر إطلاق البالونات الحارقة وفعاليات الإرباك الليلي.
ورغم محاولة الوسيط المصري منع تفجّر الأوضاع مرة أخرى، إلا أنّه أبلغ الفصائل أنّ حالة عدم الاستقرار السياسي في ”إسرائيل“ لا تسمح باستمرار التفاوض حول تثبيت وقف إطلاق النار، وأن ذلك هو المعيق الوحيد حاليًا. وردت المقاومة بتأكيد جاهزيتها للتصعيد والتصدي لأي عدوان "إسرائيلي" قد يستهدف القطاع، وأنّ ما لم تحصل عليه "إسرائيل" في 11 يومًا من العدوان القاسي والمدمر لن تحصل عليه بالهدوء، وأنّ معادلة "الهدوء مقابل الهدوء انتهت إلى غير رجعة".
من جانبه، طلب الاحتلال من مصر عدم إدخال إسمنت ومواد بناء إلى غزة، خشية استخدامها من قبل "حماس" في بناء تحصينات عسكرية، كما طالب أيضًا بوقف إدخال المواد "ثنائية الاستخدام"، التي يمكن استخدامها في كل من الأغراض المدنية والعسكرية. وتطالب تل أبيب القاهرة بإلزام معبر "صلاح الدين"، الذي تدخل البضائع عبره من مصر إلى غزة بالقيود ذاتها التي تطبقها المعابر التي يشرف عليها الاحتلال على حدود القطاع.
ميدانيًا، نفذت قوات الاحتلال 151 عملية توغل في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، واقترفت العديد من الانتهاكات المركبة، مسفرةً عن اعتقال 99 مواطنًا، بينهم 16 طفلًا وثلاث نساء منهم صحفيتان، جرى الإفراج عنهما لاحقًا. وأقدمت تلك القوات على اقتحام وإغلاق مقر لجان العمل الصحي في رام الله، وصادرت أموال من منزل معتقل لديها في الضفة.
وفي الضفة الغربية أصيب 40 مواطنًا في المواجهات مع قوات الاحتلال، وأعلنت وزارة الصحة استشهاد ضابطين في جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية وأسير محرر، وإصابة آخر بجروح خطيرة خلال اشتباك مع قوة خاصة "إسرائيلية" (مستعربين). ولم يكن سلوك الوحدات "الإسرائيلية" الخاصة في جنين سوى حالة انتقام من جيل شاب من المقاتلين، بدأ يظهر خلال الأسابيع الماضية. وبرز "جميل العموري" وعدد من الشبان الآخرين بشكل مسلح إثر الحرب الأخيرة في أكثر من مشهد في جنين ومخيمها، اعتقل بعضهم في حين ما زال بعضهم مطاردًا من قبل الاحتلال، وهم يشكلون ظاهرة الاشتباك مع الاحتلال في أكثر من موقع لدى اقتحامه المدينة والمخيم.
إلى ذلك، حظي برنامج "ما خفي أعظم" بمتابعة واهتمام كبيرين، من خلال ظهور نائب قائد أركان المقاومة، مروان عيسى، للمرة الأولى عبر الإعلام، وتناوله ملف الأسرى وما في قبضة المقاومة في غزة من أسرى "إسرائيليين". وقال "عيسى" إن المقاومة تمتلك أوراق مساومة قوية لإنجاز صفقة تبادل أسرى مشرفة، وهو الملف الأهم الآن لدى "كتائب القسام".
وأسهم البرنامج في زيادة الضغط على الاحتلال في محاولة لتسريع جهود إتمام صفقة التبادل، بعد نشر تسجيل صوتي لأحد الجنود الأسرى، يسأل فيه حكومته إذا ما كانت تعمل على تحريره. ولم تعلن ”حماس“ أي تفاصيل أخرى حول هوية الأسير، في محاولة لضرب مصداقية الرواية "الإسرائيلية" الرسمية التي أعلنت أن اثنين من الجنود قتلى. بدوره، هاجم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، خطوة ”حماس“ بقوة، وقال إنها ”تلاعب رخيص ومكشوف بمشاعر عائلات الأسرى والمفقودين الإسرائيليين“.