استنتاجات الموجز:
تصاعد ملحوظ في الخلافات بين مصر والسلطة الفلسطينية بشأن التعامل مع قطاع غزة
نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر انقلابًا لدى الرأي العام الفلسطيني ضد السلطة الفلسطينية لصالح حركة "حماس"
أقدم الاحتلال "الإسرائيلي" على تنفيذ إجراءات احترازية واسعة تزامنًا مع "مسيرة الأعلام" في مدينة القدس، شملت تغيير مسار المسيرة وتعزيزات أمنية كبيرة لحمايتها، فيما تعكس الإجراءات مدى تأثير الرسائل التي وجّهتها المقاومة في غزة على جهات القرار السياسي والأمني في تل أبيب، حيث كشفت الاتصالات "الإسرائيلية"-الأمريكية، وعبر القناة المصرية، حجم الاستنفار السياسي الذي واكب تهديدات الفصائل، تفاديًا لتجدّد المواجهة العسكرية.
بدورهم، عاد الفلسطينيون في غزة إلى تصعيد الضغط الشعبي الخشن على طول حدود القطاع، بعد ساعات من مسيرات عمّت مدن غزة رفضًا للاستفزازات في القدس. وأطلق ناشطون فلسطينيون دفعات كبيرة من البالونات الحارقة تجاه مستوطنات الغلاف، ردًّا على ”مسيرة الأعلام“، ما أدى لوقوع أكثر من 40 حريقًا كبيرًا في تلك المستوطنات. ودخل المزيد من الأدوات الخشنة على الفعاليات، حيث تمّ، مثلًا، إشعال إطارات السيارات على طول الحدود، إضافةً لعودة عمليات الإرباك الليلي، والتي تَقرّر أن تستمرّ حتى نهاية الأسبوع على أقلّ تقدير، للضغط على حكومة الاحتلال لوقف استفزازاتها في القدس، فضلًا عن تضييقها على القطاع بعد معركة “سيف القدس".
تأتي هذه التطورات بعد ساعات من منح الكنيست، بأغلبية هشة، الثقة لحكومة الاحتلال الـ36، برئاسة تناوبية بين "نفتالي بينيت" و"يائير لبيد". وتبرز في اتفاقيات الائتلاف معالم سياسات تعميق الاستيطان، مع تأكيد خاص على تشديد القبضة على المناطق (ج)، التي تشكل 60% من الضفة الغربية المحتلة، إضافةً لمحاولة تعزيز الاستيطان مدينة القدس.
من جهتها، تستعد السلطة الفلسطينية لاحتمال استئناف مباحثات مباشرة مع حكومة الاحتلال الجديدة، لكنها لا تعول على حدوث اختراق في مثل هذه المباحثات، باعتبار الحكومة الحالية هشة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، بحسب مصدر سياسي فلسطيني. وأشار مسؤول أمريكي إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تنوي إطلاق مبادرة جديدة في الملف الفلسطيني قريبًا. ونقل المسؤول أن إدارة "بايدن" تنوي التقدم ببطء لإعطاء المجال للحكومة ”الإسرائيلية“ الجديدة لتثبيت نفسها أولًا، وستمتنع في هذه المرحلة عن أي مبادرات يمكن أن تزعزع هذه الحكومة أو تُحدث خلافات.
على المستوى الفلسطيني، أظهر استطلاع رأي، أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ارتفاعًا كبيرًا في نسبة دعم الفلسطينيين لحركة "حماس" بعد حرب غزة الأخيرة، إذ اعتبر نحو ثلاثة أرباع المستطلع آراؤهم أن الحركة حققت انتصارًا على الاحتلال. وتوصل المركز إلى استنتاج مفاده أن "شبه إجماع بانتصار حماس في المواجهة مع إسرائيل"، وأنه "أحدث انقلابًا لدى الرأي العام ضد السلطة الفلسطينية وقيادتها لصالح حماس وتأييدًا للعمل المسلح"، وأن الغالبية العظمى ترفض قرار السلطة بتأجيل الانتخابات، وأن 70% من الجمهور يطالبون بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية رغمًا عن ”إسرائيل“، فيما تقول الأغلبية إن "حماس" هي الأكثر جدارة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني.
ميدانيًا، استشهد خمسة مواطنين بينهم امرأتان وطفلان بنيران قوات الاحتلال في الضفة والقدس، فيما توفي مواطن متأثرًا بإصابته في العدوان على غزة. كما أصيب 19 مواطنًا بينهم أربعة أطفال بنيران الاحتلال، وعشرات آخرون بحالات اختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته تلك القوات في تلك الاعتداءات وغيرها في الضفة. من جهتها، نفذت قوات الاحتلال 101 عملية توغل في الضفة والقدس، جرى خلالها اعتقال 127 مواطنًا بينهم 11 طفلًا وأربع نساء وجريحان، فيما برزت حالة النضال اليومي الذي تقوده الجماهير الغفيرة في بلدة بيتا جنوب شرق نابلس، وتشهد فعاليات مواجهة الاستيطان التفافًا شعبيًا كبيرًا من سكان البلدة، للتخلص من البؤرة الاستيطانية التي بدأت محاولات جديدة لتثبيتها قبل أكثر من شهر.
وتعززت ”الحالة النضالية البيتاوية“ مع قرار وزير جيش الاحتلال بإخلاء المستوطنة (غير الشرعية) ”جفعات أفيتار"، بعد أن منح المستوطنين ثمانية أيام لإخلائها، وهو الأمر الذي منح الأهالي إحساسًا عاليًا بالنصر، لكنه لم يترجم فرحة عارمة بسبب قرار تأجيل إخلاء البؤرة أسبوعًا، وهو ما جعل من فرحة الأهالي مؤجلة إلى حين مخافة التراجع عن قرار الإخلاء. وفي ملف الأسرى، أفاد نادي الأسير الفلسطيني بأن سبعة معتقلين في سجون الاحتلال علقوا إضرابهم عن الطعام، موضحًا أن ثلاثة آخرين يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام، رفضًا للاعتقال الإداري.
وفي قطاع غزة، قصفت طائرات الاحتلال مواقع مختلفة في قصف هو الأعنف منذ انتهاء الحرب الرابعة، حيث سُمع دويه بشكل كبير في مناطق واسعة من القطاع، ردًا على إطلاق البالونات الحارقة، ما يشير لمحاولة الاحتلال فرض قواعد اشتباك مختلفة مع المقاومة. وعطفًا على ذلك، يحاول الكيان إيجاد معادلة جديدة له مقابل السماح بالإعمار ودخول المنحة القطرية، لا سيما خلال تواجد وفده في القاهرة؛ حيث تبحث المخابرات المصرية مع الوفد الأمني "الإسرائيلي" منع انهيار وقف إطلاق النار. كما تحمل الأوضاع بغزة مؤشرات قوية على أنّ انفجارًا وتصعيدًا قد يحدثان قريبًا، في ظل استمرار القيود "الإسرائيلية" على القطاع، والتي تشمل تضييق مساحة الصيد وإغلاق المعابر بشكل شبه كامل مع السماح بمرور بضائع أقل للقطاع.
من جانب آخر، كشفت مصادر مصرية عن حالة استياء مصري من السلطة الفلسطينية، بسبب ما سمّته الالتفاف على الجهود المصرية الرامية لتهدئة الأوضاع والسيطرة على المشهد الفلسطيني. وقالت المصادر إن اتصالات مباشرة جرت مؤخرًا بين السلطة ومسؤولين "إسرائيليين" بارزين، لإبداء تشدد في ملف إعادة إعمار غزة وتخفيف الحصار. وكشفت المصادر أن السلطة غير راضية عن طريقة التعامل المصري مع ملف غزة بعد الحرب الأخيرة، فيما طار وفد وزاري ضم نائب رئيس الوزراء، زياد أبو عمرو، إلى القاهرة لبحث هذا الملف. وظهرت الخلافات بين السلطة ومصر بعدما تبنت الأخيرة طلب الفصائل الفلسطينية تشكيل لجنة للإشراف على ”إعادة الإعمار“، وهو ما رفضته السلطة، ضمن خلاف أوسع حول العديد من القضايا انتهى لتأجيل لقاءات الفصائل التي كانت مقررة في القاهرة، السبت الماضي. كما ظهر خلاف جديد له علاقة بالسيادة الاقتصادية في غزة، وأصدرت اللجنة الإدارية العليا في غزة قرارًا يسمح لمستوردي السيارات باستيراد سيارات حديثة وقديمة من مصر، بينما اعتبرت السلطة، على لسان مصدر مسؤول، أن تحويل استيراد السيارات من معبر بيت حانون إلى معبر رفح جزء من خطة للانفصال.
إلى ذلك، وصل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس“، إسماعيل هنية، إلى الرباط، في زيارة قالت الحركة إنها تهدف إلى “تحشيد الموقف العربي والإسلامي لخدمة القضية الفلسطينية، وحماية القدس والمسجد الأقصى من التهديداتط". وأوضحت الحركة أن "هنية" وصل المغرب بعد أن قام بلقاء أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ثم التقى وزير المخابرات المصري في القاهرة، وسيزور موريتانيا مطلع الأسبوع المقبل.