استنتاجات الموجز:
توافقات واختلافات داخل "كابينت" الاحتلال والوضع الأمني في قطاع غزة لا يزال هشًا
ارتياح "إسرائيلي" لاستقرار الأمن في الضفة الغربية وسط تشجيع الاحتلال لتنامي الدور المصري في غزة
شهدت الأيام الأخيرة جملة تطورات متلاحقة على الصعيدين الأمني والعسكري داخليًا وخارجيًا، سواءً مع انعقاد أول اجتماع للكابينت المصغر والكشف عن جدول أعماله على مختلف الجبهات المتوترة، بجانب استمرار هشاشة التهدئة في غزة بسبب عدم استقرار الظروف الإنسانية، وابتزاز الاحتلال للمقاومة، فضلًا عن التقييم "الإسرائيلي" الراضي نسبيًا عن الهدوء السائد في الضفة الغربية، وتهديد الفلسطينيين في لقمة عيشهم، وأخيرًا حالة الدفع "الإسرائيلية" المتزايدة لرفع مستوى النفوذ المصري في غزة على حساب قطر وتركيا.
فمع انعقاد أول اجتماع "للكابينت" "الإسرائيلي" المصغر، كشفت النقاشات التي تسربت عن توافق في معظم القضايا الأمنية الداخلية، حيث لا تكاد توجد فجوات كبيرة بشأنها بين اليمين واليسار من مكونات الحكومة الجديدة، باستثناء القضية الفلسطينية. ومن القضايا المتوافق عليها داخل أروقة الحكومة الجديدة، مواجهة تسلل إيران إلى العتبة النووية ووجودها في سوريا والعراق والوضع السوري والتهديد العسكري لحركة "حماس" في غزة، وعلاقات "إسرائيل" بالولايات المتحدة والصين وروسيا، واتفاقيات التطبيع، ومكانة "إسرائيل" السياسية في العالم.
وقد بدا واضحًا أن الحكومة تسعى، كما هو متوقع، للتركيز على القضايا المهمة للغاية بل والعاجلة، وهي ذات طابع استراتيجي، وربما وجدت نفسها على جدول أعمال "الكابينت" في أول اجتماعاته، وعلى رأسها الاستمرار في خوض "المعركة بين الحروب"، لا سيما على صعيد وقف تمركز إيران في سوريا ولبنان وغرب العراق وإعادة تقييم مخاطرها. ووفقًا لما هو متاح من معلومات مسربة، لم يغب التهديد الذي يشكله "حزب الله" عن أجندة الحكومة الجديدة، رغم انقضاء 15 عامًا من الصمت، لكنها لا تضمن المستقبل؛ فلكل ردع تاريخ انتهاء، لاسيما في ضوء ما بناه الحزب من قوة كبيرة من الصواريخ الدقيقة، بجانب قوة برية كبيرة، ما يجعل مجلس الوزراء الجديد مطالبًا بتعلم دروس حرب لبنان الثانية، استعدادًا لحرب الشمال الأولى أو حرب لبنان الثالثة.
كما كانت غزة حاضرة بقوة على جدول الأعمال الأول لـ"الكابينت"، تحديدًا بما يجب فعله إزاء الوضع فيها؛ فقد انتهت الحرب الأخيرة دون حسم حقيقي، وبات واضحًا أن الردع لم يتحقق، ولم يتم الاتفاق على المعايير الخاصة بوقف إطلاق النار، وحل قضية الأسرى والمفقودين وإعادة إعمار غزة. وعند الحديث عن نتائج الحرب الأخيرة، تعتبر قطاعات واسعة من "الإسرائيليين" أن "حماس" ليست مرتدعة تمامًا ولا ضعيفة عسكريًا، بل تزداد قوة جولة تلو الأخرى، ما يجعل الحكومة مطالبة بالاستعداد لاستئناف إطلاق النار. ويمكن قراءة خاتمة هذه القضايا المرتبطة بالصراع الفلسطيني-"الإسرائيلي"، فيما تثيره من خلافات داخل الحكومة، بين الإبقاء على الوضع الراهن، كما يرى اليمين، أو تحريك عملية التسوية، كما تطالب قوى المركز، مع توقع وصول ضغوط خارجية أمريكية وأوروبية لاستئنافها.
في الوقت ذاته، وعند الحديث عن المعادلة "الإسرائيلية" القائمة أمام "حماس"، تتزايد القناعات "الإسرائيلية" أن الأمر سيستغرق وقتًا حتى تظهر "إسرائيل" أنها مصرة على تغيير المعادلة، من خلال الرد على إطلاق البالون كالرد على إطلاق الصاروخ، ما دفع رئيس الأركان، كوخافي، بالطلب من جيشه الاستعداد لأيام من المعارك في غزة، وزيادة يقظة بطاريات القبة الحديدية، تزامنًا مع إعلان وزير الحرب، غانتس، أن "إسرائيل" تعتزم تغيير المعادلة تجاه القطاع.
وتعول "إسرائيل" على أن يعاني الفلسطينيون بعد الحرب في غزة، بعدم إدخال أي بضائع، ووقف تحويل الأموال القطرية، وعدم البدء في أي مشاريع لإعادة الإعمار، وهو ما حصل فعلًا، وتسعى تل أبيب لتفريغ الانتصار الذي حققته المقاومة من مضمونه، بالضغط الاقتصادي على السكان، وهو ما أدركته المقاومة مبكرًا، ودفعها لبدء إطلاق البالونات الحارقة، لكن الرد "الإسرائيلي" القاسي عليها، دفع الوسطاء للتدخل ما أوقف التدهور في لحظاته الأخيرة.
على صعيد الضفة، يعترف "الإسرائيليون" أن "حماس" تنظر للاستقرار الأمني النسبي فيها باعتباره أحد تحدياتها الاستراتيجية، لأنها على مدى عقد ونصف سعت بقوة، لكن دون نجاح كبير، لإشعال الوضع الأمني هناك عبر "انتفاضة ثالثة"، وتشجيع موجة من العمليات الشبيهة بالانتفاضة الثانية. ومع ذلك، لا تزال الضفة مستقرة نسبيًا على الصعيد الأمني، رغم الأزمات الحادة التي نشأت بين "إسرائيل" والفلسطينيين، بما فيها أربعة حروب في غزة ونقل السفارة الأمريكية للقدس ونشر صفقة القرن. ويضع "الإسرائيليون" أيديهم على ما يعتبرونه أسبابًا للاستقرار الأمني في الضفة، لعل أولها أن الجمهور الفلسطيني يعيش مرحلة ما بعد "صدمة" الانتفاضة الثانية، والأثمان الباهظة التي دفعها، وثانيها تجنب السلطة لاستخدام العنف، وثالثها فرض القيود "الإسرائيلية" والفلسطينية المستمرة على "حماس"، ورابعها ما تنتهجه "إسرائيل" من سلوك سياسي وأمني لإنعاش الوضع الاقتصادي في الضفة.
كل هذه الأسباب، وغيرها، جعلت الأوضاع الأمنية في الضفة تقوم على جملة افتراضات "إسرائيلية" متعلقة بمصالح السلطة والجمهور، بدليل أنه رغم الحرب الصعبة على غزة، لم تنشأ جبهة مسلحة أخرى ضد "إسرائيل" في الضفة، رغم ظهور عدد من التوترات فيها، شارك فيها آلاف من الفلسطينيين. وفي هذه الحالة، طالبت الحكومة "الإسرائيلية" بتعزيز الإجراءات السابقة المتعلقة بتحسين الواقع المعيشي في الضفة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع تصاريح العمال والتجار، والاستمرار في ضمان عدم "رفع حماس لرأسها"، وإحكام التنسيق مع السلطة على جميع المستويات.
إقليميًا، تزايدت الدعوات "الإسرائيلية" للسماح لمصر بمواصلة دورها المتنامي في غزة بصورة لافتة، انسجامًا مع الموقف الأمريكي الراغب بذلك، كما بدا خلال حرب غزة والاتصالات الماراثونية التي أجراها "بايدن" مع "السيسي" بعد قطيعة استمرت أشهر، وإعراب الأخير عن رغبته واستعداده لذلك، لاسيما المساعدة في إعادة إعمار غزة. في هذا الإطار، ينطلق الموقف "الإسرائيلي" من تحييد شبه كامل لأي محاولة من جانب تركيا وقطر للمطالبة بمكانة مركزية في القطاع، كما فعلتا عقب حربي 2012 و2014، باعتبارهما داعمتان أساسيتان لحكم "حماس". ورغم بعض الهدوء في علاقات القاهرة وأنقرة، بسبب جهود التسوية في ليبيا في الأشهر الأخيرة، لكن تنافسهما الأساسي لا يزال قائمًا.
كما لم يعد سرًا أن "إسرائيل" لديها مصلحة واضحة في إدارة الجهد السياسي المصري في غزة، بصفتها شريكًا كاملاً في "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تُعقد اجتماعاته في القاهرة، وباتت جزءً من شبكة استراتيجية تلعب فيها "إسرائيل" أيضًا دورًا مهمًا، لأنها مهتمة بعدم تدهور الأوضاع على حدود سيناء، حيث تخوض مصر حملة طويلة وصعبة، بمساعدة "إسرائيلية". كما إن "إسرائيل" على قناعة أن المصريين لن يصبحوا من أتباع "حماس"؛ فهم يعرفون جيدًا أنها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، لكنها معنية بتبديد العداء، كي تحافظ على أمن سيناء، رغم أن المعلومات "الإسرائيلية" المتوفرة تتحدث أن "محمود عباس" غاضب من المصريين، واشتكاهم للأمريكيين لأنهم يعززون مواقفهم مع "حماس".