استنتاجات الموجز:
وقف إطلاق النار في غزة ما زال هشًا للغاية وسط تخوف "إسرائيلي" من انتقال الإرباك الليلي إلى الضفة الغربية
تراجع خدمة البدو في جيش الاحتلال بسبب حرب غزة والموساد يدخل على خط الاستقطاب السوداني الداخلي
شهد هذا الأسبوع تطورات أمنية وعسكرية متلاحقة، أولها تزعزع الأوضاع الأمنية في غزة وعدم استقرارها وإمكانية اندلاع مواجهة جديدة، وثانيها انتقال عمليات الإرباك الليلي التي ابتدعتها غزة على الحدود مع المستوطنات إلى الضفة الغربية، وثالثها وجود معطيات عسكرية "إسرائيلية" عن تراجع انخراط البدو في صفوف الجيش كأحد نتائج حرب غزة، ورابعها تنامي التدخل الاستخباري "الإسرائيلي" عبر الموساد في الخلافات السودانية الداخلية.
فرغم مضيّ أكثر من شهر على وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال في غزة، إلا أن التوترات الأمنية لا تهدأ على حدود القطاع، والمنظمات الفلسطينية تهدد باستئناف إطلاق البالونات الحارقة والنشاط الليلي على السياج الحدودي، بسبب تعثر المبادرة المصرية لتحقيق التهدئة، كما لم يحصل أي تقدم بصفقة تبادل الأسرى، فيما حالت عقبات كثيرة دون المضي في إعادة إعمار غزة.
بدورها، هددت حركة "حماس" باستئناف المقاومة الشعبية باستخدام البالونات الحارقة والإرباك الليلي على الحدود، إذا ماطل الاحتلال بالتزاماته تجاه غزة وأجّل إعادة إعمارها. ورفضت الحركة مطلب الاحتلال بربط إعادة الإعمار بعودة أسراه لديها، رغم أن وفدًا أمنيًا "إسرائيليًا" زار القاهرة عدة مرات في الأيام الماضية بشأن احتمالات إبرام الصفقة. وأول الخلافات بين "حماس" والاحتلال هو أن الحركة تسعى من صفقة التبادل لجباية ثمن باهظ من "إسرائيل"، أكثر بكثير من صفقة 2011، وثانيها مستقبل المنحة القطرية الشهرية البالغة 30 مليون دولار، التي توافق "إسرائيل" على إدخالها لغزة نقدًا كل شهر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، لكنها تعارض الآن تحويلها نقدًا وتطالب بدخولها عبر السلطة الفلسطينية أو الأمم المتحدة أو مصر. وثالث تلك الخلافات يتعلق بالمعابر بين "إسرائيل" وغزة التي ما زالت مغلقة، رغم فتحها بصورة متقطعة، ومنطقة الصيد ذات الستة أميال فقط.
وفي حال لم يتم التوافق على هذه المسائل، فإن "حماس" ستستأنف التصعيد على حدود غزة، وتبدأ إطلاق بالونات حارقة، ما يعني أن جولة أخرى من القتال بينهما لن تتجاوز عدة أسابيع، لاسيما وأن مجلس الوزراء الأمني الجديد استمع خلال هذا الأسبوع لمراجعات من قادة الجيش حول الاستعدادات لجولة قتال جديدة.
على صعيد الضفة الغربية، بدأ الفلسطينيون هناك تبني نظام "المضايقات الليلية" المستخدم في غزة، لإخلاء بؤرة إيفيتار الاستيطانية في منطقة نابلس باعتبارها طريقة فعالة، ويعتزمون استخدامها ضد مستوطنات أخرى في الضفة، خاصةً في قريتي بيتا وبيت دجن. وهذا الأسلوب الفلسطيني الليلي الجديد يشمل الإطارات المحترقة، وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، ومسيرات المشاعل، واستخدام الألعاب النارية، وعبوات الأنابيب، وضجيج مكبرات الصوت المستمر، لمضايقة سكان البؤرة الاستيطانية في إيفيتار، والضغط على جنود الجيش الذين يقومون بتأمينها.
وقد بدأت هذه الممارسة الفلسطينية مباشرة بعد انتهاء حرب غزة، وتطورت بشكل تدريجي إلى حدث كبير يحدث يوميًا، وباتت تشكل مصدر احتكاك خطير في الضفة بين الجيش والمستوطنين وسكان القرى الفلسطينية. وهو أسلوب لا يتطلب الكثير من المال والموارد، وكل شيء يتم بروح تطوعية، ويهدف لجعل الحياة صعبة على المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يحمونهم، وزيادة الوعي القومي لسكان الضفة بمعارضتهم للمشروع الاستيطاني، وتأييدهم لنشاط "المضايقات الليلية".
هذا، فضلًا عن الآثار السلبية المباشرة لهذا الأسلوب على المستوطنين والجيش، لكن المؤسسة العسكرية للاحتلال تخشى أن يؤدي هذا النشاط الشعبي لزيادة التصعيد بالضفة، بما يخدم مصالح "حماس" التي تريد إحداث انتفاضة جديدة فيها. وقد تشكل هذه الممارسات أداة ضغط جديدة على إدارة "بايدن" للمطالبة بتفكيك هذه البؤرة الاستيطانية، رغم أنها تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة للاحتلال؛ لمنع الارتباط الجغرافي بين القرى الفلسطينية.
على صعيد الداخل "الإسرائيلي"، ما زالت تأثيرات الحرب الأخيرة على غزة تتفاعل، حيث كان آخرها بين الجنود البدو المنخرطين في جيش الاحتلال؛ وتجلى ذلك في مجموعة مؤشرات منها مغادرة مجموعات "واتس آب" للجنود، وهروب من القواعد العسكرية وطلبات للتنقل بدون الزي العسكري. وتعني هذه المعطيات أن العدوان على غزة خلق شرخًا اجتماعيًا بين الجنود البدو والمسلمين ونظرائهم من اليهود، فالخطاب التحريضي في شبكات التواصل بات مؤثرًا، وحتى في المناطق المحلية يتعاملون بـ"كتف باردة" مع أولئك الجنود، ولا يزال الجيش يحاول فك شفرة كيفية التعامل مع هذا التعقيد الناشئ، ويخشى انخفاض معدل التجنيد في صفوفهم.
صحيح أن حرب غزة انتهت، لكن فيما يتعلق بالجنود البدو في الجيش فما زالت تستمر في إحداث المزيد من الموجات الارتدادية؛ فبعضهم لديه عائلات ممتدة في غزة، والبعض الآخر يتعرض لضغوط من عائلاتهم، ما ترتب عنه حالة من الإحجام عن الانخراط في صفوف الجيش بأشكال مختلفة. بدورها، حذرت شعبة القوى البشرية في الجيش "آكا" من أزمة اجتماعية حادة في صفوف الجنود البدو داخل الجيش، لأنهم باتوا يشعرون أنهم منبوذون في مجتمعهم، بسبب زيادة حالة النقد العام لانخراطهم في الجيش، مع التركيز على العوامل الدينية في مكان إقامتهم، كما تم الإبلاغ عن حوادث استثنائية بين الوحدات القتالية.
وفي الحالات القصوى، فرّ بعض الجنود البدو من القواعد العسكرية، وعندما اتصل القادة لمعرفة سبب الهروب أعلنوا أنهم لا يعتزمون العودة للخدمة في الجيش، حتى إن أحدهم أبلغ ضابطه أن السبب هو قصف عائلاتهم في غزة، أو بسبب الأضرار التي لحقت بالمسجد الأقصى والقدس.
على الصعيد الإقليمي، كشفت أوساط إعلامية "إسرائيلية" أن أوساطا حكومية في السودان غاضبة من الزيارات المتكررة لمبعوثي جهاز "الموساد" لقائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وزيادة اتصالاتهما الخاصة، وهو الرجل الثاني في مجلس السيادة الانتقالي بعد الرئيس، عبد الفتاح البرهان، لكن بوادر خلافات بينهما ظهرت مؤخرًا وسط توتر بين قوات الدعم السريع والجيش.
يذكر أن آخر زيارات مسئولي "الموساد" للخرطوم تمت الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، حيث اجتمعوا مع أعضاء من قيادة المليشيا العسكرية التي تتهمها السلطات بالرغبة في الاستيلاء على البلاد، واستبدال القيادة، في إشارة إلى "حميدتي"، ويرون أن هذه الاتصالات تقوض السلطات الشرعية في السودان.
هذا، مع العلم أن البيانات حول مواقع تتبع الطائرات أظهرت أن طائرة استخدمها رئيس "الموساد" السابق، يوسي كوهين، هبطت عدة مرات في السودان، على متنها مسؤولون كبار في الجهاز، حضروا لقاءات مع رجال "حميدتي"، الذي يسيطر على العديد من موارد السودان، ويعتبر من أغنى أغنيائها، وتعمل ميليشياته بشكل مستقل، ولا تخضع للجيش أو الحكومة، وذو أجندة مستقلة.
إضافةً إلى ذلك، فإن "حميدتي" حاول، منذ بدء عملية التطبيع، البحث عن قنوات اتصال مع "إسرائيل"، والتقى مع كبار مسؤولي "الموساد" في آب/ أغسطس 2020، ما دفع "البرهان" أن يشتكي من ذلك عدة مرات خلال فترة وجود "نتنياهو" رئيسًا للوزراء، وبعد تنحيه عن منصبه اشتكى السودانيون للسفير الأمريكي في الخرطوم، وأعربوا عن استيائهم من السلوك "الإسرائيلي" في بلادهم.