استنتاجات الموجز:
دعوة "إسرائيلية" لافتة لإعادة احتلال غزة مقابل تخوف "إسرائيلي" من استنزاف بشري بسبب الاستيطان
خلاصات "إسرائيلية" للاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية وتقييم سلبي لقدرات الجيش "الإسرائيلي" وعدم جاهزيته
شهد الأسبوع الأول من تموز/يوليو الجاري متابعات إسرائيلية مكثفة للأوضاع الداخلية والخارجية؛ حيث صدرت دعوات جديدة بإعادة احتلال قطاع غزة لإسقاط حكم حركة "“حماس”"، بديلًا عن الحروب الفاشلة المتكررة، بينما تزايدت التحذيرات "الإسرائيلية" من استنزاف المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على غرار ما حصل جنوب لبنان، فضلًا عن مراقبة "إسرائيلية" مكثفة للمظاهرات العارمة في الضفة ضد السلطة الفلسطينية، وخيبة الأمل من تراجع مستوى الجيش وترهل قواته.
فمع استمرار التوتر الأمني في غزة بين المقاومة والاحتلال، صدرت أصوات "إسرائيلية" جديدة تدعو إلى أخذ العبرة من الفشل المتكرر في ردع "“حماس”" على مر السنين، ما قد يتطلب إسقاط حكمها من خلال احتلال غزة، كخطوة نحو التعامل مع التهديدات التالية. صحيح أن التهديد الذي تشكله غزة على "إسرائيل" ثانوي من حيث الأهمية، مقارنةً بالجبهتين اللبنانية والإيرانية، لكن تسلح "“حماس”" المستمر وفشل "إسرائيل" بردعها يزيدان من التهديد بمرور الوقت. وينطلق هذا الصوت "الإسرائيلي" بإعادة احتلال غزة من فرضية مفادها أنه بعد الإطاحة بحكم "“حماس”" في غزة، سيكون أمام "إسرائيل" خيار تعزيز سياسة الردع ضد "حزب الله" في لبنان، ثم التركيز حصريًا على تهديد برنامج إيران النووي العسكري. ومن أجل تقليص التهديدات عليها، من الضروري أولًا التركيز على تهديد "“حماس”" والقضاء عليه، لأنها أصبحت في العقود الأخيرة قوة حكومية مهمة مسؤولة عن القطاع وسكانه.
في الوقت ذاته، يعتقد أصحاب هذا المطلب "الإسرائيلي" أن “حماس” لا تزال تضع التسلح العسكري والأيديولوجية الإسلامية على رأس أولوياتها، وفي مثل هذا الواقع توجد صعوبة كبيرة في ردعها على المديين المتوسط والبعيد، ما يعني أن "إسرائيل" يجب أن ترد على الحركة بقوة نيران أكبر بكثير ضد أهداف ذات جودة أعلى بكثير، وبكمية أكبر بكثير من الهجمات، والانتقال لاستراتيجية أكثر هجومية عبر "المعركة بين الحروب". وعلى المدى الطويل، ترى المحافل "الإسرائيلية" أنه مطلوب من الحكومة والجيش الانتقال لسياسة تزيل أو تقلل بشكل شبه كامل من تهديد “حماس” في غزة، على أن تشمل إسقاط حكمها من خلال احتلال القطاع بدلًا من إضعافها فقط. وهذا التغيير في السياسة مرده لفشل التجربة "الإسرائيلية" مع "حماستان" في السنوات الـ15 الماضية، حيث جربت خيارات مختلفة دون جدوى.
ويتمثل هذا الخيار "الإسرائيلي" من خلال عمليات برية داخل القطاع واحتلاله، وتقسيمه لمناطق سيطرة من أجل التطهير التدريجي والمستمر للسلاح، وتستمر لعدة سنوات، ويواصل الجيش وجوده على الأرض لفترة محدودة للحفاظ على الوضع الأمني واستقراره، وقطع أي احتمال لإقامة "حماستان" ثانية.
على صعيد الوضع في الضفة الغربية، ومع ضغط المقاومة الشعبية التي نفذها الفلسطينيون ضد البؤرة الاستيطانية المسماة "أفيتار"، ورغم الحديث عن إخلائها مؤقتًا، لكن التقديرات "الإسرائيلية" المتزايدة تحذر أن مثل هذه البؤر قد تعيدهم إلى الوحل اللبناني، لكن هذه المرة في عمق الأراضي الفلسطينية، بعد أن نزفت "إسرائيل" عدة سنوات جنوب لبنان، من خلال حزام أمني سعى لخلق تواصل بين البؤر العسكرية آنذاك، واليوم وتحت الذريعة الزائفة ذاتها لاستمرارية الاستيطان، يظهر واقع مماثل في الضفة.
يذكر أن مستوطنة أفيتار، إن قدر لها أن تبقى على أراضي الفلسطينيين رغم الحديث العلني عن إخلائها، ستشكل مصدر نزيف لـ"إسرائيل"، لأنها ستفسح المجال لزيادة خسائرها البشرية، حيث سيصبح ثمن الدم باهظًا، في ظل أن الواقع الأمني في الضفة يشير لإنشاء المزيد والمزيد من المستوطنات المعزولة. ولأن مستوطنة أفيتار، المقامة على أراضي قرية بيتا، ستجلب معها بؤرة استيطانية معزولة أخرى، ومعها قوافل محمية لأطفال المستوطنين، حتى إن جهاز الأمن العام سيضطر لإنشاء منطقة أمنية خاصة لحماية "لصوص" الأراضي المستوطنين، ما سيكلفهم الدماء.
هذا، مع العلم أن الأسابيع الأخيرة شهدت استشهاد ستة فلسطينيين من سكان بيتا وإصابة أكثر من 30 آخرين، وكأن "الإسرائيليين" يعيدون إنتاج ما عاشوه جنوب لبنان؛ لأن هذه المعاناة لا بد أن تنتقل للجانب الآخر من "الإسرائيليين"، بسبب إرسال الجنود لحماية مستوطنة أقيمت على أرض ليست ملكهم، أي إنهم يقومون بحماية اللصوص، وهم قادة المستوطنين، الذين يواصلون توريط "إسرائيل" وجيشها بمهمات غير ضرورية، بل تقوم في الغالب على أسس من الكذب والسرقة.
على صعيد المظاهرات الضخمة التي تجوب الضفة هذه الأيام، خرجت استنتاجات "إسرائيلية" مفادها أن الفلسطينيين يفضلون حكم “حماس”، وأن الحركة باتت البديل الوحيد لنظام منظمة التحرير، لاسيما بعد قتل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لمعارضها السياسي، نزار بنات. وقد كشفت الأحداث الأخيرة في الضفة عن جملة من الحقائق "الإسرائيلية"؛ أولها خطأ الافتراض بأن الفلسطينيين تحولوا على مر السنين إلى جمهور على الطريقة الغربية، وثانيها أن السلطة الفلسطينية لن تكون ديمقراطية حتى لو تحولت إلى دولة، بل ستكون فاسدة وقاسية وقمعية، وستتكرر حالات مثل "نزار بنات"، وثالثها أن فرص قيام دولة فلسطينية إذا حصلت انتخابات ستكون منخفضة جدًا. ورابع الحقائق "الإسرائيلية" تتمثل في كون “حماس” الحاضر والفاعل الأكبر في الساحة الفلسطينية، وسيتم حفر اسمها في الرمال، وخامسها أن دولة فلسطينية ستقوم، يكون لها حدود برية مع الأردن، ستحول القدس إلى مستوطنة سديروت جديدة ودولة "إسرائيل" بأكملها إلى مستوطنات غلاف غزة.
على الصعيد العسكري "الإسرائيلي" الداخلي، تزايدت التحذيرات من تنامي الثغرات التنظيمية في الجيش، وغياب ثقافة الانضباط، وتراجع التحكم والمراقبة، والتوجيه والمرافقة، وعدم ضمان تنفيذ الأوامر، ووجود حالة من تداعي الثقافة التنظيمية والإدارية والقيادية، وكل ذلك يزيد من حالة التدهور في صفوف الجيش. كما أدى تقصير مدة الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش لخلق حالة خطيرة للغاية، من عدم القدرة على تدريب الجنود بشكل صحيح في الخدمة النظامية، وتحويلهم إلى مقاتلين ليس لديهم خبرة عملياتية وقدرات مهنية، وعدم قدرتهم على مواجهة التحديات المعقدة، فضلًا عن النقص الحاد للغاية في الجنود وباقي عناصر الجيش.
وهذا يمنح المخاوف "الإسرائيلية" مزيدًا من الوجاهة والمصداقية أنه عندما يتم تسريح الجنود من الخدمة النظامية في الجيش إلى الاحتياط، فإنهم يكونون عديمي الخبرة وقدرتهم المهنية ضحلة. والنتيجة أنه خلال حربي لبنان الأولى والثانية وفي معاركه الأخيرة في غزة، لم يحقق الجيش أي إنجازات عسكرية أو سياسية ولم يردع “حماس”، رغم تفوقه الساحق عليها، ولم يمنعها من الاستمرار في إطلاق الصواريخ، لأن خططه متعددة السنوات لم تأخذ الجبهة الداخلية في الحسبان.
ويؤكد كل ذلك أن "إسرائيل" تعاني من تهديد وجودي يتمثل في مئات آلاف الصواريخ، كثير منها دقيق للغاية، ولها رؤوس حربية بمئات الكيلوغرامات ومدى يصل إلى مئات الكيلومترات التي تحيط بـ"إسرائيل" من جميع الجهات، وتهدد بإلحاق الضرر بالجبهة الداخلية في الحرب القادمة والتي ستكون ساحتها الرئيسية، لكن القيادة الأمنية والسياسية والعسكرية لم تأخذها على محمل الجد حتى يومنا هذا، رغم أنها ستكون الساحة المركزية في الحرب القادمة، وما سيفعله الجيش بالعدو خارج الحدود، لن يكون شيئًا مقارنةً بما سيفعله العدو في الجبهة "الإسرائيلية" الداخلية.