استنتاجات الموجز:
الرسائل الحربية المتبادلة بين أمريكا وإيران داخل سوريا تنذر بتدهور الأوضاع العسكريّة وأن المنطقة ستكون ميدان صراع محتمل بين الطرفين
لا تبدو إدلب ماضية باتجاه خفض التوتر العسكري رغم اتفاق تركي روسي على تجديد هدنة وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بها
تهديد قوات النظام باقتحام درعا البلد يشير لمزيد من الفوضى والفلتان الأمني جنوب سوريا ما سيؤدي لمزيد من الاعتقالات والاستهدافات الأمنية
تمر منطقة شرق سوريا بمنعطفٍ جديد، غيّر مسار الأجواء العسكريّة والأمنيّة السائدة والهادئة نسبيًّا بين القوات الأمريكية والإيرانيّة، كونهما كانا يبتعدان حتى الآن عن المواجهة المباشرة، إلى تصاعد خطير بالعمليات العسكريّة، حيث تبدو المنطقة أنها ستكون ميدان صراع محتمل بين الطرفين بعدما تبادلا الرسائل بالنار والقصف المتبادل.
وجاء هذا التصعيد عقب قصف أمريكي استهدف مقار "كتائب سيد الشهداء" العراقية المدعومة إيرانيًّا، داخل الحدود السورية، ما دفع إيران ومجموعاتها إلى الرد مباشرةً على الرسائل الأمريكيّة عبر قصف كتائب "أبو الفضل العباس" التابعة لـ"الحشد الشعبي" العراقي والمتمركزة بريف ديرالزور الشرقي، بثمانية صواريخ "قاعدة حقل العمر النفطي" التي تتمركز داخلها قوات التحالف الدولي. بالمقابل، رد التحالف الدولي بقصف بالمدفعية الثقيلة على مصادر النيران، تلته غارات جوية مكثفة شنتها طائرات التحالف على مقرات ومواقع هذه الكتائب. وأكّدت قوات التحالف تعرض قاعدة أمريكية في سوريا لقصف صاروخي، من دون وقوع إصابات، معتبرةً أنّ القوات الأمريكية كانت في حالة "دفاع عن النفس" و"ردّت بقصف مدفعي للمواقع التي أطلقت منها الصواريخ".
وتشير المعطيات في الشرق إلى أنّ الطرفين يتحسبان لاستمرار المواجهة بينهما، حيث كثّفت قوات التحالف الدولي من طلعاتها الجويّة ومراقبة مناطق التماس ومنطقة شرق سوريا، تحسبًا لأي استهداف لمواقعه، فيما شهدت مناطق سيطرة المجموعات الإيرانيّة استنفارًا وانتشارًا لعناصرها، في المنطقة الممتدة من مدينة الميادين غربًا إلى مدينة البوكمال شرقًا، تخوفًا من أي ضربات جوية جديدة.
بموازاة ذلك، لا تبدو منطقة "خفض التصعيد" في الشمال الغربي السوري على خطى التهدئة من جديد، رغم الاتفاق التركي الروسي على خفض التوتر العسكري وتجديد هدنة وقف إطلاق النار، استنادًا إلى اتفاق سوتشي في آذار/ مارس 2020، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، بحسب ما أعلن عنه وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، بعد لقاء نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو. ولم يوضح الجانبان المقصود بـ"المنطقة الخالية من الوجود العسكري"، وما إذا كانت ذاتها "الممر الآمن" على جانبي الطريق الدولي اللاذقية - حلب "M-4".
وقُبيل الاتفاق وبعده، لم يهدأ قصف قوات النظام بالمدفعية الثقيلة والصواريخ على عدة قرى وبلدات، في أرياف إدلب وحماة وحلب ضمن ما يُعرف بمنطقة "خفض التصعيد" الرابعة، ومحيط النقاط التركية بالمنقطة، ما أدى لوقوع قتلى وجرحى وأضرار بممتلكات المدنيين. بدورها، ردت فصائل المعارضة باستهداف أكثر من 30 موقعًا لقوات النظام والمجموعات المرتبطة بإيران وروسيا، ومنها مقرات قوات "الفيلق الخامس" و"الفرقة 25 مهام خاصة" على خطوط التماس في مدن وبلدات ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي.
من جهةٍ أخرى، دفعت قوات "الفيلق الخامس" المدعومة روسيًّا بتعزيزات عسكرية ضخمة قوامها 200 عنصر، معزَّزين بدبابات ومدافع ثقيلة من جبهات إدلب إلى البادية، بغية استكمال الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام وروسيا ضد خلايا تنظيم "داعش"، المنتشرة في المناطق التي يُسيطر عليها النظام. ويأتي ذلك، بعدما شن التنظيم هجمات مباغتة ونصب كمائن استهدفت الأرتال العسكرية وقوافل النفط التابعة للنظام، ما أدى لمقتل عشرات العناصر من "لواء القدس" الفلسطيني، و"الدفاع الوطني"، وقوات "الفرقة 25 مهام خاصة"، و"الفيلق الخامس".
في غضون ذلك، شدّدت روسيا وقوات النظام الضغوط على أبناء محافظة درعا جنوب البلاد، امتدت من درعا البلد إلى مدينة الصنمين شمالي المحافظة. وحاصرت قوات النظام مدينة درعا البلد وأغلقت جميع الطرق المؤدية إلى المدينة، وبدأت التدقيق في بيانات الداخلين والخارجين، وذلك بعد رفض الأهالي مطلبًا روسيًا لتسليم السلاح الخفيف، ودخول الجيش والأجهزة الأمنية وقوات روسية للمنطقة وتفتيشها. وعلى إثر هذه الأحداث، استقدمت قوات النظام حشودًا عسكريّة باتجاه المحافظة، مع التهديد بإطلاق المجموعات العسكريّة الإيرانية في المنطقة، في حال عدم الاستجابة لهذه المطالب.
في الشأن السياسي، استقبل رئيس النظام، بشار الأسد، مبعوث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، لبحث تطورات المسار السياسي السوري، وتحديدًا تحضيرات اجتماعات أستانة و"اللجنة الدستوريّة". وأكّد الجانبان على ضرور استمرار العمل بمسار أستانة دون أي تدخلات خارجية تعرقل الوصول إلى نتائج إيجابية من خلال هذه الاجتماعات.
وتأتي هذه الزيارة في ظل تطوّرات إقليميّة ودوليّة أعادت الملف السوري إلى الواجهة، كان آخرها حضور سوريا في لقاء "بايدن"-"بوتين" الأخير، واجتماع وزيري خارجية تركيا وروسيا، إضافةً لحضور الملف السوري خلال الاجتماع الوزاري لدول التحالف بمشاركة أمريكا وممثلين عن 81 دولة من التحالف.
بالمقابل، يعاني فريق المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، من انسداد الأفق فيما يخص ملف "اللجنة الدستورية"، حيث وضع الرئيس المشترك "للجنة الدستورية" عن جانب النظام، أحمد الكزبري، ملاحظات على مقترح الجولة السادسة من اجتماعات "اللجنة"، قد تُطيح بالمقترح، وهو ما يعني أن النظام قام بتعطيله، وهذا أمر لم يكن فريق بيدرسون يتوقعه، خصوصًا أن روسيا أعلنت رضاها عن المقترح، وأخبرت "بيدرسون" أن النظام سيكون أكثر جديّة في التعامل مع ملف "اللجنة" بعد الانتهاء من انتخاباته الرئاسية.
في خضم ذلك، عُقد مؤتمر روما بشأن سوريا بمشاركة 19 دولة، ولم يأتِ بجديد فيما يخص الأزمة السورية، حيث أعاد التأكيد على نقاط منها أنّ "الحل وفق قرارات مجلس الأمن"، و"ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا". وجاء المؤتمر قبيل أيام من الجلسة المرتقبة لمجلس الأمن في العاشر من تموز/ يوليو، حول قرار تمديد مرور المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى، ليؤكد على ضرورة تلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين، وهو ما يُشير إلى رغبة الإدارة الأمريكية بحشد حلفائها في مواجهة روسيا والضغط في الملف السوري.
من جانبهم، يترقب السوريون ما سيؤول إليه الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن، خاصةً مع رفض روسيا توصيل المساعدات من العراق إلى شمال شرق سوريا، إذ وصف سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، اقتراحًا بإعادة فتح معبر حدودي من العراق إلى سوريا لتقديم المساعدات الإنسانية بأنه "غير مجدٍ"، مؤكّدًا أنّ روسيا تناقش فقط إمكانية استمرار عمليات تسليم المساعدات عبر معبر باب الهوى إلى إدلب شمال غرب سوريا.
في الأثناء، حذّرت وزارة الخارجية الأمريكية الدول والكيانات من فرض عقوبات عليها، في حال "تطبيع" علاقاتها مع النظام السوري وخرق قانون "قيصر"، الذي ينصّ على فرض عقوبات على النظام وداعميه من الأشخاص والكيانات.