استنتاجات الموجز:
الحراك السياسي الدولي والتطورات العسكرية دليل على عودة الأزمة السورية لواجهة المشهد السياسي الدولي والإقليمي استعدادًا لتقاسم جديد للنفوذ في البلاد
مخاوف كردية من إجراء حوار مع النظام لعدم إثارة غضب واشنطن وتعريضها لتجفيف الدعم السياسي والمالي والعسكري
عودة التوتر العسكري بين القوات الأمريكية والإيرانية يشير لتداعيات عسكريّة كبيرة شرق سوريا
تشي التطورات المتلاحقة الخاصة بالأزمة السوريّة، مع بروز استحقاقات سياسيّة أبرزها: مخرجات محادثات أستانة، وتمديد آلية إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود إلى سوريا، إضافةً إلى التطوّرات العسكريّة في الشمال الشرقي والشمال الغربي، بأنّ القضية السوريّة عادت إلى واجهة المشهد السياسي الإقليمي والدولي، فقد تكون الأطراف الفاعلة في الملف السوري أكثر استعدادًا لتغيير المعادلات القائمة عسكريًّا وسياسيًّا، في تقاسم جديد للنفوذ في البلاد.
واتجهت أنظار السوريين إلى العاصمة الكازاخية، نور سلطان، ترقبًا لما ستخرج به الجولة الـ16 من مسار أستانة؛ وكما كان متوقعًا، لم تخرج هذه تلك الجولة بنتائج يمكن البناء عليها للدفع نحو حل سياسي شامل للأزمة. وفي بيان صدر في ختام الجولة، كررت الدول الضامنة لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) الالتزام الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، والأهداف والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. ولم تخرج الجولة بتحديد زمني للجلسة المقبلة لأعمال "اللجنة الدستورية"، إلا أنها أكدت أهمية دور اللجنة، وأهمية الإسهام في العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين إلى مناطقهم داخل سوريا، وضمان حقهم في العودة والحصول على الدعم.
وأعربت الدول الضامنة "عن تصميمها على مواصلة التعاون في محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، ومواجهة المخططات الانفصالية التي تستهدف تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وتشكل خطرًا على الأمن القومي للدول المجاورة"، مبديةً قلقها العميق إزاء زيادة تواجد وتفعيل أنشطة تنظيم "هيئة تحرير الشام" والتنظيمات المرتبطة بها داخل منطقة "خفض التصعيد" في إدلب. ولم تقرّ الدول الضامنة وقفًا دائمًا لإطلاق النار في الشمال الغربي من سوريا كما تريد المعارضة السورية، بل مددت "التهدئة على الأرض" وتطبيق الاتفاقات المبرمة بين روسيا وتركيا.
بموازاة ذلك، حضر ملف تمديد إدخال المساعدات إلى سوريا بزخم في أروقة مجلس الأمن، فرغم اتفاق الثلاثي الضامن على ضرورة إدخال المساعدات للسوريين، إلا أن روسيا لم تقدم أي جديد في هذا الملف، سوى عدم إعطاء مجلس الأمن التفويض اللازم لإيصال المساعدات، بعدما خرج مندوبها من قاعة جلسة المفاوضات لتمديد الموافقة على إصال المساعدات، في الوقت الذي سعت فيه الصين إلى "حلول" لمعالجة مخاوفها بشأن العقوبات الأحادية، والشفافية بخصوص المساعدات. وأُرجأ التصويت في مجلس الأمن على تمديد آلية إدخال المساعدات، وذلك في محاولة لتليين موقف روسيا، فيما طالبت أمريكا بتجديد وتوسيع تقديم المساعدات.
وفي إطار اشتداد التنافس الروسي الأمريكي شرق سوريا، تدفع موسكو لإجراء حوار بين "الإدارة الذاتية" الكردية والنظام السوري، في محاولةٍ لمزاحمة النفوذ الأمريكي في مناطق الأكراد، لا سيما وأن لروسيا رغبة في استمالة الأكراد. لكن الحوار بحد ذاته يصطدم بعراقيل يضعها النظام، وأخرى مقيدة بها "الإدارة الذاتية" مخافة توقف الدعم الأمريكي العسكري والمالي. كما إنّ "الترحيب الحذر" لـ"الإدارة" بالحوار، يعتبر خطوة غير محسوبة من قبل مسؤوليها، سياسيين وعسكريين. ويحاول المسؤولون الأكراد خلق توازن في علاقتهم بين موسكو وواشنطن. وبالتالي، فإن الحوار بينهما، وإن بدأ وقطع أشواطًا إيجابية، إلا أنه سيخضع للأمر الواقع في شمال وشرق سوريا، الذي سيكون معقدًا ومتشابكًا خاصةً بالنظر إلى الموقف الأمريكي من "الإدارة"، وكيفية انعكاس ذلك على التحالف الاستراتيجي بينها وبين واشنطن.
إلى ذلك، بدأ إعلام النظام يروّج "لبداية مرحلة جديدة لإطلاق الحياة السياسية"، بناء على توجهات تقضي بإحداث تغييرات في الحياة السياسية تتناسب مع دستور 2012، ويتمثل ذلك بإعداد مسودة قرار يقضي بإلغاء تنظيمي "اتحاد شبيبة الثورة" و"طلائع البعث"، إضافةً لإلغاء "الاتحاد الرياضي العام في البلاد" وتأسيس وزارة الشباب والرياضة في حكومة النظام القادمة، والتي من المفترض تشكيلها مطلع الشهر القادم.
في الشأن العسكري، طغى تصاعد التوتر بين القوات الأمريكية والمجموعات الإيرانية شرق البلاد على غيره من الأحداث العسكريّة؛ ففي تطور لافت يُتوقع أن تكون له تداعيات عسكرية، عاد التصعيد العسكري العنيف ضد القوات الأمريكية، حيث تعرضت القوات لأكثر من هجوم عندما سقطت قذائف صاروخية على حقل العمر النفطي بريف ديرالزور الشرقي دون سقوط ضحايا. بدوره، ألقى طيران التحالف بالونات حرارية في سماء قاعدته العسكرية بالحقل، كما أفشلت قوات التحالف هجومًا بطائرات مسيّرة على حقل العمر النفطي.
في غضون ذلك، تحاول روسيا رسم خطواتها الجديدة في إدلب، عبر تكثيف ضغطها العسكري ميدانيًّا، مودية بحياة الكثيرين في مجازر متجددة، عقب محادثات أستانة. كما ارتكبت قوات النظام بمساندة روسية مجزرة في شمال غربي البلاد، على وقع استمرار التصعيد العسكري في إدلب، أدت لمقتل أكثر من ثمانية أشخاص معظمهم من الأطفال وإصابة عشرة آخرين، نتيجة قصف قوات النظام وروسيا المنازل السكنية في جبل الزاوية، جنوبي إدلب بصواريخ موجهة بالليزر. وعاودت وزارة الدفاع الروسية تكرار الادعاءات عن تحضير فصائل إدلب بالتعاون مع "الخوذ البيضاء"، لهجوم بغازات سامة لاتهام قوات النظام بالوقوف وراء الهجوم.
إلى ذلك، يسعى النظام وروسيا لمعاقبة أهالي درعا لرفضهم للانصياع للقبضة الأمنية والتعامل مع قوات النظام، وذلك عبر الضغط على الأهالي لتجريدهم من أسلحتهم الفردية، تمهيدًا لفرض السيطرة على المنطقة. وتشمل خطة النظام معظم المناطق التي شهدت تسويات، لا سيما في محافظتي درعا والقنيطرة. وضمن هذا السياق، يندرج الحصار المفروض من قبل قوات النظام والمجموعات الإيرانية على العديد من المناطق في درعا، مع مطالبة النظام العديد من عناصر الفصائل بتسليم سلاحهم الفردي مقابل عدم اقتحام تلك المناطق، وفرض مزيد من الحصار عليها.
في هذا الإطار، بات النظام يصدر يوميًا لوائح لأشخاص يتهمهم بحيازة السلاح، مشترطًا تسليم سلاحهم مقابل تسوية وضعهم الأمني وإيقاف الملاحقة بحقه. ويشي لجوء النظام إلى هذا الإجراء لإفراغ المناطق الجنوبية من السلاح، بأي شكل. هذا، مع العلم أن هذه مناطق ترفض الانصياع لفكرة السيطرة المطلقة للنظام عليها، وفرض سطوته مجددًا من خلال التفرد بالقوة والهيمنة.
في الأثناء، يخيم التوتر على منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، على خلفية التنافس الذي بدأ يزداد بين "الفرقة الرابعة" بقوات النظام والمجموعات الإيرانية التي باتت تزاحم قوات النظام هناك، وتسيطر على المناطق. ورغم الاتفاق على إزالة السواتر الترابية التي أقيمت في المنطقة جراء الاشتباكات بين "الفرقة" والمجموعات الإيرانية، إلا أنّ أجواء التوتر الأمني ما زالت قائمة بين الطرفين، مع سعي إيران إلى تثبيت وجودها في تلك المنطقة، خاصة بعد إقدام قوات النظام على إزالة هذه السواتر والسماح بمرور المدنيين سيرًا على الأقدام فقط، ومواصلة منع مرور الآليات باستثناء الحالات الإسعافية.
لقراءة وتحميل الموجز/ اضغط هنا