استنتاجات الموجز:
تصاعد التوتر جنوب سوريا مؤشر على نيّة النظام استباحة درعا والقيام بعمليات عسكرية وتهجير الأهالي والمسلحين
روسيا والنظام يتنصلان من التزماتهما وتفاهمات مسار أستانة بوقف إطلاق النار في إدلب ما يُزيد من مخاطر التصعيد العسكري
حراك إقليمي ودولي لإعادة تعويم النظام من باب عودة اللاجئين واقتراح أردني لخريطة طريق دولية لإنهاء الأزمة
تشهد سوريا صراعًا متجددًا في الجنوب والشمال الغربي والشرقي، إثر تصاعد العمليات العسكرية والتوتر الأمني، نتيجة الصراع على النفوذ وبسط السيطرة. وقد تصاعد التوتر في الجنوب؛ حيث انتفض الأهالي بمحافظة درعا في وجه قوات النظام وأوقعوا خسائر في صفوفه، بعدما بدأت قواته هجومًا عسكريًّا على منطقة درعا البلد، ناقضًا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بمساعٍ روسية بشأن فك الحصار عن المنطقة، حيث كان من المفترض أن تدخل "الفرقة 15" وتقيم ثلاث نقاط عسكرية داخل المنطقة بموجب اتفاق التهدئة الأول.
ومع تصاعد التوتر بدأت قوات النظام عملية عسكرية في درعا البلد؛ حيث اقتحمت المنطقة من عدة محاور، فيما تصدى لها عدد من المسلحين المحليين، وسط سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين، بينما قتل أكثر من عشرة عناصر لقوات النظام جراء الاشتباكات على محاور القتال، مع استمرار عمليات القصف المكثف براجمات الصواريخ وقذائف الهاون والدبابات والمضادات الأرضية.
إلى ذلك، توالت الدعوات للدفاع عن درعا البلد من مختلف أنحاء منطقة حوران، حيث أعلن شبان في المنطقة الشرقية وبلدة تل شهاب ومدينتي جاسم ونوى تضامنهم مع درعا البلد، مهددين النظام بالتصعيد في كافة أنحاء المحافظة في حال واصل حصار درعا البلد، فيما بادر شبان بمدينة نوى إلى إغلاق الطرقات الرئيسية وأشعلوا الإطارات تضامنًا مع درعا البلد. كما هاجم مجهولون حواجز للأمن العسكري وأمن الدولة و"الفرقة 15" شرقي درعا، وسيطر شبان درعا على حواجز للنظام غرب المحافظة.
وكانت لجان التفاوض في درعا البلد أعلنت أنها عقدت اجتماعًا ضمّ اللجان المركزية في المحافظة، مع ممثلين من "اللواء الثامن" الموالي لروسيا لبحث تطورات درعا البلد، دون حضور ضباط النظام. وقد فشلت الاجتماعات في وقف التصعيدبسبب رفع سقف المطالب من قبل قوات النظام، المتمثلة بتهجير قسري لأشخاص محددين من أبناء درعا، وإنشاء تسع نقاط عسكرية ومفارز أمنية في المنطقة، بخلاف ما تم الاتفاق عليه. وطالب حوالي 50 ألف مدني، الجانب الروسي بالسماح لهم بالرحيل إلى "مكان آمن" في حال لم يتم ردع قوات النظام.
وفي الشمال الغربي، لم تلتزم روسيا والنظام بتعهداتهما وبتفاهمات الجولة الـ16 من مسار أستانة، والذي نص على التهدئة، حيث جدّدت قوات النظام خرق وقف إطلاق النار بريف إدلب الجنوبي ولم تتوقف عن استهداف المدنيين، فيما شهدت بلدات منطقة جبل الزاوية قصفًا مدفعيًا وصاروخيًا، ألحق أضرارًا في ممتلكات المدنيين، مع استمرار طائرات الاستطلاع في التحليق بشكل مكثف فوق المنطقة، كما شنت الطائرات الروسية غارات مكثفة على عدة مناطق متفرقة في إدلب.
بالمقابل، ردت المعارضة بقصف مواقع قوات النظام في معسكر جورين ومناطق في قرية البركة بريف حماة الشمالي الغربي براجمات الصواريخ، كما قصفت بالمدفعية والصواريخ مواقع لقوات النظام في محور "الفوج 46" بريف حلب الغربي، ومحاور كفر نبل ومعرة النعمان بريفي إدلب الجنوبي والشرقي. وركزت المعارضة قصفها على محيط الطريق الدولي دمشق-حلب، ما أدى لتدمير مواقع للمدفعية، وأوقع خسائر بشرية بصفوف قواته والمجموعات المساندة له، كما قصفت القوات التركية مواقع قوات النظام بريف إدلب الجنوبي بعشرات القذائف.
في غضون ذلك، تشهد مناطق عدة شمالي سوريا تصعيدًا ملحوظًا بين القوات التركية وفصائل "الجيش الوطني" المتحالفة معها من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى، وذلك بعد مقتل جندييْن تركيين بصاروخ موجه أطلقته "قسد" باتجاه سيارة عسكرية تركية. ومن المرجح أن تقدم تركيا وفصال الجيش الوطني على عملية عسكرية "محدودة" في بعض مناطق الشمال السوري، بهدف إبعاد الدوريات التركية عن مرمى القذائف الصاروخية التي يطلقها مقاتلو "قسد". وكان الجيش التركي استهدف بالمدفعية الثقيلة مواقع لـ"قسد" شمال مدينة منبج بريف حلب، وعلى محاور تل رفعت وجبل الشيخ عقيل شرق حلب، تزامنًا مع اندلاع اشتباكات بين "قسد" ومقاتلي "الجيش الوطني" على محوري قيراطة وتوخار الصغير قرب منبج.
في شأنٍ ميداني آخر، لا تزال البادية السورية مسرحًا لعمليات عسكرية من قبل تنظيم "داعش" ضد قوات النظام والقوات الإيرانية، وهو ما استدعى قصفًا جويًا روسيًا بأكثر من 50 غارة على مناطق انتشار التنظيم في البادية. وجاء القصف عقب مقتل أربعة من عناصر قوات النظام برصاص خلايا "داعش"، خلال قيام مجموعات عسكرية من قوات النظام بعمليات تمشيط في البادية، حيث وقعت هذه المجموعات في كمين لعناصر التنظيم.
في الشأن السياسي، انطلق الاجتماع المشترك الذي ترعاه روسيا إلى جانب النظام في قصر المؤتمرات بدمشق، لمتابعة أعمال المؤتمر الدولي حول "عودة اللاجئين واستعادة الحياة السلمية". وناقش الاجتماع الإجراءات التي يقوم بها النظام "لتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين، وتوفير ظروف معيشة وبيئة مريحة بالتنسيق والتعاون مع روسيا".
توازيًّا، أكد فريق "منسقو استجابة سوريا" أن التسوية التي يدعو إليها المؤتمر ومن خلفه روسيا والنظام، لا يمكن تحقيقها بوجود القوات الروسية في سوريا وبوجود قيادة النظام السوري الحالية. وقال الفريق: "إن الادعاء بأن الهدف الأساسي للمؤتمر هو إعادة النازحين واللاجئين السوريين إلى سوريا، هو محاولة لتعويم النظام دوليًا، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بأي شكل من الأشكال في الوقت الحالي".
من جهة أخرى، يبدو أنّ الأردن يلاقي الخطوات الروسي بإعادة تعويم النظام بخطوات كبرى تجاه الأخير، بعدما فتح المعابر وقام بتبادل تجاري، متجاوزًا العقوبات على النظام. وتفتح تصريحات ملك الأردن، عبد الله الثاني، حول القبول بالنظام من منطلق قدرته على الاستمرارية والبقاء، الباب أمام مرحلة جديدة إقليميًا، لا سيما وأن تلك التصريحات جاءت من واشنطن، التي يطلب منها الملك الأردني الموافقة على "خريطة طريق دولية" لإنهاء الأزمة السورية، عنوانها "استعادة السيادة ووحدة الأراضي"، على أن يشرف على تنفيذها كل من الولايات المتحدة وروسيا و"إسرائيل" والأردن. وتدل تلك الخريطة على أنّ الأردن يعمل على إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية بالتعاون مع الدول العربية وموافقة أمريكيّة.
في السياق أيضًا، دخلت الصين على خط إعادة تعويم النظام، حيث اتفق وزير خارجية الصين، وانغ يي، مع رئيس النظام، بشار الأسد، على "بدء مرحلة جديدة" من تعزيز العلاقات بين الجانبين، وفتح آفاق أوسع للتعاون الثنائي في كل المجالات. وقال "يي" إنّه طرح مبادرة للحلّ في سوريا تقوم على أربع نقاط؛ تقضي الأولى منها بضرورة "احترام السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، واحترام خيار الشعب السوري والتخلي عن وهم تغيير النظام، وترك الشعب السوري يحدّد مستقبل ومصير بلاده بشكل مستقل".
وتطالب النقطة الثانية بـ"وضع رفاهية الشعب السوري في المقام الأول وتعجيل عملية إعادة الإعمار، ورفع جميع العقوبات الأحادية والحصار الاقتصادي بشكل فوري". وتدعو النقطة الثالثة إلى "دعم موقف حازم بشأن مكافحة الإرهاب بفاعلية. وتحث النقطة الأخيرة على دعم "حلّ سياسي شامل وتصالحي للقضية السورية بقيادة السوريين، وتضييق الخلافات بين جميع الفصائل السورية من خلال الحوار والتشاور، وإرساء أساس سياسي قوي للاستقرار والتنمية والنهوض على المدى الطويل". وتطالب المجتمع الدولي بـ"توفير مساعدة بنّاءة في هذا الصدد، ودعم الأمم المتحدة في لعب دورها بصفتها قناة رئيسية للوساطة".
لقراءة وتحميل الموجز/ اضغط هنا